أقصى ما يتمناه النازحون من الضاحية الجنوبية للعاصمة طرابلس هو التمكن من العودة الى منازلهم مع حلول عيد الأضحى، بعدما هجّرتهم المعارك العنيفة التي اندلعت، مع تقدم قوات المشير خليفة حفتر باتجاه العاصمة، منذ أكثر من أربعة أشهر.

إيلاف: على الرغم من الدمار الذي لحق بمنازلهم وبقاء منطقتهم في دائرة التوتر الأمني، يأمل قسم منهم التمكن من العودة خلال العيد، بعدما تدهورت أوضاعهم الاقتصادية في مناطق نزوحهم.

محمد كرير الخمسيني أحد سكان منطقة "جامع التوغار" في بلدية السواني (25 كلم جنوب طرابلس)، يستذكر لحظات خروجه هو وعائلته من منزله على عجل، بعدما تحوّلت المنطقة إلى ساحة حرب خلال ساعات قليلة.

قال محمد في حديثه لوكالة فرانس برس "خرجنا مسرعين من دون أخذ أبسط احتياجات العائلة، وعند وصولنا إلى وسط طرابلس بأمان، أبلغنا من طرف أحد لجان الأزمة بأننا سننزل في أحد فنادق طرابلس".

عبّر محمد، المصاب بجلطة دماغية منذ سنوات ولا يقوى على الوقوف والتحدث كثيرًا، عن استغرابه من إبلاغهم قبل أيام بضرورة إخلاء الفندق من دون معرفة الحلول البديلة لإقامته وعشرات الأشخاص الذين يقطنون الفندق نفسه مع عائلاتهم. وقال في هذا الصدد: "والله ليس لديّ مكان أذهب إليه (...)، هل أقيم في الشارع أنا وأسرتي؟".

وأكد محمد كرير رغبته في العودة إلى منزله، لكن يخشى على سلامة أبنائه من الوضع الأمني الذي لا يزال متفجرًا، مع إمكانية تعرّضهم للقصف العشوائي، وفق تعبيره.

لا تختلف رواية فاطمة بشير المتزوجة والأم لطفلين عن روايات النازحين الآخرين، فهي تقطن في منطقة خلة الفرجان التي شهدت أولى المعارك في ضواحي العاصمة الليبية لقربها من مواقع عسكرية، فأجبر سكانها على مغادرتها.

تروي فاطمة، الموظفة في شركة البريد، كيف تسبب نزوحها في نفاد كل مدخراتها. وقالت "خرجنا من منزلنا في الرابع من أبريل ولم نعد منذ ذلك التاريخ، تنقلنا بين منازل عديدة لأقاربنا، وبعد مدة قررنا عقب نهاية رمضان النزول في فندق على حسابنا الخاص".

تابعت وهي تحبس دموعها حزنًا وطفلتها الصغيرة بجوارها "صرفت أكثر من سبعة آلاف دينار هي جميع مدخراتي، وبدأنا بالاستدانة (...) وضعنا لا يتحمله بشر، لأننا سنكون في الشارع بعد أيام، لعدم قدرتنا على توفير المال اللازم لإقامتنا".

وطالبت فاطمة الجهات الحكومية بتوفير السكن "كوني خرجت قسرًا بفعل الحرب، وليس بإرادتي، ولا بد من إيجاد حلول لمن هم في حالتنا، بانتظار انتهاء المعارك، وتمكني من العودة إلى منزلي".

استجابة حكومية
بدورها تؤكد حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج عبر لجنتها للطوارئ التي تشكلت إثر اندلاع المعارك قبل أكثر من أربعة أشهر، أنها تقوم ما بوسعها للاستجابة لكل المتطلبات بعد نزوح أكثر من 23 ألف عائلة جراء الاشتباكات في جنوب العاصمة.

قال عضو لجنة الطوارئ عبد الباري شنبارو في مؤتمر صحافي عقده في مقر الحكومة في طرابلس الخميس "منذ تشكيل اللجنة استطاعت حلحلة العديد من المشاكل، وعملت كطرف مساعد لإيجاد الحلول المناسبة التي ترتبت جراء العدوان على طرابلس، وما خلفه من مختنقات، مثل انقطاع الكهرباء والنقص في إمدادات المياه وغيرها من الخدمات".

كما أشار شنبارو إلى تخصيص حكومة الوفاق مبلغ 10 ملايين دينار (نحو سبعة ملايين دولار) لتدبير مساكن ونقل العائلات النازحة القاطنة في المدارس إليها.

ويقطن معظم النازحين في المدارس والمقار الحكومية الشاغرة، لكن معظمها يعاني من تدني الخدمات الصحية والطبية، إضافة إلى اكتظاظ النازحين فيها. وتواصل قوات حفتر منذ الرابع من أبريل الماضي هجومًا للسيطرة على طرابلس، حيث مقرّ حكومة الوفاق الوطني، التي تدعمها الأمم المتحدة.

وتسببت المعارك في نزوح قرابة 120 ألف شخص، فيما سقط بسببها نحو 1100 قتيل و5762 جريحًا، بينهم المئات من المدنيين، حسب وكالات الأمم المتحدة.

من جانبها، ترى انتصار القليب، رئيسة التجمع الليبي لمنظمات المجتمع المدني، أن الاستجابة الحكومية لملف النازحين "غير فعالة" بل تواجه مشاكل في فهم الاحتياجات الحقيقية للنازحين.

قالت القليب في حديثها لفرانس برس" لجنة الأزمة غير قريبة من الناس بشكل كاف والاستجابة بطيئة (...)، يجب النزول إلى الشارع والإطلاع على أحوالهم، لكن للأسف لا حياة لمن تنادي".

أضافت "اجتمعنا مع عدد من العائلات النازحة للاستماع إلى مطالبهم استعدادًا للعيد وتوفير الأضاحي لهم، لكن تفاجأنا بأن معاناتهم تفاقمت، وبات مطلبهم العودة إلى منازلهم لمعاناتهم الكبيرة جراء مغادرتها (...)، لقد أرهقتهم بدلات الإيجار واستغلالهم من قبل ضعاف النفوس والمتاجرين بقضيتهم".

وختمت القليب: "النازح لا يحتاج قارورة زيت أو علبة طماطم (...)، يحتاج الاستماع إلى مطالبه المشروعة، وعلى رأسها توفير سكن لائق له يخفف عنه وطأة التهجير".
&