تونس: غادر المرشّح للرئاسة التونسيّة نبيل القروي السجن إثر قرار قضائي صدر مساء الأربعاء، في وقتٍ أعلنت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات تصدّر "النهضة" نتائج الانتخابات البرلمانيّة.

خرج القروي المتّهم في قضايا غسل أموال وتهرب ضريبي، من السجن. وكان محاطًا بمجموعة من أنصاره الذين حملوه على الأكتاف. وسرعان ما صعد إلى سيّارة سوداء، غادرت محيط السجن، وفقًا لمراسل وكالة فرانس برس.

وحلّ حزب "النهضة" أوّلًا في ترتيب الكتل البرلمانيّة مع 52 مقعدًا، يليه حزب القروي "قلب تونس" بحصوله على 38 مقعدًا من مجموع 217.

وأكّد كمال بن مسعود، محامي القروي، لفرانس برس أنّ "محكمة النقض تخلّت عن قرار غرفة الاتّهام" الذي أوقِف القروي بموجبه في أواخر أغسطس الفائت. وقال نزيه الصويعي، المحامي من هيئة الدفاع عن القروي، "تمّ إلغاء قرار التوقيف، وهو حرّ. وسيتواصل التحقيق".

لم يشمل قرار الإفراج شقيقه غازي القروي الموقوف معه، والذي ترشّح عن دائرة بنزرت (شمال). ولم ترشح أيّ معلومات عنه وعن مكان وجوده. & &&

إثر صدور القرار، تجمّع عدد من أنصاره أمام مقرّ الحزب في العاصمة، حاملين صوَره ومردّدين "اليوم يخرج نبيل من المرناقية، ويذهب إلى قرطاج (مقرّ الرئاسة)".

قال القيادي في الحزب أسامة الخليفي لفرانس برس "كان خبراً سارّاً، وكانت المهمّة في غيابه صعبة جدّاً. سيخرج وسيذهب لمقابلة الشعب وعرض برنامجه" .

لعبة التحالفات
تؤكّد نتائج الهيئة تشكّل كتلٍ نيابيّة مشتّتة في البرلمان الجديد. وكان القروي عبّر في رسالة سابقة عن رفضه التحالف مع حزب "النهضة"، واتّهمه بالوقوف وراء سجنه. &

حلّ "حزب التيّار الديمقراطي" (ديمقراطي اجتماعي) ثالثاً بـ22 مقعداً، وكان رئيسه محمد عبو نال 3,6 في المئة في الدورة الرئاسيّة الأولى، مسجّلاً بذلك تقدّماً ملحوظاً مقارنة بانتخابات 2014 التي جمع فيها ثلاثة مقاعد فقط.

وحلّ بعدهُ "ائتلاف الكرامة" المحافظ (مع 21 مقعداً)، ثمّ "الحزب الدستوري الحرّ" (17 مقعداً). وحصلت حركة "الشعب" القوميّة على 16 مقعداً.

أمّا "تحيا تونس"، حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فحصل على 14 مقعداً، فيما حصل "مشروع تونس" على أربعة مقاعد. ولم تتجاوز بقيّة الأحزاب والقائمات المستقلّة الثلاثة مقاعد لكُلٍّ منها، بما فيها حزب "نداء تونس" الفائز في انتخابات 2014.

قرّرت الهيئة حذف مقعد لكلّ من حزب "الرحمة" المحافظ في ولاية بن عروس، ومقعد لجمعيّة "عيش تونسي" في دائرة فرنسا 1.

وعلّل رئيس الهيئة نبيل بفون في مؤتمر صحافي سبب إلغاء المقعدين بـ"اللجوء للإشهار السياسي"، قائلاً إنّ رئيس قائمة "الرحمة" الحسين الجزيري استغلّ راديو "القرآن الكريم" "67 ساعة لتمرير برامجه الانتخابيّة". ويرى سليم الخراط من منظّمة "بوصلة" أنّه مع "تشتّت الأصوات هذا، من الصعب أن نتحدّث عن فوز الأحزاب المتنافسة".

قال النائب السابق والكاتب السياسي سليم بن عبد السلام "نُواكب مشهداً سياسيّاً متفجراً مع بعض الاستقرار. بعض الأحزاب التي لعبت دوراً مهمّاً في السابق مثل نداء تونس تراجع كثيراً... كما اضمحلّت أحزاب أخرى بالكامل".

لا تملك النهضة، أمام هذا الشتات، سوى البحث عن تحالفات، بدءًا بمَن يتقاسم معها التوجّه السياسي، وصولاً إلى مَن يُعاديها إن تطلّب الأمر ذلك. وكتبت صحيفة "لو كوتيديان" الناطقة بالفرنسيّة الأربعاء إنّ النهضة "ستواجه مشاكل عدّة لتحصيل غالبيّة صعبة عبر لعبة التحالفات".

غير أنّ الخرّاط يرى أنّ "كلّ الأحزاب ليست لها مصلحة في الذهاب إلى انتخابات مبكرة كما يقرّ ذلك الدستور، وأنّها ستُقدِّر (الوضع) وفقاً لمصالحها البراغماتيّة".&

فوز النهضة محدود
أكّدت نتائج الهيئة ما نشرته استطلاعات الرأي عن تقدُّم "النهضة". في المقابل، تفكّكت الأحزاب الوسطيّة وتراجعت، مع تقدّم مرشّحين جدد يرفعون لواء مناهضة نظام الحكم الحالي.

يرى مراقبون أنّ الانتخابات التشريعيّة تأثّرت بنتائج الدورة الرئاسيّة الأولى، التي صوّت فيها الناخبون لمرشّحَين من خارج النظام الحاكم، هما أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد ورجل الأعمال نبيل القروي.

سيجعل التشكيل البرلماني الجديد المرورَ إلى تنفيذ باقي المسار الانتخابي مهمّةً صعبةً ومعقّدةً، خصوصاً إنْ تعلّقَ الأمر بتحصيل توافق 109 أصوات للمصادقة على الحكومة. وتمكّن رئيس النهضة راشد الغنوشي من الفوز بمقعد. وقد سجّل حزبه تراجعاً وتآكلاً لقاعدته الانتخابيّة منذ عام 2011.

حازت "النهضة" الغالبيّة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 بـ89 مقعداً، وتراجع عدد نوّابها من انتخابات إلى أخرى، وتمكّنت في 2014 من جمع 68 مقعداً لِتَجد نفسها اليوم مطالبة بتوافقات.

تراجع النهضة فسَّرهُ مراقبون برفض عددٍ مهمّ من قواعدها لسياساتها، وخاصة قرارها التحوّل إلى حزب مدني في العام 2016.
ويقول سليم الخراط إنّ "فوز النهضة محدود مقارنةً بعدد المقاعد التي حصلت عليها في 2011...سقوطها لافت".

مناظرة بين القروي وسعيّد
القروي رجل أعمال وقطب إعلامي أُوقف في 23 أغسطس 2019 وأودع الحبس الاحتياطي بشبهة تبييض أموال، لكنّه نال 15,58 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 15 سبتمبر، ما أهّله إلى خوض الدورة الثانية الحاسمة.

ورفضت السلطات القضائيّة التماسات عدّة قدّمها القروي لإطلاق سراحه، كان آخرها في الأوّل من أكتوبر. ويُنتظر أن يُنظّم التلفزيون الحكومي ليل الجمعة مناظرةً بين القروي ومنافسه قيس سعيّد الذي تصدّر الدورة الرئاسيّة الأولى بـ18,4 في المئة.

قادت سلوى السماوي، زوجة القروي، الحملة الانتخابيّة نيابةً عن زوجها، في وقت تتولّى قناة "نسمة" الدعاية، رغم اعتراض سلطات مراقبة الإعلام المرئي والمسموع.

تجري الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة الأحد المقبل بعدَ دورة أولى شهدت تصويتاً عقابيّاً استبعد مَن كانوا في السُلطة وأدّت إلى تأهّل متنافسَين خاضا حملتَيهما على أساس القطيعة مع النخب السياسيّة. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات النيابيّة 41,3 في المئة، وسط عزوف للشباب.
&