بعد مظاهرات يومي 20 و21 سبتمبر الماضي في مصر، شددت الأجهزة الأمنية من إجراءاتها، ووسعت من دائرة الاشتباه، واعتمدت استيراتيجية جديدة، تتمثل في تفتيش الهواتف المحمولة "الموبايلات" التي يملكها المواطنون في الشوارع. وانتقد المجلس القومي لحقوق الإنسان هذا الإجراء، بينما ردت وزارة الداخلية بالقول إنه "إجراء قانوني".

إيلاف من القاهرة: في إطار إجراءاتها المشددة لمواجهة المظاهرات التي دعا إليها رجل الأعمال والممثل المقيم في الخارج، محمد علي، للمطالبة برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبعد خروج مظاهرات محدودة يومي 20 و21 سبتمبر الماضي، وضعت الأجهزة خطة للسيطرة على الأوضاع، وتوسعت في استخدام الاشتباه.

واعتمد أفراد الأمن والضباط استيراتجية جديدة وسهلة للتعرف على هوية المواطنين أو الشباب سياسيًا، عبر استيقافهم في الشوارع، والحصول على بطاقة الهوية الشخصية، ثم تفتيش الهاتف المحمول "الموبايل"، والدخول على حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم التعامل مع المخالفين للقانون، وإلقاء القبض عليهم.

وينتشر أفراد الأمن السريين في محيط منطقة ميدان التحرير، ووسط القاهرة بكثافة، وفي محاولة للحد من التدفق على هذه المناطق الحيوية، وخشية حدوث مظاهرات مفاجئة، يتم توقيف المواطنين وتفتيش هواتفهم المحمولة، لاسيما الشباب حديثي السن، ويجري التعامل بهذا الأسلوب على مستوى الجمهورية.

وأثار هذا الإجراء موجة من الغضب في أوساط المواطنين، لاسيما أنها تتعلق بالإطلاع على الخصوصية. وانتقد المجلس القومي لحقوق الإنسان (الرسمي)، فحص رجال الشرطة هواتف المواطنين، وأكد أنه يخالف القانون والدستور.

وقال المجلس في اجتماعه يوم الخميس الماضي، برئاسة محمد فايق، رئيس المجلس، ووزير الإعلام في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبحضور السفير مخلص قطب، الأمين العام، إنه يقدر الوضع الخطير الذي تتعرض له البلاد جراء حرب الإرهاب التي فرضت على مصر.

وأضاف المجلس في بيان له أنهم "ناقشوا الأحداث الأخيرة وبينها تعرض مواطنين لإجراءات أمنية تعسفية، وتوقف أعضاء المجلس أمام الظواهر الآتية: التوسع غير المبرر في توقيف المواطنين العابرين في الطرقات والميادين من دون مسوغ قانوني، ومن دون تمكينهم من الاتصال بذويهم وأهلهم، ومن دون إبلاغهم بالتهمة المسندة إليهم، وهو يمثل عدوانًا على الحقوق التي كفلها الدستور ونص عليها القانون".

وأكد المجلس أن "توقيف المواطنين أثناء سيرهم في الشوارع وإجبارهم على إطلاع رجال الشرطة على هواتفهم النقالة وفحصها، يخالف نصوص عديدة في الدستور تضفي حماية على حرمة الحياة الخاصة وتحصين مراسلات المواطنين واتصالاتهم، بما فيها الاتصالات ووسائل التواصل الإلكترونية".

وكتب عماد حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق المصرية في مقال له "حينما يتم توقيف أو سؤال مواطن أو شاب في أي شارع أو ميدان فالمفترض أنه برىء، وهدف السؤال هو التحقق، وفى معظم الأحيان يتم ترك هذا المواطن يواصل طريقه إلا إذا كان مخالفا".

وأضاف في مقاله المنشور بتاريخ 28 سبتمبر الماضي، بعنوان " نداء ورجاء إلى الشرطة": "المشكلة تكمن في أن قلة من رجال الشرطة تتعامل بسادية مع المواطنين في طريقة السؤال، وطريقة تفتيش الهواتف المحمولة التي لا أعرف مدى قانونيتها".

وروى حسين تجربة شاب تعرض للمعاملة الخشنة من أحد عناصر الشرطة، وقال: "ما دفعني للكتابة اليوم هي حالة أعرفها جيدا لشاب تم معاملته بقسوة في ميدان التحرير، في منتصف الأسبوع الماضي. هو شاب صغير السن لم يتجاوز الـ18 عاما و«ليس له في الثور ولا في الطحين»!!، ولا يعرف أساسا ما يحدث في الشارع من مظاهرات أو غيرها. والنتيجة أن البلد بأكملها خسرت هذا الشاب، الذي تعرض لإهانة بالغة، وأغلب الظن أنه لن ينساها هو وأسرته أو أصدقاؤه. وهذا هو مربط الفرس الذي دعاني للكتابة عن هذا الموضوع. الأمر ليس شخصيا أو متعلقا بحالة هنا أو هناك. لأن أمين شرطة أو ضابط غير مؤهل نفسيا للتعامل مع الناس، كفيل بأن يحول بعض الأبرياء إلى كارهين وحاقدين على الشرطة والحكومة والنظام والمجتمع بأكمله".

ودعا حسين إلى حسن معاملة المواطنين أثناء التفتيش، وقال: "مرة ثانية أعرف حجم الضغوط الملقاة على عاتق رجال الشرطة في مثل تلك الأحداث، لكن ابتسامة واحدة قد تكفى لتعزيز ثقة شاب أو مواطن في نفسه وشرطته وحكومته وبلده والعكس صحيح. لو أن هذا الجندي أو الأمين أوالضابط، لا يستطيع الابتسامة، فلتكن ملامح وجهه حيادية، ولا يقوم بإهانة وتهديد من يسأله أو يفتشه".

وردت وزارة الداخلية بالقول إن تفتيش هواتف المواطنين إجراء قانوني، وقال مصدر أمني بوزارة الداخلية، بأن "ما جاء ببيان المجلس القومي لحقوق الإنسان اعتمد على معلومات مصادر غير موثوق بها تسعى لإحداث نوع من البلبلة والتوتر في الشارع المصري".

وأكد المصدر أن "جميع حالات الضبط التي تمت خلال الأيام الماضية، جاءت وفقاً للقانون التي من بينها حالات التلبس التي تتيح لمأموري الضبط القضائي تفتيش الأشخاص وما بحوزتهم من متعلقات منقولة (الهواتف المحمولة أو خلافه وفقاً لصحيح القانون)". وأهابت الوزارة بضرورة الحصول على المعلومات من الجهات المعنية.

وكانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وجهت انتقادات للسلطات المصرية، بسبب طريقة التعامل مع المظاهرات التي نظمت في البلاد يومي 21 و22 من سبتمبر الجاري، داعية القاهرة إلى مراجعة مواقفها إزاء مثل هذه الأحداث في المستقبل والإفراج عمن اعتقلوا واحتجزوا "فقط لممارسة حقوقهم".

وقال مكتب النائب العام، إن النيابة العامة استجوبت عددًا لا يتجاوز ألف متهم من المشاركين في تلك التظاهرات في حضور محاميهم، كما بادرت بالتحفظ على تسجيلات آلات المراقبة الكائنة بنطاق أماكن تلك التظاهرات ومداخلها ومخارجها بمختلف المحافظات. وأصدرت النيابة العامة أمرًا بفحص صفحات وحسابات المتهمين على مواقع التواصل الاجتماعي.

فيما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش للدفاع عن حقوق الإنسان أن السلطات المصرية أوقفت "قرابة ألفي شخص" على خلفية الاحتجاجات وحجبت "مواقع إنترنت سياسية وإعلامية كما عطلت خدمات إنترنت أخرى يستخدمها المتظاهرون للتواصل".

وكان رجل الأعمال والممثل محمد علي من أسبانيا، بث عدة فيديوهات كشف فيها عن وقائع فساد وإهدار وتبديد للمال العام في بناء فنادق فخمة وقصور تابعة للرئاسة والجيش، ما أثار غضب المصريين، لاسيما مع ارتفاع معدلات الفقر، الذي وصل إلى أكثر من ثلث المصريين خلال العامين الأخيرين، 2017 و2018.