اتهمت منظمة حقوقية دولية السلطات العراقية اليوم بعدم ضمان حصول سكان محافظة البصرة الجنوبية البالغ عددهم 4 ملايين نسمة على كفايتهم من مياه الشرب المأمونة بسبب سوء الإدارة والفساد، مما أدى إلى استمرار المخاوف الصحية التي وصلت ذروتها مع أزمة المياه الحادة التي تسببت بدخول 118 ألف شخص على الأقل إلى المستشفى في 2018، وأدت إلى احتجاجات عنيفة.&

إيلاف: قالت منظمة"هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية في تقرير أصدرته الاثنين بعنوان "البصرة عطشانة: تقاعس العراق عن مُعالجة أزمة المياه"، وجاء في 116 صفحة وتابعته "إيلاف"، أن الأزمة هي نتيجة لعوامل معقدة، والتي إذا تُركت من دون معالجة، ستؤدي على الأرجح إلى تفشي الأمراض المنقولة بالمياه في المستقبل، واستمرار المصاعب الاقتصادية. وأكدت أن السلطات لم تقم على المستويين المحلي والاتحادي بما يكفي لمعالجة الظروف الكامنة التي تسببت في هذا الوضع.

سياسيون جهلة
ونوهت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، بأنه "يتخذ السياسيون قصيرو النظر من زيادة هطول الأمطار سببًا لعدم حاجتهم إلى التعامل بشكل عاجل مع أزمة البصرة المستمرة، لكن البصرة ستستمر في مواجهة نقص حاد في المياه وأزمات تلوّث في السنوات المقبلة، مع عواقب وخيمة، إذا لم تستثمر الحكومة الآن في تحسينات مُستهدَفة وطويلة الأجل ومطلوبة بشدة".

وأشارت المنظمة إلى أنها قابلت 58 شخصًا من سكان البصرة، وعاملين في مرافق المياه الخاصة والعامة، واختصاصيين في الرعاية الصحية، وراجعت اختبارات عينات المياه من نهر شط العرب، ومحطات المعالجة والصنابير في المنازل.. كما قابلت ممثلين من مجلس محافظة البصرة، ومكتب المحافظ، ووزارة الموارد المائية، ومديريات المياه والمجاري التابعة لوزارة البلديات والأشغال العامة، ووزارة الصحة والبيئة ووزارة الزراعة، وحللت البيانات الأكاديمية وبيانات الصحة العامة وصور الأقمار الصناعية العلمية والتجارية للمنطقة على مدى أكثر من 20 عامًا لإثبات العديد من النتائج.

إهمال مزمن
وأشارت المنظمة إلى أن نهر شط العرب وقنوات مياهه العذبة هي مصادر المياه الأساسية في البصرة فوجدت أن السلطات العراقية تقاعست عن إدارة وتنظيم الموارد المائية في العراق بشكل صحيح، مما حرم الناس في محافظة البصرة في جنوب العراق – عددهم 4 ملايين نسمة – من حقهم في الحصول على مياه شرب مأمونة لعقود من الزمن، بما في ذلك خلال فترة الاحتلال من السلطة الموقتة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا بعد سقوط النظام السابق عام 2003، لكن الإخفاقات الحكومية المتعددة منذ الثمانينات، بما في ذلك الإدارة السيئة لمنابع المياه في أعلى النهر، وعدم كفاية التنظيم المُطبّق على التلوّث والصرف الصحي، والإهمال المُزمن وسوء إدارة البنية التحتية للمياه، تسببت في تدهور نوعية هذه المجاري المائية.

أضافت إنه لمواجهة نقص المياه وتلوّثها، اضطر سكان البصرة للاعتماد على شراء المياه، حيث تقع التكلفة المرتفعة، لا سيما خلال الأزمة، على عاتق السكان الأكثر فقرًا، وتجعلهم قابلين على نحو خاص للتعرّض لمياه الصنبور غير المأمونة.

إصابات تسمم جراء المياه الملوثة في البصرة

وقال جعفر صباح، مزارع من أبو الخصيب، مدينة فقيرة تقع في جنوب شرق البصرة، لـ هيومن رايتس ووتش "كل عام كنت أحصل على 50 بالمئة من إنتاج العام السابق، ثم في 2018، لم ينج أي شيء تقريبًا. في 2018، كان مستوى الملوحة في الماء مرتفعًا لدرجة أنه كان بإمكاني التقاط الملح من الماء بيدي. أموت من العطش وكذلك أطفالي. حصلت 4 حالات تسمم في عائلتي. لست أملك المال، ولا أستطيع نقلهم إلى المستشفى. من أين أحصل على المال؟.

أضافت المنظمة "تفاقمت الأزمة بسبب انخفاض معدلات تدفق المياه العذبة في الأنهار والذي يُعزى إلى بناء سدود في المنبع متصلة بمزارع السكر وغيرها من المشاريع الزراعية، وخاصة في إيران، وانخفاض هطول الأمطار في العقود الأخيرة".&

توقعات بازدياد ندرة المياه
وحذرت من أنه نتيجة لارتفاع درجات الحرارة بسبب تغيّر المناخ، من المتوقع أن تزداد ندرة المياه في المنطقة. مع ذلك، لا توجد سياسات كافية لتقليل الآثار الضارة وتفاقم هذا بسبب الاستخدام غير المستدام للمياه في الزراعة وللأغراض المنزلية، كما أدى نقص المياه الكافية إلى تسرّب مياه البحر إلى شط العرب، مما جعل المياه غير مناسبة للاستهلاك البشري وري العديد من المحاصيل.&

ووجدت هيومن رايتس ووتش أدلة على تكاثر كبير محتمل للطحالب الضارة على طول شط العرب وسط مدينة البصرة، والذي قد يكون ساهم في الأزمة الصحية في صيف 2018. كما أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها هيومن رايتس ووتش تراكم النفايات على طول القنوات في جميع أنحاء البصرة التي تصب في شط العرب وسط مدينة البصرة، من مارس 2018 إلى فبراير 2019. &

محطات المياه في البصرة تفتقد للتكنولوجيا اللازمة
وأوضحت أن محطات المياه العامة في البصرة غير مجهزة بالتكنولوجيا اللازمة لجعل مياه البحر صالحة للشرب، وهذا يجعل الكلور، مادة كيميائية شائعة الاستخدام لمعالجة المياه، أقل فعالية. علاوة على ذلك، يقول الخبراء إن سلطات المياه تعاني للحصول على كميات كافية من الكلور بسبب الضوابط الصارمة التي تهدف إلى منع وقوع المادة الكيميائية في أيدي الجماعات التي استخدمتها كسلاح.

وأشارت إلى أنه حتى عند إضافة الكلور، فإن المستويات العالية من التعكر أو الملح في الماء تجعل الكلورة (إضافة الكلور) أقل فعالية لقتل البكتيريا، كما إن شبكة أنابيب البصرة مشققة، وتدخل المياه الجوفية الملوّثة بالبراز إلى الشبكة، بحيث إن كمية الكلور المُضافة في محطات المعالجة لن تُعالج على الأرجح بشكل فعال الملوّثات الجديدة التي تدخل النظام.

ونوهت بـنه علاوة على ذلك، تغض السلطات الطرف عن الأنشطة التي تلوّث موارد البصرة المائية وعبر مراجعة صور الأقمار الصناعية، اكتشفت هيومن رايتس ووتش تسرّبين نفطيين محتملين في شط العرب في وسط البصرة خلال 2018، إضافة إلى خطي أنابيب تحت الأرض يُطلقان دوريًا ما يبدو أنها كميات كبيرة من المخلّفات في المياه.

118 ألف شخص دخلوا المستشفى بسبب تلوث المياه
وأوضحت أنه في صيف 2018، أُدخِل ما لا يقل عن 118 ألف شخص إلى المستشفيات بسبب أعراض حددها الأطباء على أنها مرتبطة بنوعية المياه، لكن لم تنشر السلطات بعد أي تحقيقات رسمية في سبب الأزمة الصحية.

وأكدت أن الأسباب المحتملة للأمراض في 2018 تشمل الفيروسات (مثل النوروفيروس)، والطفيليات (الجيارديا أو الكريبتوسبوريديوم)، والبكتيريا (الإشريكية القولونية)، والمعادن السامة من مياه الصرف الصحي والتلوّث الزراعي والصناعي. قد تكون الملوحة العالية للمياه قد ساهمت أيضًا في تفشي المرض، وفقًا لخبراء شاركوا في اختبار عينات المياه خلال الأزمة.

تكاثر الطحالب في شط العراق
عثرت هيومن رايتس ووتش على أدلة على تكاثر كبير محتمل للطحالب في شط العرب أثناء تفشي المرض. يمكن أن تساهم النفايات في المياه وارتفاع درجات الحرارة المرتبطة بتغيّر المناخ في هذا الوضع، لكن يبدو أن الحكومة لم تنظر فيه. المختبرات التي اختبرت عينات المياه في ذلك الوقت لم تقم أبدًا بفحوص بحثًا عن الطحالب الضارة.

وقالت إنه لا يوجد في العراق نظام تحذيري في مجال الصحة العامة لإبلاغ السكان عندما تكون مياه الشرب في مجتمع ما ملوّثة، أو يُشتبه في تلوّثها، وعن الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتخفيف الضرر.&

أظهرت صور الأقمار الصناعية ما يبدو أنه تسرب نفطي محتمل إلى شط العرب بالقرب من حقل نهر بن عمر النفطي، وهو موقع تديره “شركة نفط البصرة” الحكومية، على بعد حوالى 25 كيلومترا&من مدينة البصرة، حيث استمر التسرب 10 أيام على الأقل.&

وقالت إن المشاريع الهندسية الحكومية لتحسين نوعية المياه بسبب سوء الإدارة والفساد. لسنوات، كان المزارعون والشركات يستغلون قنوات المياه العذبة ولا يتركون ما يكفي من المياه لمحطات معالجة المياه العامة في البصرة لتأمين مياه الشرب.

ضرورة اتاحة الوصول إلى المياه للجميع
اضافت المنظمة ان هذه الإخفاقات مجتمعة تنتهك حقوق سكان البصرة في المياه، والصرف الصحي، والصحة، والمعلومات والملكية (الأراضي والمحاصيل) التي يكفلها القانون الدولي والوطني.

ونوهت بأن الزراعة هي مصدر الدخل الرئيس للمجتمعات الريفية في محافظة البصرة. مع ذلك، أدى الري بمياه مالحة إلى إلحاق أضرار بالتربة وقتل النباتات، كما أدت المشاريع أعلى النهر إلى خفض إنتاج المحاصيل بدرجة كبيرة.

وشددت على انه لإعمال الحق في الماء، الحكومات مُلزَمة بالعمل من أجل إتاحة الوصول الشامل للمياه والصرف الصحي للجميع، من دون تمييز، مع إعطاء الأولوية لمن هم الأكثر الحاجة إليها، لكن أكثر من 300 ألف من سكان محافظة البصرة ليسوا متصلين بشبكة المياه والصرف الصحي، مما يدفع البعض إلى الاستفادة بطريقة غير مشروعة من إمدادات المياه، مما يتسبّب في التلوّث وانخفاض ضغط المياه والهدر.

مطالبة الحكومة بمياه آمنة
وقالت انه في 22 يوليو الحالي نشر الفنان الكوميدي البصراوي المعروف أحمد وحيد شريط فيديو بالشراكة مع هيومن رايتس ووتش، يدعو فيه العراقيين إلى مطالبة الحكومة بمياه آمنة ونظيفة للشرب. طلب من العراقيين أن ينشروا صورا لهم على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يحملون كوب ماء، مع استخدام هاشتاغ #مياه_نظيفة_للبصرة، تضامنا مع أهالي البصرة.

دعوة إلى&نظام تحذيري
ودعت المنظمة السلطات في العراق الى أن تضع على الفور نظامًا تحذيريًا للصحة العامة يسمح للسلطات بإبلاغ السكان عندما تكون مياه الشرب في مجتمع ما ملوّثة أو يُشتبه في تلوّثها، والخطوات التي ينبغي اتخاذها لتخفيف الضرر، ووضع بروتوكولات للمسؤولين الحكوميين للاستجابة للتحذيرات ورفعها.

كما طالبت السلطات المحلية والاتحادية بأن تشكل فرقة عمل متعددة الاختصاصات ومستقلة للمياه والبيئة لمراقبة الوضع وتنسيق الإجراءات من جانب مختلف السلطات والتشاور مع السكان المتضررين. ينبغي أن تُعلن نتائج التقارير التي أُجريت خلال الأزمة الصحية في 2018 والخطط الطويلة الأجل لمنع حدوث أزمات مائية في المستقبل وللاستجابة للأزمات المحتملة. عليها أن تضمن التعويض لأولئك الذين تتأثر سبل عيشهم.

وشددت لما فقيه مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا على ان "الحصول على مياه الشرب المأمونة ليس ضروريا لبقائنا فحسب، بل هو حق أساسي للجميع. بينما سيتطلب حل أزمة المياه في البصرة الكثير من التخطيط والوقت والمال، من الممكن معالجتها ما دامت السلطات تأخذ مسؤولياتها جديا. البديل قاتل".

يشار الى ان محافظة البصرة شهدت في العام الماضي بسبب التلوث الحاد في مياه الشرب ونقص الكهرباء تظاهرات احتجاج عنيفة ادت الى صدامات مع القوات الامنية وسقوط ضحايا واعتقال مئات من المحتجين سرعان ما توسعت الى محافظات اخرى.