بغداد: تدفع الاحتجاجات المطلبية الأكثر دموية في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، باتجاه وضعه اكثر بين مطرقة الايرانيين وسندان الاميركيين، حليفيه المتعاديين، بحسب ما يشير خبراء.

يقول المحلل السياسي منقذ داغر إن الاستياء الاجتماعي الذي تفجر في الشارع في الأول من تشرين/الأول أكتوبر هو "انتفاضة محلية لمطالب متراكمة منذ عقود (...) لكن لها أيضا علاقة بالتوتر بين الولايات المتحدة وإيران".

ويضيف داغر أنه "لولا صراع النفوذ، لما كانت إيران تدخلت بهذا الشكل".

ومع تنديدها بعملية "تآمر" أكدت القضاء عليها، فإن إيران "فقدت الكثير من مصداقيتها داخل العراق وبالذات بين الشيعة. لكنها ضحت بكل ذلك حتى تحافظ على النظام بهذا الشكل، لتتمكن من التفاوض مع الولايات المتحدة".

طالما شكل التوازن بين مصالح القوتين الكبيرتين الفاعلتين في العراق، تحدياً كبيرا لهذا البلد المنكوب بالحروب والصراعات منذ نحو اربعين عاما.

لكن مقتل أكثر من مئة شخص غالبيتهم من المتظاهرين خلال أقل من أسبوع من الاحتجاجات التي امتدت إلى جنوب البلاد، أضعف رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، طبقا لعدد من الخبراء.

كان عبد المهدي يرأس ائتلافاً حكومياً متناقضاً، من فريق رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي فاز بالانتخابات التشريعية، وتحالف "الفتح" الذي يضم قدامى قيادات الحشد الشعبي مع فصائل مقربة من إيران.

لكن منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر، دعا الصدر إلى استقالة الحكومة التي كان شريكاً في تشكيلها، في حين أشار قادة الحشد إلى استعدادهم للقضاء على "المؤامرة" الرامية إلى "إسقاط" الحكومة، في حال طلبت هي ذلك.

ومذاك، أصيبت مؤسسات الدولة بشلل إثر الانقسام حيال تقديم استجابة ملموسة للمتظاهرين الذين يطالبون بتوفير فرص عمل وخدمات عامة ومحاربة الفساد.

وسط هذا الركود، أصبح عبد المهدي "أكثر عرضة لضغوط الكتل السياسية الكبيرة"، بحسب ماريا فانتابي من مجموعة الأزمات الدولية.

وتضيف "قد يكون ذلك لصالح إيران، لأنها ستعتمد بشكل أكبر على كتلة الفتح التي دعمتها في الأزمة".

وتشير فانتابي إلى أن هذا الاستقطاب بين السياسيين، كما حال الشارع الذي طالب بإصلاح شامل للنظام، "يعقد جهود عبد المهدي لإبعاد العراق عن المنافسة بين إيران والولايات المتحدة".

لكن في شرق أوسط تسوده الازمات والانقسامات حالياً، فإن دولة كالعراق تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها مع الجميع، من طهران إلى واشنطن مرورا بدمشق والرياض، تبقى مكسباً رئيسياً واستراتيجياً للجميع.

وتؤكد فانتابي أن لا واشنطن ولا طهران "ترغبان في أن يخرج الوضع عن السيطرة".

فإن وجود عراق مستقر أمر حيوي لطهران، التي تخنقها العقوبات الأميركية وتعتزم الحفاظ على صادراتها السنوية البالغ حجمها 6,6 مليارات دولار إلى بغداد، وكذلك لواشنطن، التي تسعى إلى تجنب تهديد تنظيم الدولة الإسلامية ومواجهة النفوذ الإيراني.

وتشير فانتابي إلى أن الخطر يكمن في أن "البعض في إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، يفسرون الشعارات المناهضة لإيران في الاحتجاجات على أنها تعبير عن تزايد المشاعر المعادية".

وتضيف "يمكنهم أن يدفعوا باتجاه استبدال عبد المهدي الذي يرونه متردداً وضعيفاً"، لكن ذلك سيكون بمثابة "فتح صندوق مفاجآت في نظام سياسي بحالة ركود، في مواجهة سخط اجتماعي متزايد والصعوبات الدائم في تشكيل الحكومة".

وفضلا عن القوى الموالية للولايات المتحدة، وتلك الموالية لإيران، سعى آخرون إلى لعب دور منذ بداية الشهر الحالي.

فالصدر الذي ظهر مؤخراً في إيران إلى جانب قادة الجمهورية الإسلامية، لم ينفذ بعد تهديده بالاعتصامات التي سبق وشلت البلد في الماضي.

وخلال خطبة الجمعة، ذكر آية الله علي السيستاني، أنه ليس للمرجعية الدينية "مصلحة أو علاقة خاصة مع أيّ طرفٍ في السلطة، ولا تنحاز إلا إلى الشعب".