توصّل المجلس العسكري الحاكم وقادة الاحتجاجات في السودان الجمعة إلى اتّفاق حول الهيئة التي يُفترض أن تقود المرحلة الانتقاليّة المقبلة، وعلى تقاسم للسلطة بين العسكريين والمدنيين لا يعرف بعد ما إذا كان سينجح في وقف التوتر المستمر منذ أشهر.

إيلاف: يتولى المجلس العسكري الحكم في البلاد منذ عزل الرئيس عمر البشير في 11 أبريل إثر تظاهرات حاشدة، بينما يطالب المحتجون بنقل السلطة إلى مدنيين. وجاء الإعلان عن الاتفاق الجمعة على خلفية توتر مستمر بين الجانبين بعد عملية فض اعتصام المحتجين الدامية في الثالث من يونيو أمام مقرّ القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، والذي أسفر عن عشرات القتلى وأثار موجة تنديد دولية.

وبفضل وساطة أثيوبيا والاتحاد الأفريقي، استأنف الجانبان المفاوضات قبل أيام في محاولة لرسم الخطوط العريضة للمرحلة الانتقاليّة المقبلة.

أعلن وسيط الاتّحاد الأفريقي محمّد الحسن لبات خلال مؤتمر صحافي أنّ المجلس العسكري الحاكم وتحالف "إعلان قوى الحرّية والتغيير" الذي يقود حركة الاحتجاج اتّفقا على "إقامة مجلس للسيادة بالتّناوب بين العسكريّين والمدنيّين ولمدّة ثلاث سنوات قد تزيد قليلاً".

احتفالات
فور الإعلان عن التوصل إلى اتفاق، خرجت حشود من السودانيين المبتهجين إلى شوارع الخرطوم هاتفين "حكم مدني"، في حين لم يكن هناك وجود للقوات الأمنية في الشوارع.

وكانت الحشود تضرب على علب معدنية وزجاجات مياه بلاستيكية أثناء مسيرتهم في الشوارع الرئيسة في العاصمة مرددين شعارات ثورية.

تسببت مسألة إدارة المجلس السيادي بانهيار المفاوضات في مايو. إذ تمسك العسكريون بأن يرأس المجلس عسكري، بينما أصر المدنيون على أن تكون أكثرية أعضاء المجلس ورئاسته للمدنيين.

على موقع "تويتر"، شكك كثيرون بالاتفاق، وعبر البعض عن خيبة أملهم، بينما حاول آخرون أن يكونوا واقعيين. فكتب أحدهم "سياسيا وواقعيا ونظرًا إلى أن الجيش والدعم السريع يمتلكون كل الوقت وكل السلاح و90 في المئة من دعم دول الجوار، لا أعتقد بنجاح حل آخر للتقدم بالنسبة إلى المدنيين"، معتبرًا أن الاتفاق "غير منصف للثورة".

لم تتضح بعد الآليّة التي سيتمّ اعتمادها. لكن وفقاً للخطّة الانتقاليّة التي أعدّها الوسيطان الأفريقي والأثيوبي، سيرأس "المجلس السيادي" في البداية عسكري لمدّة 18 شهرًا على أن يحلّ مكانه لاحقاً مدني حتّى نهاية المرحلة الانتقاليّة.

قال أحد قادة "قوى إعلان الحرية والتغيير" أحمد الربيع لوكالة فرانس برس إن المجلس سيكون مؤلفاً من ستة مدنيين بينهم خمسة من التحالف وخمسة عسكريين.

رحّبت الإمارات الجمعة بالاتفاق في السودان، داعية إلى "تأسيس نظام دستوري راسخ". وكتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدة "نبارك للسودان الشقيق الاتفاق الذي يؤسس لانتقال سياسي مبشر".

اتفاق شامل
وأشاد نائب رئيس المجلس العسكري السوداني الفريق محمد حمدان دقلو من جهته بالاتفاق. وقال متحدثاّ بعد الوسيط الأثيوبي في المؤتمر الصحافي "نودّ أن نطمئن كل القوى السياسية والحركات المسلحة وكل من شاركوا في التغيير، بأن هذا الاتفاق سيكون شاملًا لا يقصي احدا ويستوعب كل طموحات الشعب السوداني بثورته".

وأوضح لبات أنّ الطرفين اتّفقا أيضًا على إجراء "تحقيق دقيق شفّاف وطني مستقلّ لمختلف الأحداث والوقائع العنيفة المؤسفة التي عاشتها البلاد في الأسابيع الأخيرة".

وتطالب حركة الاحتجاج بإجراء تحقيق دولي مستقل بشأن تفريق الاعتصام، متهمة المجلس العسكري بالوقوف وراءه، وقوات الدعم السريع بقيادة دقلو المعروف بحميدتي بتنفيذه، الأمر الذي رفضه العسكريون الذين شكلوا لجنة تحقيق عسكرية خاصة بهم.

وبحسب لبات، "وافق الأطراف أيضاً على إرجاء إقامة المجلس التشريعي والبتّ النهائي في تفصيلات تشكيله، حالما يتمّ قيام المجلس السيادي والحكومة المدنيّة".&

تمّ الإفراج الخميس عن 235 عنصراً من متمرّدي "جيش تحرير السودان"، أحد أبرز الفصائل المتمرّدة في دارفور (غرب) وأحد مكونات قوى تحالف الحرية والتغيير، وفق ما أفاد صحافي في فرانس برس. واستقبلتهم عائلاتهم بعد "عفو" منحهم إياه رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

جاءت المفاوضات بعد بضعة أيام فقط من خروج تظاهرات حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف الأحد في جميع أنحاء البلاد، رغم انتشار أمني كثيف وحجب خدمة الإنترنت منذ نحو شهر، لمطالبة العسكريين بالتخلي عن السلطة.

ومنذ الثالث من يونيو، أدت حملة القمع إلى مقتل 136 شخصاً، بينهم أكثر من مئة خلال عملية تفريق الاعتصام أمام مقرّ القيادة العامة للجيش في الخرطوم، بحسب لجنة الأطباء المركزية المقربة من حركة الاحتجاج. في المقابل، تتحدث السلطات عن حصيلة بلغت 71 قتيلاً منذ التاريخ نفسه.

تظاهر مئات الطلاب الخميس خصوصًا في مدني والقضارف وسنار (شرق) للمطالبة بـ"حكومة مدنية"، بحسب شهود. وأبقى قادة الاحتجاجات على دعوة أُطلقت قبل استئناف الحوار لتظاهرة كبيرة في 13 يوليو تليها في اليوم التالي حملة عصيان مدني.

أدى حراك مماثل نظم من 9 إلى 11 يونيو، إلى شلل في العاصمة. واندلعت التظاهرات في السودان في نهاية ديسمبر رفضا لزيادة سعر الخبز ثلاثة أضعاف في بلد فقير يعاني أزمة اقتصادية خانقة. وسرعان ما اتخذت الاحتجاجات طابعا سياسياً عبر المطالبة بإسقاط النظام، وعلى رأسه البشير، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لنحو ثلاثة عقود. ثم استمرت للمطالبة بحكم مدني.