باريس – إيلاف: يتعرض عدد كبير من الشركات العالمية إلى أضرار بالغة جراء السياسة الأميركية، ويطاول هذا الضرر حلفاء أميركا التقليديين في أوروبا. وتسعى الحكومات الأوروبية إلى حماية دولها من هذا الضرر، أو التخفيف من ذيوله. لقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم نحو عصر الحمائية القضائية، على الرغم من أن حكم القانون كان يطبق دائماً كأداة تنظيمية، لكنه أصبح اليوم بمثابة سلاح تدمير في هذه ظل الحرب الإقتصادية التي تشنها أميركا على بلدان العالم.

وفي بادرة فريدة من نوعها كلف رئيس الوزراء الفرنسي ادوارد فيليب لجنة برلمانية للكشف عن هذه الأضرار وكيفية تجنبها، وقامت اللجنة في 26 حزيران (يونيو) الماضي بتقديم تقرير صاغه النائب رفاييل غوفان، بمساعد المفتشة العدلية كلير دورسو، والمفتش المالي ألآن دامايس، وبمساعدة من سميرة جماعي، المعاونة في حزب "الجمهورية إلى الأمام".

مكّنت الأشهر الستة من التحقيقات وجلسات الاستماع التي أجرتها اللجنة من صياغة بيان مشترك على نطاق واسع بين الأطراف التي تمت مقابلتها ومفاده، أن الشركات الفرنسية تفتقر إلى الأدوات القانونية الفعالة للدفاع عن نفسها ضد الإجراءات القانونية التي تتخذ ضدها خارج الحدود الإقليميةـ، سواء من قبل المنافسين، أو من قبل السلطات الأجنبية.

ويفيد تقرير اللجنة أن العالم شهد منذ أواخر التسعينيات فورة في القوانين التي تتجاوز حدود الولاية الإقليمية، ولا سيما الأميركية، ما يسمح لسلطات القوة العالمية الأولى بالتحقيق في الممارسات التجارية للشركات أو الأفراد في جميع أنحاء العالم، ومقاضاتها وإدانتها على أسس مختلفة (الفساد ، تبييض الأموال ، عقوبات دوليــــــــــــــــــــــــة، إلخ ).

تمت إضافة هذه القوانين إلى الإجراءات الداخلية المدنية والجنائية، وممارسة ضغوطات قوية على الأشخاص المتورطين (المعاملات الجنائية) التي سمحت بالفعل بالحصول على كم كبير من البيانات المتعلقة بالشركات الفرنسية، من دون أي آلية للمساعدة المتبادلةـ، وتم ذلك خارج نطاق سيطرة السلطات الفرنسية.

وأفاد التقرير أن السنوات العشرين الماضية شهدت ممارسات تستدعي الوقوف عندها، فقد تمّ المطالبة بغرامات تفوق عشرات المليارات من الدولارات من شركات فرنسية، وأوروبية، وآسيوية وأميركية جنوبية، على أساس عدم احترام أنشطتها التجارية، أو عملائها، أو بعض مدفوعاتها للقانون الأمريكي، هذا على الرغم من أن أي من هذه الأنشطة غير مرتبطة مباشرة بأراضي الولايات المتحدة، أو امتثال هذه الشركات للقوانين المرعية الإجراء في بلدانهم (فيما يتعلق بالعقوبات الدولية). والأمثلة على ذلك عديدة، وقد تصدرت العناوين الرئيسة في الصحف الدولية، ومن الشركات: BNP Paribas ، HSBC ، Commerzbank ، Crédit Agricole ، Standard Chartered ، ING ، Bank of Tokyo ، Royal Bank of Scotland ، Siemens ، Alstom ، Télia ، BAE ، Total ، Crédit Suisse وغداً، ربما Airbus ، Areva ، إلخ ...

وما يدعو إلى السخرية أن هذه السلسلة من الشركات غير الأميركية مدانة في الولايات المتحدة، بسبب أفعال ارتكبت في جميع أنحاء العالم باستثناء الولايات المتحدة، وهناك خمس مشاكل أساسية قائمة حولها:

• التحقيقات والملاحقات القضائية والإدانات مشكوك فيها بالنظر إلى معايير اختصاص السلطات الأميركية، التي تنتهك سيادة البلدان التي تنتمي إليها هذه الشركات.
• العقوبات المعلنة غير متناسبة وتهدد متانة الشركات الأجنبية المعنية. ويبدو أن الغرض الأساسي منها هو إضعافها في المنافسة الدولية.
• التحقيقات تتم تحت سيطرة المدعين العامين الأميركيين الذين يقعون هم أنفسهم تحت السلطة المباشرة للسلطة التنفيذية،على الرغم من أن إجراء المعاملات (المستخدم في جميع الحالات تقريباً) يضع الشركة الأجنبية الخاضعة للتحقيق في موقف غير متناظر تماماً، خارج عن سيطرة القاضي الأميركي، مع ممارسة ضغط مستمر للحصول على أقصى العناصر المتعلقة بالشركة وإدانة الأشخاص المسؤولين.
• يتم التحايل بشكل منهجي على اتفاقيات المساعدة القانونية المتبادلة وقواعد التعاون الإداري.
• الملاحقات القضائية لها دوافع اقتصادية، ويتم اختيار الأهداف عن عمد، فالشركات الأميركية الكبرى في معظمها، ـتنجو من المقاضاة، والمستهدف هو الشركات الأوروبية والآسيوية الكبيرة التي تنافس مباشرة الشركات الأمريكية .
تُحتجز الشركات الفرنسية كرهائن بسبب هذه الإجراءات الأمريكية، وهي محاصرة بين المطرقة والسندان في ظل آلية واجهة " تفاوض"، تتفاقم بابتزاز لجهة دخول السوق الأميركية. في المحصلة، لن يكون لديها خيار آخر سوى تجريم ذاتها من خلال دفع مبالغ هائلة للخزينة الأميركية.

يذهب تقرير اللجنة إلى أبعد من ذلك، ويفيد بأن هذه الهجمات ضد الشركات الفرنسية سببه نقاط ضعف خاصة بتأخر فرنسا في مكافحة الفساد الدولي منذ أوائل العام 2000. في هذا الصدد، تم إنشاء النيابة العامة المالية الوطنية (PNF) في 2014، وسمح قانون Sapin 2 في العام 2016، والتعميم الخاص بالإجراءات المتطابقة في العام 2017 ببعض التقدم الذي لا يزال خجولا، وغير كاف "لإستعادة سيادتنا القضائية". لكن ضعف الشركات الفرنسية أمام الإجراءات التي تتخذها السلطات الأجنبية خارج الحدود الإقليمية لا يزال قائماً. ويعود هذا الضعف "إلى حد كبير إلى الثغرات في قانوننا". تعد فرنسا أولاً وقبل كل شيء إحدى القوى الاقتصادية العظمى القليلة التي لا تحمي سرية الآراء القانونية في الشركات. "هذه الثغرة تضعف شركاتنا وتساهم في تحويل فرنسا إلى هدف سهل ومتميز للسلطات القضائية الأجنبية، بما في ذلك الأميركية منها".

"وهناك ما يسمى بقانون "الحظر" للعام 1968، ولم يتم تنفيذه بجدية ومنهجية، وهو في الواقع قانون إحالة وتوجيه الطلبات الأجنبية إلى القنوات العادية للتعاون الدولي. وقد أصبح الآن قديما وغير كافٍ لإجبار السلطات الأجنبية على احترام معاهدات المساعدة المتبادلة واتفاقيات التعاون الدولي للحصول على المستندات، أو المعلومات حول شركاتنا، كما اتخذت خطوة إضافية في هذه المواجهة متعددة الأبعاد، من خلال التوصل مؤخرا الى " قانون السحب " في أذار 2018. يوفر هذا القانون الفرصة للسلطات القضائية الأميركية للحصول من مزودي خدمات تخزين البيانات الرقمية (وجميعها شركات أميركية) ، بناءً على مذكرة بسيطة صادرة عن قاض أمريكي، بجميع البيانات غير الشخصية للأشخاص المعنيين من أي جنسية، بغض النظر عن المكان الذي تتواجد فيه البيانات. يتيج " قانون السحب" بهذه الطريقة للسلطات الأميركية إمكانية للوصول غير المحدود إلى بيانات الأشخاص المعنوية، مما يجعل معاهدات المساعدة القانونية المتبادلة بالية وغير ضرورية.&

ويشكل هذا الضعف جزءاً من سياق سياسي تزداد فيه مخاطر الاختلاف القانوني، بين الولايات المتحدة وأوروبا في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية من جهة واحدة. لا علاقة للإجراءات القضائية المتعلقة بانتهاك العقوبات الدولية في هذا الصدد بالمعركة الأخلاقية المرفوعة في سياق التحقيقات المرتبطة بمكافحة الفساد، فهي مجرد تمديد للعمل السياسي للحكومة، ويخدم فقط السلطة التنفيذية الأميركية وبالتأكيد الشركات الأميركية.

"مع فرض عقوبات اقتصادية من جانب واحد، لا توجد اليوم أي معاملة مالية أو تجارية محصنة ضد أفعال النظام القضائي الأميركي، وهذا يمنع شركاتنا من القيام بالأعمال التجارية بحرية. حتى الآن، يبقى تأثير العقوبات الاقتصادية الأميركية محدوداً بالنظر إلى الأهداف المستهدفة الهامشية نسبياً في الاقتصاد العالمي (إيران، السودان، الصومال، فنزويلا، كوبا وكوريا الشمالية). في المستقبل، من جهة أخرى، ـقد تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية صارمة ضد روسيا، أو دول أخرى، قد لا تكون مناسبة لفرنسا وأوروبا، مما يزيد من حدة الخلافات بين القارتين ويزيد بالتالي، من مخاطر مقاضاة شركاتنا. وأي ثغرة بين العقوبات الأمريكية والعقوبات الأوروبية، قد تخلق خطرا قانونيا كبيرا على الشركات الأوروبية، علماً أن حكماً صدر على مصرف فرنسي كبير قبل خمس سنوات، بغرامات قدرها 9 مليارات دولار أميركي بعد إدانته بإجراء معاملات مع إيران، والسودان وكوبا، ولا يسعنا هنا سوى التفكير بما سيكون عليه الأمر في حال فرضت عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل إلى حد كبير مع روسيا.

أخيراً ، إذا كانت معظم الهجمات على الشركات الفرنسية اليوم هي من الولايات المتحدة، فإن كل المؤشرات تدل على أن دول أخرى يمكن أن يكون لها في المستقبل قوانين تتجاوز حدود الولاية الإقليمية، وتتيح لها التصرف بنفس الطريقة، ومن بين تلك الدول التي يمكن إدراجها في هذه القائمة الصين والهند وروسيا. إن مضاعفة هذه المخاطر تزيد من إلحاح العمل الطموح من قبل السلطات العامة، ومن الضروري أن تقوم فرنسا بوضع استراتيجية لاحتواء هجمات خارج الحدود القضائية والتي تسمح لها بإعادة تأكيد سيادتها وحماية شركاتها والملايين من الوظائف التي تعتمد عليها. لتحقيق هذه الغاية، تقترح اللجنة مجموعة متماسكة من ثلاثة تدابير منهجية غير قابلة للتجزئة، مصحوبة بتوصيات تكميلية، من أجل تزويد فرنسا بالأدوات القانونية التي تفتقر إليها، وضمان حسن سير الأدوات الحالية، وتشجيع اعتماد تدابير فعالة على المستوى الأوروبي.

• حماية سرية الآراء القانونية في الشركات من خلال إنشاء كيان محام في الشركة يتمتع بأخلاقيات المحامي سيسد هذا الإجراء( الأكثر فاعلية من الناحية الفنية لأنه يستخدم القانون الأمريكي لحماية نفسه) إحدى أكبر الثغرات الفادحة في القانون الفرنسي، كما ستمنح الشركات الفرنسية مستوى الحماية نفسه، الذي يتمتع به منافسوها الرئيسيون.

• توصيتان أخيرتان ستكملان هذه المنظومة بشكل مفيد:

- تحديث القانون 1968، والمعروف بإسم " قانون الحظ "، والذي سيمكن من زيادة كفاءته، من خلال سلسلة من التدابير الثلاثية: الإعلان (إنشاء آلية إلزامية للإنذار المسبق)، الدعم (تنفيذ الدعم للشركات من قبل إدارة مخصصة ـ ٍSISSE) والعقوبة ( زيادة العقوبة المنصوص عليها في حالة انتهاك القانون).
- اعتماد قانون يحمي الشركات الفرنسية من إرسال مقدمي الخدمات لبياناتهم الرقمية غير الشخصية إلى السلطات القضائية الأجنبية. تمديد النظام العام لحماية البيانات إلى بيانات الكيانات القانونية ـحيث ستتم معاقبة مقدمي خدمات استضافة البيانات الرقمية الذين يرسلون إلى السلطات الأجنبية البيانات غير الشخصية، المتعلقة بالكيانات القانونية الفرنسية، خارج قنوات المساعدة الإدارية، أو القضائية المتبادلة.
• خمس توصيات أخرى ـستسد بعض الثغرات، وتحسن فعالية سبل الحماية ضد التدابير التي تتجاوز الحدود الإقليمية، وتشجع البلدان الأوروبية على العمل معا حول هذه المسألة.

- وضع مبدأ وطني مشترك بشأن الأسرار المراد حمايتها، وموجه لجميع الإدارات التي تساهم في التعاون الدولي، سواء كان قضائياً أم إدارياً، لتجنب تمرير المعلومات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية الأساسية والحساسة في المستقبل إلى السلطات الأجنبية واستخدامها ضد شركاتنا.
- جعل السياسة الجنائية الفرنسية أكثر قابلية للقراءة، لتعزيز استخدام الاتفاقية القضائية للمصلحة العامة (CJIP)، لكي تكون قادرة على متابعة الثغرات الاقتصادية والمالية في فرنسا بشكل أكثر كفاءة.
- الإحتكام إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي من أجل تحديد حالة القانون الدولي بشأن الحدود الإقليمية.
- إطلاق مبادرة فرنسية في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي OCDE لوضع قواعد مشتركة بشأن القوانين والتدابير ذات الأثر خارج الحدود الإقليمية، ولتنظيم استخدامها على نحو أفضل وتجنب الحمائية القضائية.
- وضع اقتراح فرنسي لشركائنا في الاتحاد الأوروبي، لتعزيز الأدوات الأوروبية لحماية الشركات الأوروبية من طلبات السلطات الإدارية والقضائية الأجنبية.

وأخيراً، تقترح اللجنة أن يطلق البرلمان مهمة لتعزيز الأدوات والوسائل المخصصة لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية، بما في ذلك مكافحة رشوة الموظفين العامين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية .

"إن الشركات الفرنسية معرضة بشكل خاص لظهور القوانين والتدابير التي تتجاوز الحدود الإقليمية، وخاصة من أصل أميركي. وفي القانون الدولي العام، ينبغي أن تحد نظرية الاختصاصات من الولاية القضائية التي خارج الحدود الإقليمية للدول، ومن الواضح أنه تم انتهاك هذه المبادئ، مما يعرض التجارة الدولية للخطر.

&كما أن القوانين التي تتجاوز حدود الولاية الإقليمية التي تواجهها فرنسا تنتهك المبادئ العامة للقانون الدولي العام.&

لقد كرست السيادة الدولة في القانون الدولي منذ وضع معاهدات ويستفاليا في 24 تشرين الأول 1648 هذا المبدأ. كما رسخت هذه المعاهدات المبادئ التوجيهية للعلاقات الدولية وهي الاعتراف بسيادة الدول وحدودها، والتي تشكل أقاليما يمارس عليها الأمراء، باستقلالية تامة، سيادتهم الكاملة، كما أن تجاوز الحدود الإقليمية، الذي تطور بالتوازي مع العولمة، أصبح خطرا على التجارة الدولية. وتحد التطورات التكنولوجية الحديثة وعولمة الاقتصاد من قدرة الدول على حماية مصالحها الوطنية، على أساس المبادئ التي ترعى الاختصاص القضائي في القانون الدولي العام، فشكل الإقليم قديم جزئياً، لأن العديد من الأنشطة التي تم نشرها على نطاق عالمي لم تعد قابلة للضبط من حيث الإقليمية. في هذا السياق، ليس من المستغرب في ظل عدم وجود انسجام دولي للمعايير، أن تتطور الحقوق والممارسات التي تتجاوز الحدود الإقليمية للنطاق تحت ضغط القوى الاقتصادية الرئيسة، بدءاً بالولايات المتحدة، ولكن أيضا الإتحاد الأوروبي، ومؤخراً الصين. مع ذلك، فإن الولايات المتحدة لها خصوصيات في هذا المجال، فهي" تتمتع بميزة مزدوجة كونها كانت سباقة في سياق وضع الخطط الدولية للقوة الاقتصادية وثقافة إنفاذ القانون (" الإنفاذ")، كما تتميز ببنية تحتية قانونية ومادية.
إن القوانين الأميركية ذات الامتداد الذي يتجاو الحدود الإقليمية عديدة وقديمة، ويتم تنفيذها من قبل سلطات مدربة على الذكاء الاقتصادي، حيث توجد انسيابية كبيرة في تدفق المعلومات، وتعمل تلك في شراكة، داخل "فرق عمل مخصصة" تجمع، وفقاً للتحقيقات، مختلف الخدمات المعنية: " هيئة الأوراق المالية والبورصات "(SEC)، "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية -FOCA"، " مكتب التحقيقات الفيدرالي "(FBI) و" هيئة الإيرادات الداخلية"( مصلحة الضرائب ) (IRS) .

إن التفسير الواسع من قبل السلطات الأميركية لسلطانها، يمنحها القدرة على التدخل في الحياة الاقتصادية العالمية بأسرها. وتكمن قوة قوانين المخالفات الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة في إدخال معايير السلطات الغامضة التي تحتمل تفسيرات واسعة للغاية. كان التراكم التاريخي لمختلف التفسيرات في هذا المجال متأصلاً في المقام الأول في صراع السلطات الفيدرالية من جهة، وسلطات الولايات الاتحادية من ناحية أخرى، لتقاسم الولاية القضائية على السعي وراء المخالفات الاقتصادية والمالية. زادت القوانين والتشريعات القضائية المتعددة تدريجياً من اختصاص السلطات الفيدرالية، حتى ولو لم تكن الحركة أبدا موحدة. بشكل عام، يتطلب القانون الفيدرالي الأميركي، وجود صلة بين الجرم والولايات المتحدة، لإعطاء السلطان للمحاكم الأميركية لمقاضاة ومحاكمة المخالفة. مع ذلك،لا يحدد القانون نوع الرابط المطلوب بشكل عام، وبالتالي يمكن للسلطات الأميركية تفسيره وفق استنسابها، دون حصر، ووصفه بطرق مختلفة ومتنوعة، مع تكييفه ليتناسب وظروف القضية. وحتى عندما تكون علاقة الرابط دقيقة في القانون (هي الحال عموماً في أنظمة العقوبات الدولية)، فيتم تفسيرها على نطاق واسع من قبل السلطات الأمريكية، ويضاعف ذلك المعايير التي تميزها.

على سبيل المثال، ذكرنا مرات عدة، أحد المعايير التي تستخدمها السلطات الأميركية غالباً لوصف همزة الوصل بالولايات المتحدة، وهو استخدام النظام المالي الأميركي، أو حتى استخدام الدولار الأميركي في سياق المعاملة ( المعاملات)، التي تم تجريمها. وبمجرد استخدام الدولار يمكن أن يشكل ذلك رابطًاً يرتبط بالأرض الأميركية، وبالتالي يعطي صلاحيات للسلطات القضائية الأميركية لمتابعة الانتهاكات المرتبطة بها.&

إن أي شركة قد تعتبر "مصدراً " للأسهم أو الأوراق المالية أو السندات، في الولايات المتحدة، ستخضع عندما يتعلق الأمر بأفعالها لسلطة هيئات الادعاء الأميركية (لجنة الأوراق المالية والبورصة) هي والشركات التابعة لها، حتى خارج الولايات المتحدة، وحتى إذا ارتكب تلك الأفعال أشخاص ليسوا مواطنين أميريكيين ولا مقيمين في الولايات المتحدة. هكذا تفسر وزارة العدل والسلطات الفيدرالية الأميركية الأخرى القانون، ولا يوجد ما يشير إلى أنهم يفسرونه بشكل صحيح، مع ذلك، ستتم مناقشته، نظراً لأن جميع الإجراءات الاقتصادية والمالية تقريباً تنتهي باتفاق يتم التفاوض عليه بين سلطة الادعاء والطرف المعني الملاحق، ولم تقرر المحاكم الفيدرالية مطلقاً مسألة الاختصاص القضائي.&

يمكن أن نأسف لهذا، لأن المحاكم الفيدرالية لديها تفسير مقيد لمعايير الاختصاص. وقد اعتبرت المحكمة العليا، في الواقع، في حكم مبني على الأساس في دعوى " موريسون ضدّ بنك أستراليا الوطني" بتاريخ 24 حزيران 2010، أن تجاوز الحدود الإقليمية غير مفترض، ولا يمكن أن ينتج فقط عن نص صريح من القانون.

على وجه العموم، يبدو أن التفسير الواسع والمؤثر الذي يضيفونه على اختصاصهم، يمنح السلطات الفيدرالية الأميركية، ولا سيما وزارة العدل، أو لجنة الأوراق المالية والبورصة، حرية كبيرة في التصرف، حيث يمكنها من التدخل في جميع المعاملات التجارية تقريباً أو المؤسسات المالية الدولية بحكم معايير التعلق بإقليمها بواسائل قابلة للجدل، مثل استخدام رسائل البريد الإلكتروني العابرة على الخوادم الأميركية، أو تخزين البيانات على الخوادم الأميركية، أو استخدام الدولار في المعاملة.

تتفاقم المخاطر المرتبطة بالولاية القضائية الواسعة لسلطات الادعاء الأمريكية إلى حد كبير بسبب وضع وزارة العدل، التي لا تشكل بأي حال سلطة قضائية مستقلة، وبالإضافة إلى ذلك، لا تجري تحقيقاتها إلا مع تضمينها اتهاما للطرف المعني بهدف إبرام " صفقة"، كذلك فإن القرب الشديد الموجود تقليدياً في الولايات المتحدة بين الأوساط الاقتصادية والسلطات الفيدرالية، يتزايد بشكل أكبر في حالة وزارة العدل، من خلال الكثير من الجسور، التي يستخدمها على نطاق واسع " المحامون "، الموجودون في عالم الشركات، " الممارسات الخاصة "(مكاتب المحاماة)، العالم السياسي، أجهزة الاستخبارات والقضاء، المدعون العامون هم " محامون " مثل الآخرين، ويشغلون وظيفة مؤقتة، بطبيعتها، تهدف إلى العودة إما إلى المكتب أو الشركة. هذا التواطؤ العضوي شبه المؤسسي يعزز الشكوك، وحتى المخاوف من الاستفادة من الإجراءات القضائية الأمريكية لأغراض اقتصادية أو تجارية. ونظراً للظروف الحالية في الحياة الاقتصادية الدولية، يمكن أن نستنتج، دون الوقوع في الخطأ، أنه ما من معاملة تجارية أو مالية في العالم، محصنة تماماً من اختصاص سلطات الادعاء الأمريكية.&

الحلول الموخاة على المستوى الأوروبي للتحايل على استخدام الدولا ستكون فعالة على المدى الطويل، مثل INSTEX يفيد التقرير أنه منذ الإعلان عن إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران في أيار 2018، عمل الاتحاد الأوروبي على إنشاء آلية مقايضة محسّنة عبر " آلية ذات أغراض خاصة " (SPV)، تسمح بمتابعة التجارة مع إيران، من دون الخوف من العقوبات الأمريكية. في 31 كانون الثاني 2019، أعلنت فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا (مجموعة E3) عن إنشاء هذه الأداة الجديدة المسماة INSTEX ( " أداة لدعم التبادل التجاري) "وفقاً لالتزامها بالحفاظ على اتفاقية فيينا المؤرخة في 14 حزيران (يونيو) 2015 بشأن القضية النووية الإيرانية التي اعتمدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب قراره رقم 2231 ( خطة العمل الشاملة المشتركة ).&

تهدف هذه الآلية الخاصة إلى تسهيل المعاملات التجارية المشروعة ،بين الجهات الاقتصادية الأوروبية وإيران. ينشئ INSTEX آلية دفع تسمح للشركات الأوروبية بالتداول مع إيران دون أن تتأثر بالعقوبات الأمريكية. كان الغرض منه مواجهة فرض العقوبات المالية الأميركية خارج الحدود الإقليمية لإيران، سياسياً وتجارياً، وإظهار رغبة الاتحاد الأوروبي في تزويد نفسه بأداة للسيادة الاقتصادية.&
كخطوة أولى، ستسمح هذه الآلية، التي لم يتم تنفيذها بعد، بتبادل العقاقير والأغذية، التي لا تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبة، بين إيران وأوروبا. ستتكون هذه المؤسسة من شركات ومؤسسات أوروبية مستعدة للتعامل مع إيران.&
--

مطلوب إبرام اتفاق ثنائي متوازن، لحماية الشركات الفرنسية

حتى الآن، لم تبرم أي دولة بعد اتفاقية ثنائية مع الولايات المتحدة. بدأت المملكة المتحدة فقط المفاوضات. على مستوى الاتحاد الأوروبي، جرت مناقشات حول ما إذا كان الاتحاد سيؤكد على هذا النحو اختصاصه في إبرام " اتفاق تنفيذي" مع الولايات المتحدة. هناك اقتراح بتفويض للمفوضية جاري التحضير. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة حتى الآن، على ما يبدو تعارض إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، مرتكزة على إبرام الكثير من الاتفاقيات الثنائية.&

تجدر الإشارة إلى أن مشروع نظام الأدلة الإلكترونية، بشأن الوصول إلى الأدلة الرقمية في المسائل الجنائية، ينص على أحكام مكافئة لتلك المنصوص عليها في " قانون السحب " مع نطاق واضح خارج الحدود الإقليمية ( اقتراح مقدم من اللجنة في 17 نيسان 2018 ). هذا المشروع، لا يزال قيد المناقشة بين هيئات الاتحاد، وسيمكّن السلطات الفرنسية في الواقع العملي من استرداد جميع البيانات المخزنة، بواسطة هؤلاء المشغلين مباشرة من المشغلين الذين يقدمون الخدمات في إقليم الاتحاد، من دون الأخذ في الاعتبار مكان تخزين هذه البيانات، أو مكان المكتب الرئيس لهؤلاء المشغلين. سيتم الوصول إليها عبر أوامر الإنتاج، أو الحفظ الأوروبية التي يتم إرسالها مباشرة من قبل السلطات الوطنية للمشغلين مصحوبة بعقوبات مالية.&

في هذا المجال من البحث والحصول على الأدلة الرقمية، وهو أمر ضروري للغاية لسلطات الشرطة والعدل، يبدو من الواضح أن الأمر الأمثل سيكون التوصل إلى اتفاق متوازن مع الولايات المتحدة يسمح بما يلي :

- السلطات القضائية على جانبي المحيط الأطلسي لجمع وتبادل جميع البيانات ذات الصلة في وقت قصير لنجاح تحقيقاتها.
- إنفاذ القواعد اللازمة والشرعية لحماية البيانات الرقمية على كل جانب، بما في ذلك البيانات الشخصية للأشخاص الطبيعيين، وكذلك البيانات غير الشخصية للأشخاص المعنويين، المحميين بالسرية المهنية أو أي قاعدة أخرى من السرية.
- ضمان أن تكون قنوات التبادل ونقل البيانات منصفة ومتناظرة وتعمل بنفس الكفاءة في كلا الاتجاهين.&

إذا أمكن التوصل إلى اتفاق شامل مع الولايات المتحدة في هذا المجال، فسيتم إحراز تقدم كبير في تكييف قوانيننا وآليات تبادل المعلومات، مع واقع التحقيق في القرن الحادي والعشرين

كتاب المهمة

رئيس الوزراء&
1074/18/الأمن العام&
باريس في 11 تموز 2018&
حضرة النائب رفايل غوفان&
نائب - البرلمان&
126- شارع الجامعة&
7355 باريس الدائرة 7&

حضرة النائب،&

لقد قررت بناءا للمادة 144 من القانون الإنتخابي أن أعينكم نائبا أوكل اليه مهمة مع السيدة نيكول بيلوبي، وزيرة العدل، والسيد جان ايف لو دريان، وزير اوروبا والشؤون الخارجية، والسيد برونو لو مير، وزير الاقتصاد والمالية. سوف تقومون بهذه المهمة بالتعاون مع السيد كريستوف اندريه فراسا – سيناتور، وتقوم مهمتكم على تدابير حماية الشركات الفرنسية، التي تواجه الاجراءات القضائية او الإدارية، التي لها تأثير بموجب التشريعات التي تتجاوز الحدود.&

يشكل موضوع حماية سرية الأعمال والمصالح الاقتصادية الفرنسية في الواقع موضوعا بغاية الأهمية. هذه الأهمية يعززها الوضع الراهن، الذي يحول الأداة القضائية الى سلطة اقتصادية والى منافسة عالمية. إن الكثير من الشركات الفرنسية في السنوات الماضية، كانت موضوعاً للإجراءات القضائية التي بدأت على أساس التشريع الذي يتجاوز الحدود، والتي كانت لها عواقب اقتصادية ومالية كبيرة.&
تكمن مهمتكم في نطاق تطبيق القانون رقم 68-678 تاريخ 26 تموز 1968 المتعلق بتقديم المستندات والمعلومات ذات الطابع الاقتصادي، والتجاري والصناعي والمالي، او التقني للأشخاص الطبيعيين أم المعنويين الأجانب ( المسمى قانون الحظر).&

فهي ستقدم طبيعة التهديد، وتبين حالة القانون الحالية، عن طريق التشاور مع الشركات الفرنسية من كل الأحجام المعنية بهذه الاشكالية، وكذلك كياناتها التمثيلية، والحقوقيين المتخصصين بهذه المسائل، واعطاء المقترحات الملموسة لتدعيم وتحديث ترسانتنا القضائية بما في ذلك المسائل الجنائية .&

سوف تقوم بشكل خاص، بدراسة عواقب صدور بتاريخ 23 آذار المنصرم للرئيس الأميركي لقانون توضيح الاستخدام القانوني في الخارج لاستخدام البيانات، أوما يعرف بقانون كلاود. تسمح هذه المنظومة القضائية في الواقع للإدارة الأميركية من اجبار مزودي الخدمات المتواجدين في الولايات المتحدة، بموجب مذكرة أو استدعاء، على تقديم المعلومات المنقولة أو المخزنة، على الخوادم الموجودة في بلدان أجنبية، ويمكن أن يكون لهذا الأمر عواقب هامة على الشركات الفرنسية، أو الأوروبية، التي اختارت وضع المعلومات الخاصة بها خارج الولايات المتحدة .&

سوف تقوم بالتالي بتقييم الحلول التي يمكن تقديمها في سياق القانون الوطني، أو الاتحاد الأوروبي، وبخاصة في سياق مراجعة محتملة للتنظيم الأوروبيCE رقم 2271/96 للمجلس في 22 تشرين الثاني 1996 المتعلق بالحماية، ضد مفاعيل التطبيق الذي يتجاوز الحدود للتشريع المعتمد في بلد ثالث، وكذلك الأعمال المبنية عليه أم المتفرعة منه .&

عند تنفيذ مهمتكم، سوف تعتمدون عند الحاجة على الإدارات المختصة، وبصورة خاصة، مديرية الشؤون الجنائية والعفو، مديرية الشؤون المدنية والعدل، المديرية العامة للعولمة ( ادارة الشركات، الاقتصاد العالمي والترويج للسياحة)، مديرية الاتحاد الأوروبي، ومديرية الشؤون القضائية في وزارة اوروبا والشؤون الخارجية، المديرية العامة للشركات، والمديرية العامة للخزانة .&

سوف يكون هناك مقرران تم تعيينهم من جانب مديرية التفتيش العامة للعدل، ومديرية التفتيش العامة للمالية، لمساندتكم في مهامكم. وسوف ترفعون تقريراً مؤقتاً في نهاية شهر أيلول (سبتمبر)، وتقريركم النهائي في نهاية شهر تشرين الثاني 2018 .

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام&
ادوار فيليب
(التوقيع)&