ثار السودانيون على الرئيس المعزول عمر البشير وسياسات حزبه التي يتهمونها بإفقارهم وتقسيم بلادهم. لكنّ مقار حزبه باتت في قبضة قوات الدعم السريع التي يخشاها الناس على نطاق واسع.

إيلاف: بات المقر الرئيس لحزب المؤتمر الوطني، المكون من تسع طبقات على الأقل، ولا يزال تحت الإنشاء قرب مطار الخرطوم، بات معسكرًا لهذه القوات شبه العسكرية.

ويمكن مع فتح بوابته بين الفينة والأخرى رؤية عشرات السيارات المدججة بالسلاح متوقفة في باحته الرئيسة، حيث تتمركز رافعة بناء صفراء ضخمة يمكن رؤيتها من بعد.&

ترابط أيضًا سيارات نصبت على مقدمتها مدافع رشاشة حول المبنى، الذي لا تزال سقالات البناء موضوعة حوله في منطقة الخرطوم 2 الراقية. وبسطت هذه القوات سيطرتها على مقار الحزب كافة في أرجاء البلاد.

وبعد ثلاثة أيام من إطاحة البشير في 11 إبريل، أعلن المجلس العسكري الانتقالي تشكيل لجنة لمصادرة أموال وأصول حزب البشير في العاصمة وأرجاء البلاد.

قال الصحافي السوداني البارز فيصل محمد صالح لوكالة فرانس برس إنّ "هناك مفارقتين" بين البشير وحزبه من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.&

أضاف "الأولى أنّ الحزب الذي ثار عليه السودانيون صار في قبضة قوات يكرهها السودانيون، والثانية أنّ القوات التي بناها وشكلها البشير، وكان من المفترض أنّ تحميه، ساهمت في عزله، وباتت تحتل مقار حزبه".

يقود نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" هذه القوات، التي أدمجت فيها ميليشيا الجنجويد المتهمة من قبل منظمات حقوقية بارتكاب انتهاكات على نطاق واسع في دارفور أثناء الحرب العرقية التي اندلعت في 2003.&

ويتهم المحتجون ومنظمات حقوقية هذه القوات بعملية دامية لفض اعتصام المحتجين أمام مقر القيادة العامة للجيش في 3 يونيو، والتي أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة المئات، في حين قال حميدتي مرارًا إنها مزاعم هدفها تشويه سمعة قواته. والسبت، اتهم محققون سودانيون عناصر من هذه القوات بالمشاركة في العملية الدامية.

والسبت، اتهم محققون سودانيون عناصر من هذه القوات بالمشاركة في العملية الدامية. لكنّ رئيس المجلس العسكري الحاكم عبد الفتاح البرهان دافع الثلاثاء عن قوات الدعم السريع التي قال إنّها "قوات نظامية تتبع القوات المسلحة وتعمل تحت أمرة القائد العام للقوات المسلحة".

ويتهم السودانيون حزب المؤتمر الوطني بإغراق السودان في أزمات إقليمية ومحلية عرّضته لعقوبات دولية دمّرت اقتصاد بلادهم وأثرت على تمويل مشروعات التنمية، وأدت إلى تقليل مساحته مع انفصال جنوب السودان.

ومنذ استقلال جنوب السودان في العام 2011، تراجعت عائدات النفط وتدهورت الأوضاع الاقتصادية، ما دفع الحكومة إلى تقليص الدعم المقدم إلى المحروقات والغذاء.

اندلعت التظاهرات أساسًا في 19 ديسمبر احتجاجًا على رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، قبل أن تتحوّل سريعًا لحركة احتجاج ضد البشير في أرجاء البلاد.

قال محمود، وهو اسم مستعار لموظف يتحدر من دارفور، إن "سياسات البشير كانت سيئة للغاية. أخّرت البلاد، وقتلت وشردت الناس". تابع محمود الأب لطفلين "رأيت بعيني كيف نفذت ميليشيات الجنجويد الفظائع في دارفور بأوامر من حكومة البشير".&

ويواجه البشير اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في إقليم دارفور بين عامي 2003 و2008.

ميليشيا قبلية
وصل البشير للحكم إثر انقلاب عسكري أيّده الإسلاميون في العام 1989.

وقبل نحو عشر سنوات قرر الحزب الإسلامي هدّم جزء من مقره الرئيس لبناء مقر حديث. وتداولت صحف حينها تصريحات لنائب رئيس الحزب ابراهيم محمود أنّ البناء يتم بتمويل من الحزب الشيوعي الصيني.&

وقدّم الكاتب صالح حينها شكوى لهيئة الأحزاب بخصوص تلقي الحزب الحاكم تمويلًا أجنبيًا، وهو ما يجرمه القانون المحليّ. لكنّ الشكوى تم حفظها لغياب الأدلة، على ما أكّد صالح.

وقال صحافي سوداني فضّل عدم ذكر اسمه إنّ "الإنشاءات كانت تتم بشكل جيد، لكنها تباطأت بعد انفصال الجنوب، وتراجع عائدات النفط في شكل حاد".&

الآن بات المقر برمته وكل المقار الأخرى في قبضة قوات الدعم السريع التي تنتشر في معظم شوارع العاصمة والبلاد. وهو ما عدّه رجل أعمال يسكن قرب المقر فضّل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية "محاولة من قوات الدعم السريع للسيطرة على مفاصل الدولة العميقة" في السودان.

قال الكاتب صالح إنّ "حزب البشير حاول السيطرة على السلطة بوسائل مختلفة، لكن ربما أكثر نعومة، كما قدّم وجوها مدنية. أما قوات الدعم السريع فتتألف من شخصيات غير متعلمة من مناطق ريفية، وبعضهم يدخل المدن للمرة الأولى". وهو ما رأى أنّه "يفسر الغلاظة التي يتعاملون بها مع السودانيين". وأضاف "رغم كل محاولات قوات الدعم السريع لاكتساب ثقة الناس ومحبتهم لا يزال السودانيون ينظرون إليها على أنها ميليشيا قبلية مفروضة عليهم بقوة السلاح".
&