واشنطن: فرض مايك بومبيو نفسه في منتصف سبتمبر كمركز القوة في سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخارجية بعد إقالة خصمه مسؤول الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون. وبعد أسبوعين، بات وزير الخارجية الذي لا يزال يعتبر من ركائز الإدارة الأميركية، في موقع دفاعي وقد أضعفته قضية أوكرانيا.

وفيما باشر الديموقراطيون في مجلس النواب الأميركي تحقيقًا في آلية إقالة بحق الرئيس الأميركي، تسلط الأضواء الآن على دور وزير خارجيته، إلى حد أن كبار شخصيات المعارضة ينددون بـ"تضارب مصالح"، ويطالب بعضهم بأن "يعلن رفع يده" عن كل ما يمت إلى صلة بأوكرانيا.

كان بومبيو حاضرًا خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى في 25 يوليو بين الملياردير الجمهوري والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبات في صلب إجراءات العزل، وهو أمر روتيني بالنسبة إلى وزير خارجية.

لكن ما يطرح مشكلة هو أول رد فعل صدر عن بومبيو في 22 سبتمبر ردًا على أسئلة شبكة "إيه بي سي" عمّا يعرفه عن تلك المكالمة موضع الجدل. فقد تجنّب الإجابة ملمّحًا إلى أنه لا يعرف ما دار من حديث خلالها. وقد تبيّن أن ترمب ضغط على نظيره الأوكراني بشأن إمدادات الأسلحة لبلاده، طالبًا منه التحقيق بشأن خصمه السياسي نائب الرئيس السابق جون بايدن.

في نهاية المطاف أقر بومبيو الأربعاء خلال زيارة إلى روما، طغت عليها كما كل نشاطاته حاليًا قضية التحقيق في الكونغرس: "كنت حاضرًا في الاتصال".

ملف جولياني
يسعى النواب الديموقراطيون إلى التثبت مما إذا كان دونالد ترمب ضغط على كييف للحصول على معلومات تدين جو بايدن، الذي تشير استطلاعات الرأي، إلى أنه في أفضل موقع لهزم الرئيس في انتخابات نوفمبر 2020.

من أجل ذلك، باشروا جلسات استماع لمسؤولين في وزارة الخارجية، وأصدروا أمرا لبومبيو يلزمه بتقديم مستندات أساسية في القضية.&

المطلوب معرفة إلى أي حد كان الدبلوماسيون مشاركين في الخطوات التي اتخذها محامي ترمب الشخصي رودي جولياني، الذي لم يخف أنه مارس ضغوطًا على أوكرانيا، وإن كانوا يعرفون ما إذا كان ترمب مضى إلى حد تعليق المساعدات، ولا سيما العسكرية منها لأوكرانيا، للضغط على زيلينسكي، ودفعه إلى الاستجابة لطلباته.

قال جولياني إنه سلم بومبيو "مباشرة" في مارس ملفًا أعدّه بنفسه يدين أنشطة جو بايدن وابنه هانتر في أوكرانيا، وإنه حصل على تأكيد بأن الدبلوماسية الأميركية ستجري تحقيقاتها الخاصة في هذا الصدد.&

قام المفتش العام في وزارة الخارجية بتسليم قسم من هذه الوثائق إلى الكونغرس الأربعاء. ووصف الديموقراطيون هذه المستندات التي جمعها جولياني بأنها "كومة معلومات مضللة ونظريات مؤامرة تم دحضها، ومزاعم لا أساس لها".

وكتبت صحيفة واشنطن بوست في افتتاحية أن "بومبيو لم يقم بأي شيء لمنع جولياني من الارتباط ببعض الأشخاص الأكثر فسادًا في أوكرانيا من أجل نقل أخبار كاذبة عن بايدن"، متهمة وزير الخارجية بشكل صريح بأنه "سمح بتدمير الدبلوماسية الأميركية".

قد تأتي الأجوبة الأولية عن كل هذه التساؤلات من كورت فولكر، الموفد الأميركي السابق لأوكرانيا، الذي استقال في الأسبوع الماضي من منصبه، وتم الاستماع إليه في مجلس النواب الخميس في جلسة مغلقة.

حجج من الماضي&
بحسب تقرير المبلّغ الذي كشف المسألة، فإن فولكر قدم نصائح إلى السلطات الأوكرانية "حول طريق +التعامل+ مع طلبات الرئيس"، وأكد بعض زملائه لوسائل الإعلام الأميركية أنه حاول رغم تدخلات ترمب والمحيطين به، الدفاع عن السياسة الأميركية التقليدية القائمة على التشدد حيال روسيا ومكافحة الفساد.

ويعتزم الكونغرس الاستماع أيضًا إلى مسؤولين آخرين في وزارة الخارجية، منهم توماس أولريش بريشبول المستشار المقرب من مايك بومبيو وصديقه منذ زمن طويل. غير أن بومبيو ما زال حتى الآن متمسكًا بدفاعه المطلق عن ترمب، ما يغذي شكوك المعارضة تجاهه.

ندد في رسالة وجّهها إلى النواب الديموقراطيين بـ"محاولة لتخويف ومضايقة وإساءة معاملة المهنيين المميزين في وزارة الخارجية" مشيرًا إلى "عيوب إجرائية وجوهرية كبرى" سعيًا إلى إبطاء التحقيق قدر المستطاع وتأخير الاستجابة لطلبات النواب.

ومن سخرية القدر أن ما أخرج بومبيو من الظل إلى الأضواء كان موقفه المتشدد في تحقيق برلماني في وقت كان نائبًا عن كنساس. وقد تزعم المعركة ضد معالجة وزارة الخارجية التي كانت تترأسها في ذلك الحين الديموقراطية هيلاري كلينتون، لاعتداء بنغازي الذي أسفر عن مقتل السفير الأميركي في ليبيا عام 2012.

يواجهه منتقدوه اليوم بالحجج نفسها التي استخدمها في الماضي ضد كلينتون، ولا سيما اتهامه للخارجية آنذاك بـ"الاختباء خلف (صلاحيات) غامضة"، من أجل "رفض الوصول إلى الوثائق والشهود"، أو حين كان يردد أنه يريد "التقدم بسرعة أكبر"، غير أنه "يصطدم بالعوائق" التي تضعها الإدارة.