طهران: يعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه، دبلوماسيا مخضرما معروفا خارج إيران بشخصيته المرحة لكنّه غالبا ما يتعرّض في بلده لانتقادات.

ويُنسب إلى ظريف الفضل في إبرام الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى عام 2015، وقد هتف الإيرانيون باسمه عندما نزلوا إلى الشوارع للاحتفال بالاتفاق التاريخي.

ورغم أن ظريف بقي لسنوات يتعرض لانتقادات حادة من قبل معارضيه في إيران، إلا أن قرار واشنطن الأخير بفرض عقوبات عليه يبدو أنه قد دفع بمسؤولي النظام للالتفاف حوله.

وقاد ظريف (59 عاماً) المراحل النهائية من المفاوضات بين طهران ومجموعة القوى الست (ألمانيا، الصين، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا) منذ سبتمبر 2013.&

لكن الاحتفالات بالاتفاق سرعان ما تحوّلت إلى نقمة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة منه أحاديا وإعادة فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وبعدما استهدفت تقريبا كافة القطاعات الحيوية في الاقتصاد الإيراني فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ومن ثم على ظريف متّهمة إياه بأنه "يُنفّذ الأجندة المتهوّرة للمرشد".

وسارع ظريف للرد عبر تويتر في تغريدة قائلا "ليست لديّ أيّ ممتلكات أو أصول خارج إيران. شكرًا لأنّكم اعتبرتموني تهديداً".

ووجد ظريف، المكروه من قبل المحافظين المتشددين الذين لم يوافقوا أبداً على الاتفاق ولا على انفتاح الرئيس حسن روحاني على الغرب، نفسه تحت سيل من انتقادات خصومه، خصوصا بسبب علاقته الوثيقة بنظيره الأميركي حينها جون كيري خلال المفاوضات التي سبقت إبرام الاتفاق.

وقال في الماضي لصحيفة "الجمهورية الإسلامية" الإيرانية "كنا قلقين من التعرّض للطعن في الظهر أكثر من قلقنا بشأن المفاوضات"، موضحا أن "الضغوط الداخلية أنهكتني خلال المحادثات وبعدها".

سعادة السفير

قضى ظريف، الدبلوماسي المحنك، قسماً كبيراً من حياته في الولايات المتحدة، ما جعله محطّ تشكيك في نظر المحافظين المتشددين.&

وقد أعلن ظريف في فبراير استقالته لكنه استعاد مكانته السياسية في مواجهة منتقديه بعدما رفض روحاني استقالته.

والشهر الماضي ألمح ظريف إلى الاستقالة مجددا عندما أظهره مسلسل للتلفزيون الرسمي بشكل سلبي وغير أهل لمواجهة الضغوط الخارجية، وقد أبلغ المرشد الأعلى بأنه "من غير المسموح" أن يستمر هذا الأمر.

وقد طمأنه خامنئي بالقول "أنا غير راض على الإطلاق أن تتعرض للاهانة"، بحسب وكالة الأنباء "إسنا".&

وظريف الحائز على دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة دنفر الاميركية مطلع على الثقافة الأميركية جيداً.&

وفي مذكراته المعنونة "سعادة السفير" كتب وزير الخارجية الإيراني الذي تربى في عائلة متدينة في طهران، أنه لم يستمع إلى "الموسيقى حتى بلغ سن ال15".

والتزامه بالثورة يعود إلى حقبة المراهقة. ففي سن ال16 أرسله أهله إلى سان فرانسيسكو بعدما كاد يتعرض للتوقيف من قبل شرطة الشاه. وفي الولايات المتحدة، استكمل دراسته الثانوية وأصبح عضواً في الجمعية الإسلامية الطلابية.&

والتقى هناك شقيق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان رئيسا بين عامي 1989 و1997 وآخرين أصبحوا في ما بعد مسؤولين في الجمهورية الاسلامية.

ويخبر ظريف في مذكراته أنه ابان ثمانينات القرن الماضي في الولايات المتحدة حرمته زوجته "الثورية المتشددة" من مشاهدة التلفزيون "طوال 10 سنوات" لتفادي التأثيرات السيئة.

لكنها لاحقا أصبحت من أتباع محمد اسماعيل دولابي المتصوف الشيعي الذي حولتها تعاليمه إلى "شخص هادئ مع الكثير من الصبر والتسامح". ويتابع ظريف الذي له ولدان بأن ذلك "كان له تأثير كبير على عائلتنا".

وكلف ظريف في عام 1980 بإغلاق قنصلية بلاده في سان فرانسيسكو، بعيد قطع العلاقات الدبلوماسية بين ايران والولايات المتحدة أثر احتجاز دبلوماسيين أميركيين في طهران رهائن.

وبدأ بعد ذلك دراسة العلاقات الدولية.&

وبموازاة ذلك، انخرط في صفوف الوفد الايراني الى الامم المتحدة حيث اصبح سفيرا (1989-1992 ثم 2002-2007). وفي الاثناء عين نائبا لوزير الخارجية لمدة عشر سنوات.

وبعدما أقاله الرئيس المحافظ محمود احمدي نجاد في 2007 انضم إلى مركز الأبحاث الاستراتيجية الذي كان يديره حسن روحاني. وعينه الأخير وزيراً للخارجية بعد انتخابه رئيساً عام 2013.

ويعرف الرجلان بعضهما حقّ معرفة، فقد كانا سوياً عام 1988 من ضمن الوفد المشارك في مفاوضات وقف إطلاق النار مع العراق، وفي المفاوضات للافراج عن رهائن أميركيين في لبنان عام 1991.

وفي 2003 كان مع روحاني كبير المفاوضين النوويين عندما وافق الاخير على تعليق تخصيب اليورانيوم وتعزيز المراقبة الدولية للمواقع النووية الايرانية، وهو ما رفضه أحمدي نجاد عام 2005.

&وفي مقابلة مع صحيفة "الجمهورية الإسلامية" عندما أعلن استقالته، قال ظريف "نخسر كل شيء عندما تنعدم الثقة بمن يتولى السياسة الخارجية".

لكن يبدو أن العقوبات الأميركية قد منحته تأييدا واسعا في إيران.

وفي بيان على موقعه وصف الحرس الثوري الإيراني القرار الأميركي بـ"الغريب" وشكر ظريف على عمله.&

وافاد البيان "يظهر الأميركيون مرة أخرى غضبهم من خطاب الثورة الإسلامية الملهم، ويوضحون عداوتهم للنظام الإيراني وللشعب الأبيّ".