بكين: تحدّى الحزب الشيوعي الصيني جميع الصعاب للمحافظة على قبضته الصارمة على السلطة على مدى 70 عامًا، متكيّفًا مع عالم متغيّر ليتمكن من الصمود على عكس نظيره في الاتحاد السوفياتي.

وفي وقت تحتفل جمهورية الصين الشعبية بذكرى تأسيسها الثلاثاء، في ما يلي لمحة عن كيفية تطور الحزب على مدى السنوات.

عقود من الاضطرابات

على مدى نحو ثلاثة عقود، مارست الصين أسلوبها الخاص في الحكم في ظل النظام الماوي.

وفي عهد مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ، سيطرت الدولة على الصناعات وتم تنظيم المزارعين بشكل جماعي في تعاونيات.

وانتهت "القفزة العظيمة للأمام" التي أطلقت عام 1958 وتمتثلت بحملة واسعة لتعبئة العمالة من أجل تعزيز الإنتاح الزراعي والصناعي، بوفاة عشرات الملايين جرّاء المجاعات.

وأطلق ماو "الثورة الثقافية" عام 1966، وهي حركة هدفت لتدمير خصومه السياسيين وتحولت كذلك إلى كارثة مع إثارة عناصر "الحرس الأحمر" الشباب الفوضى في أنحاء البلاد.

انفتاح

بعد عامين من وفاة ماو، تخلّى الحزب عن الماوية وأطلق سياسة "الإصلاح والانفتاح" في عهد الزعيم دينغ شياو بينغ سنة 1978.

وازدهر الاقتصاد بعد سلسلة من السياسات التي تراعي اعتبارات السوق والتي سمحت برؤوس الأموال الخاصة والاستثمارات الأجنبية.

وقال الاستاذ المتخصص في السياسات الصينية في "كليّة وليامز" في الولايات المتحدة سام كرين إنه كان لدى الحزب "اعترافًا عمليًا بأن استمرارية النظام تتوقف على الأداء الاقتصادي وأن الأداء الاقتصادي يتطلب التفاعل مع الاقتصاد العالمي".

وخرج الملايين من الفقر بينما باتت الصين تتفاخر اليوم بمئات من أصحاب المليارات والشركات المحليّة الكبرى على غرار عملاقي الإنترنت "علي بابا" و"تينسينت".

رقابة صارمة

وفي ظل هذه "الاشتراكية بخصائص صينية"، تجوب سيارات "فيراري" شوارع المدن الرئيسية حيث بإمكان الناس التسوّق &من محلّات فخمة على غرار "غوتشي".

لكن شيئًا واحداّ لم يتغير، وهو أن الحزب الشيوعي لا يزال يسيطر بإحكام على الاقتصاد.

وأوضح شي في تصريحات الأسبوع الماضي أن إنجازات بلاده التاريخية "تظهر بشكل كامل أن الحزب الشيوعي وحده قادر على قيادة الصين"، بحسب وسائل الإعلام الرسمية.

وتتواجد "خلايا" الحزب في الشركات الخاصة بينما لا تزال الشركات الحكومية الجهات الرئيسية المؤثّرة في الاقتصاد.

وحتى مؤسس "علي بابا" الملياردير جاك ما هو بين أعضاء الحزب البالغ عددهم 90,6 مليون.

لكن ماذا لو سافر كارل ماركس عبر الزمن ليرى نموذج الصين اليوم؟

يجيب كرين على هذا التساؤل بالقول "إذا عاد ماركس، أعتقد أنه سيقول إن هذا ليس (نظامًا) +اشتراكيًا+ إذ أنه لم يتحرّك في الاتجاه التاريخي للشيوعية، بل فضّل صيغة صارمة من رأسمالية الدولة مع عناصر استبدادية قوية".&

"فكر" ماو وشي

واعتبر انتهاء حكم الرجل الواحد تخليًا عن سياسة ماو. فدعم دينغ نظامًا قائمًا على القيادة "الجماعية" وتعاقب السلطة بشكل منظّم بعد وفاته سنة 1997.

وشغل جيانغ زيمين منصب الرئيس لولايتين مدة كل منهما خمسة أعوام، بينما امتثل خليفته هو جينتاو للتقليد الجديد.

لكن شي أعاد عقارب الزمن إلى الوراء ليتحوّل إلى أقوى زعيم بعد ماو.

وعلى خطى ماو، استفاد شي من أسلوب تعظيم الشخصيات عبر الإعلام الرسمي.

وبينما امتلك مؤسس الدولة "فكر تسي تونغ"، أدخل الزعيم الحالي "فكر شي جينبينغ بشأن الاشتراكية بسمات صينية للحقبة الجديدة" إلى الدستور.

وكان لدى ماو "الكتاب الأحمر الصغير". وأما شي، فوضع نسخته المواكبة للقرن الـ21 عبر تطبيق أطلق عليه "دراسة شي" تتضمن تعاليمه.

وأشرف شي على الحملة الأمنية ضد الفساد التي تمت بموجبها معاقبة أكثر من 1,5 &مليون مسؤول في الحزب، في خطوة حظيت بشعبية في أوساط المواطنين العاديين بينما رأى المراقبون فيها فرصة ليتخلص من خصومه.

ويبدو أن شي باقٍ في منصبه مع إلغاء الحد الأقصى للولايات الرئاسية.

حملة أمنية للحزب

ولم يترافق الانفتاح الذي شهده الاقتصاد مع إصلاحات سياسية. ومرّت ذكرى أخرى في الصين هذا العام، عمل الحزب على ضمان عدم احيائها وهي مرور 30 عامًا على قمع التظاهرات المطالبة بالديموقراطية في ساحة تيان أنمين.

وشددت الحكومة كذلك قبضتها اجتماعيًا في عهد شي، فاعتقلت ناشطين وعززت الرقابة على الإنترنت ورفضت إطلاق سراح المعارض الحائز جائزة نوبل للسلام ليو شياوبو رغم معاناته من مرض السرطان.

وتستخدم السلطات بشكل متزايد تكنولوجيا تم تطويرها في الصين على غرار تلك المستخدمة للتعرف على الوجوه لمراقبة مواطنيها.

وفي منطقة شينجيانغ (شمال غرب)، يُقال إنه تم احتجاز أكثر من مليون شخص من عرقية الأويغور وغالبيتها من المسلمين، في معسكرات اعتقال بإسم مكافحة الإرهاب.