تمثل الانشقاقات المتزايدة في حزب العدالة والتنمية نهياة المطاف بالنسبة إلى رجب طيب أردوغان، إلا أن الحقبة التالية ما زالت غير واضحة، في ظل تراجع نسبة التدين عند الأتراك.

&حين خسر الرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية انتخابات بلدية اسطنبول الأخيرة، قيل إنه خسر تركيا. بقي واقفًا على قدميه، لكنه تلقى صفعة لا شك في أنها مؤلمة. إلا أن الصفعة الثانية والأكثر إيلامًا التي تلقاها كانت الانشقاقات داخل الحزب الحاكم، التي صدّعت قراره السياسي.

في استفتائها الأسبوعي، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "كيف تقيّم الصراع والانشقاقات في قيادات الحزب الحاكم في تركيا؟". شارك في هذا الاستفتاء 575 قارئًا، قال 238 منهم إنها نهاية حقبة إردوغان، بنسبة 41 في المئة. وقال 75 منهم إنها عودة إلى العلمانية، بنسبة 13 في المئة. بينما قال 262 منهم إنها ستؤدي إلى نظام إسلامي ليبرالي، بنسبة 46 في المئة.
&
باباجان - &غل

في مقالة بعنوان "الحزب الحاكم في تركيا يتصدع، &وهذه هي أسباب تصدّعه"، نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية، قال يونس أورهان، طالب الدكتوراه بقسم العلوم السياسية في جامعة ويسكونسن – ميلواكي الأميركية، وأورا جون رويتر، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بالجامعة نفسها: "في أبريل، أصدر رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو بيانًا مكتوبًا نشره على صفحته في فايسبوك معلنًا فيه استقالته من الحزب، ونيته تشكيل حزب جديد. وفي أوائل يوليو، استقال علي باباجان، وزير الاقتصاد السابق في تركيا، وأعلن أيضًا إنشاء حزب جديد"

وبحسبهما، "يتمتع باباجان بتأثير في مجتمع الأعمال، وهو مدعوم من الرئيس التركي السابق عبد الله جول، كما يزعم أنه مدعوم من شخصيات عديدة بارزة. ويزعم مراقبون أن أعضاء آخرين ينتظرون دورهم للانشقاق".

سيقضم الحزب

يقول الكاتبان: "تشير هذه الانشقاقات إلى أن النظام التركي يضعف؛ وهذا يشجع من يتحدّونه. ففي العشرين عامًا الماضية، أدت انشقاقات النخب إلى انهيار أنظمة استبدادية في العالم، مثل ماليزيا وكينيا ونيجيريا وأوكرانيا وصربيا وجورجيا. هذه الانشقاقات تصدّع سيطرة أردوغان على السلطة في تركيا".

يضيفان: "حين باباجان تولى وزارة الاقتصاد، قاد طفرة اقتصادية بين عامي 2009 و2015، واكتسب شهرةً وتأثيرًا. إن استطلاعًا حديثًا للرأي أظهر أن الحزب الذي يريد باباجان إطلاقه ربما يفوز بنحو 17 في المئة من الأصوات، معظمها من أنصار حزب العدالة والتنمية نفسه".

فتيار باباجان سيضم عددًا كبيرًا من القيادات السابقة البارزة، أهمهم: وزير الداخلية الأسبق بشير أطالاي، ووزير العدل الأسبق سعد الله أرغين، والقيادي الأسبق حسين تشييلك.

بديل إصلاحي

إلى ذلك، يصور السياسي البارع داود أوغلو نفسه "بديلًا إصلاحيًّا من أردوغان، تلقى أخيرًا دعم الناخبين المحافظين الذين يشكلون قاعدة حزب العدالة والتنمية"، بحسب أورهان ورويتر، خصوصًا أن معه عدد من القيادات السابقة لفروع الحزب في بعض المحافظات الذين ضاقوا ذرعًا بسياسات أردوغان.

وبحسب موقع 'أحوال تركية'، داود أوغلو وعبدالله غول يهدفان من وراء تأسيس حزبين جديدين إلى إنهاء عهد أردوغان وكسر هيمنته على مؤسسات الدولة التركية.

يشير محللون إلى مؤشرات على اقتراب نهاية عهد أردوغان الذي وصف المنشقين عن حزب العدالة والتنمية بـ"الخونة"، وإلى إمكانية قيام تحالف بين غول وداود أوغلو لتشكيل حزب سياسي جديد منافس لأردوغان، ما يعزز توقعات تفكك الحزب الجاكم الذي فقد الكثير من شعبيته في الشارع التركي، بعدما حاد عن الخط الذي سار عليه منذ إنشائه في عام 2001، وبعد غياب معظم مؤسسيه. يقول مراقبون إن ثمة حزب جديد اليوم، غير الذي عرفه الأتراك، فهذا الحزب من صنع رئيس الجمهورية أردوغان، وفق مراقبين مطلعين على كواليس السياسة التركية.

ماذا بعد؟

لكن، إن انهار أردوغان وحزبه، فماذا بعد؟ هل تعود تركيا إلى العلمانية أم تذهب باتجاه نظام إسلامي ليبرالي؟

قالت دراسة حديثة أجراها معهد "كوندا" لاستطلاعات الرأي إن بعد عقد ونصف من وصول أردوغان إلى الحكم، ثمة تراجع في نسبة التدين عند الأتراك.

شملت الدراسة 5793 تركيًا في 36 مدينة وقرية، وأظهرت انخفاض نسبة الأتراك الذين يصفون أنفسهم بـ"المتدينين" خلال عشر سنوات من 54 إلى 51 في المئة.

أما "المتدينون جدًا" فما عادوا يتجاوزون 10 في المئة من الأتراك. وهناك تركيان من أصل ثلاثة يصومون شهر رمضان، فيما كانت هذه النسبة تمثل 77 في المئة عند بداية عهد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الليبرالي. أما عدد الملحدين فتضاعف ثلاثة أضعاف.

لا شك في أن هذه الأرقام دليل على فشل سياسة أردوغان الدينية. فحكومته أنفقت الأمواا الطائلة لتنشئة جيل ورع. فقد رفعت وزارة التعليم في عام 2018 ميزانية التعليم الديني بنسبة 68 في المئة، وازداد عدد المؤسسات التعليمية الدينية في عهد أردوغان من 450 إلى 4500.