رأس العين: بدأت تركيا بعد ظهر الأربعاء هجوماً واسعاً على مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا، في خطوة تلت حصول أنقرة على ما يبدو أنّه ضوء أخضر من واشنطن التي سحبت قوّاتها من نقاط حدودية.

وبعد مواقف أميركيّة متناقضة إزاء الهجوم، اعتبر الرئيس دونالد ترمب الأربعاء العملية التركية "فكرة سيّئة". وقال إنّ واشنطن "لا توافق على هذا الهجوم" بعد سلسلة انتقادات اتّهمته بالتخلّي عن المقاتلين الأكراد الذين شكّلوا شريكاً رئيساً لبلاده في دحر تنظيم الدولة الإسلامية.

بعد أيّام من حشد تركيا قوّاتها وفصائل سوريّة موالية لها قرب الحدود، أعلن الرئيس رجب طيّب إردوغان الأربعاء عبر تويتر أنّ "القوّات المسلّحة التركية و+الجيش الوطني السوري+ باشرا عمليّة +نبع السلام+ في شمال سوريا".

بدأ الهجوم التركي بغارات جوّية محدودة استهدفت بلدة رأس العين ومحيطها، قبل أن يطال قصف مدفعي مدناً وقرى عدّة على طول الشريط الحدودي، في المنطقة التي تأمل أنقرة إقامة "منطقة آمنة" فيها تُعيد إليها اللاجئين السوريين لديها.

وبعد ساعات من القصف، أعلنت وزارة الدفاع التركية بدء الهجوم البرّي لقوّاتها والفصائل الموالية لها. وقال متحدّث باسم تلك الفصائل إنّ الهجوم بدأ باتّجاه مدينة تلّ أبيض في ريف الرقة الشمالي.

نقلت وسائل إعلام تركيّة أنّ قوّات خاصّة تركيّة ومدرّعات ومقاتلين سوريّين توغّلوا في ثلاث نقاط على الأقلّ. وأكّد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن توغّل القوّات التركيّة في قرى غرب مدينة تل أبيض.

أفادت قوات سوريا الديموقراطية عن "اشتباكات عنيقة بالأسلحة الثقيلة" قرب مدينة تل أبيض بعد تمكّنها من منع القوّات التركيّة من دخولها. واستهدف القصف منذ بعد الظهر، وفقَ تلك القوّات، "مواقع عسكريّة ومدنيّة".&

أسفر القصف على مناطق عدّة، والذي طال ليلاً مدينة القامشلي، وفق المرصد، عن مقتل ثمانية مدنيّين، بينهم طفلان، و16 مقاتلاً من قوات سوريا الديموقراطية. كما أصيب العشرات بجروح.

قال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار مساء الأربعاء إن العمليات العسكرية "ستستهدف فقط مخابئ الإرهابيين وملاجئهم وأسلحتهم"، لافتاً إلى أنّ "المدنيّين الأبرياء ... وكذلك الأصدقاء وعناصر الدول الحليفة في منطقة العمليات لن يتعرّضوا للأذى".&

وأفاد مراسل فرانس برس والمرصد عن حركة نزوح مع إطلاق العملية التركية. وتحدّث المرصد عن نزوح آلاف المدنيّين باتّجاه مناطق لا يشملها القصف التركي.&

وشاهد مراسل فرانس برس في رأس العين، إثر بدء القصف سحباً من الدخان وعشرات المدنيين من رجال ونساء وأطفال لدى فرارهم عبر سيّارات وشاحنات صغيرة أو سيراً على الأقدام محمّلين بأمتعتهم. كما أفاد ليلاً عن بدء حركة نزوح من القامشلي.

وحذّرت منظمة العفو الدولية الأربعاء أطراف النزاع من استهداف المدنيين. وقالت مديرة بحوث الشرق الأوسط لين معلوف إنّ "تركيا ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي أن تتّخذ كلّ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيّين وضمان وصول المساعدات الإنسانيّة".

النفير العام
يهدف الهجوم الذي ندّدت به دمشق وحليفتها طهران، وفق إردوغان، إلى إقامة "منطقة آمنة"، بما يسمح بإعادة نحو 3,6 ملايين لاجئ سوري فروا إلى تركيا من النزاع المستمر منذ ثماني سنوات.

هذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل في العام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت على أثره على منطقة عفرين في شمال سوريا.

وتُعدّ أنقرة الوحدات الكردية "إرهابية"، وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود. وشنّت تركيا غاراتها رغم إعلان مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية الإثنين أنّ القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة أغلقت الأجواء أمام الطائرات التركية.&

إلا أن سحب واشنطن بين 50 ومئة جندي من الحدود الشمالية الإثنين بدا أشبه بضوء أخضر لتركيا بشنّ هجومها وأثار مخاوف الأكراد الذين دعوا إلى فرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا.

استبقت الإدارة الذاتية بدء الهجوم بإعلانها صباح الأربعاء "النفير العام" في مناطق سيطرتها. وفي موقف لافت، دعت الأربعاء روسيا إلى تسهيل محادثات مع دمشق، بعد اعلان وزير الخارجية سيرغي لافروف إجراء بلاده اتصالات مع الأكراد والحكومة السورية و"حضهم على بدء الحوار لتسوية المشاكل في هذا الجزء من سوريا".

ورحّبت الإدارة الذاتية بتصريحات لافروف. وأكدت تطلعها إلى أن "يكون لروسيا دور في هذا الجانب داعم وضامن وأن تكون هناك نتائج عملية حقيقية".

لم تثمر مفاوضات سابقة بين الطرفين، مع إصرار دمشق على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع في 2011، وتمسّك الأكراد بإدارتهم الذاتية ومؤسساتها.

ويثير الدعم الأميركي لقوات سوريا الديموقراطية التي تسيطر على نحو ثلاثين في المئة من مساحة البلاد، غضب دمشق التي تعهدت بالتصدي لأي هجوم تركي.

التفكير ملياً
أثار قرار ترمب سحب قواته من الحدود الشمالية انتقادات واسعة من سياسيين أميركيين وحتى كبار الجمهوريين، إذ اعتُبر بمثابة تخلٍ عن القوات الكردية التي شكلت حليفاً رئيساً لواشنطن في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لكن ترمب نفى ذلك. وقال في تغريدة الثلاثاء "لم نتخل بأي شكل من الأشكال عن الأكراد".

هدد خلال اليومين الماضيين تركيا بتدمير اقتصادها. وقال الأربعاء "آمل أن يتصرف (اردوغان) بعقلانية. سنرى كيف سيقود (هذه العملية). إذا ما فعلَ ذلك بشكل جائر، فإنّه سيدفع ثمناً اقتصادياً باهظاً".

وفي اتصال هاتفي، أكد إردوغان الأربعاء لنظيره الروسي فلاديمير بوتين أن العملية التركية ضد القوات الكردية في سوريا، "ستساهم في جلب السلام والاستقرار إلى سوريا وستسّهل الوصول إلى حلّ سياسي". وأورد الكرملين من جهته أن بوتين دعا إردوغان إلى "التفكير ملياً" قبل شن الهجوم.

ودانت السعودية مساء الأربعاء ما اعتبرته "عدواناً" تركيّاً على مناطق الأكراد في شمال شرق سوريا، محذّرةً من أنّ الهجوم يُهدّد أمن المنطقة ويُقوّض جهود محاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة المتطرّف.

وبينما أبدت الإمارات والبحرين موقفين مماثلين، أعلنت قطر أنّ أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتّصل بالرئيس التركي رجب طيّب إردوغان وناقش معه "المستجدّات" في سوريا، من دون أن تدين الإمارة الثريّة العمليّة. ورفض وزير الخارجيّة التركي مولود تشاوش أوغلو بشدّة انتقادات دول خليجية للعمليّة العسكريّة التركيّة، مُتّهماً تلك الدول "بقتل وتجويع الكثير من المدنيّين" في اليمن.

وأبدت دول أوروبية عدة بينها فرنسا خشيتها من احتمال أن يُسهم الهجوم في انتعاش تنظيم الدولة الإسلامية مع انصراف المقاتلين الأكراد إلى مواجهة تركيا.

وأبدت الخارجية البريطانية "قلقها البالغ إزاء العمل العسكري الأحادي". ودعا رئيس الاتحاد الأوروبي جان-كلود يونكر تركيا لوقف العمليات.

ندد وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان "بالعملية الأحادية التي أطلقتها تركيا في سوريا"، قائلا إنها "يجب أن تتوقف".
ويعقد مجلس الأمن اجتماعاً طارئاً مغلقاً الخميس لبحث الهجوم، بناء على طلب بلجيكا وفرنسا وألمانيا وبولندا وبريطانيا.

هذا ودعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ تركيا الأربعاء إلى ممارسة "ضبط النفس" في عمليتها ضد القوات الكردية في سوريا، محذرا من ان تكون المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية عرضة للخطر.

وعقب بدء تركيا هجوما ضد القوات الكردية في شمال شرق سوريا، أقر ستولتنبرغ بأن لأنقرة "مخاوف أمنية مشروعة"، إلا أنه دعاها إلى الرد بشكل محسوب.&

وأضاف "أطلعت السلطات التركية حلف شمال الأطلسي على العمليات الجارية في شمال سوريا. من المهم تجنب القيام بتحركات يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة بشكل أكبر، وتؤدي إلى تصعيد التوتر وتتسبب في المزيد من المعاناة البشرية".&

وصرح في مؤتمر صحافي في روما مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي "أطلب من تركيا ممارسة ضبط النفس وضمان أن يكون أي تحرك تتخذه في شمال سوريا غير مفرط".&

واضاف "يجب أن لا نعرّض المكاسب التي حققناها في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية للخطر".

وأكد أن التنظيم "لا يزال يشكل تهديدا كبيرا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولجميع دولنا".&

ومن المقرر أن يزور ستولتنبرغ اسطنبول الجمعة، وقال انه سيناقش العملية العسكرية مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.&

& & & & & & & &&