بيروت: بعد اتفاق مع الأكراد، انتشرت قوات النظام على خطوط تماس مع القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في شمال البلاد في خطوة تعيد رسم خارطة التحالفات على الارض، لكن يبقى السؤال ما إذا كانت ستسفر عن مواجهات بين دمشق وأنقرة.

برغم الاتفاق بين دمشق والأكراد، لا يتوقع محللون أن تدخل قوات النظام، المدعومة روسياً، في معركة مع أنقرة التي تحدد في محادثات بدأتها منذ عامين مع موسكو مآلات النزاع في سوريا.

أين تتواجد قوات النظام؟

بعد يومين من سحب الولايات المتحدة بإيعاز من الرئيس دونالد ترامب قواتها من نقاط حدودية في سوريا، بدأت أنقرة مع فصائل سورية موالية لها هجوماً في شمال شرق سوريا. واعتُبرت الخطوة الأميركية بمثابة ضوء أخضر لأنقرة.

شعر الأكراد بتلقيهم "طعنة" من الأميركيين الذين تخلوا عنهم بعد انتهاء مهمتهم بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. لم يجد الأكراد خياراً سوى الانفتاح على دمشق، التي طالما رفضت إدارتهم الذاتية واتهمتهم بـ"الخيانة" لتحالفهم مع واشنطن.

وبرعاية روسية، تم التوصل الأحد إلى اتفاق نص على انتشار قوات النظام على طول الحدود مع تركيا.

والاثنين، بدأت القوات السورية بالانتشار، ودخلت مدينة منبج ومحيطها (شمال شرق حلب)، وبلدة تل تمر (شمال غرب الحسكة) وضواحي بلدة عين عيسى (شمال الرقة).

وتفصل خطوط التماس بين قوات النظام من جهة والفصائل السورية الموالية لأنقرة من جهة ثانية، اما القوات التركية فتقف في الصفوف الخلفية، وتتواجد بشكل أساسي في المناطق المحاذية للحدود، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

واقتصر الامر خلال اليومين الماضيين على مناوشات في محيط منبج وعين عيسى. وأفاد المرصد السوري عن مقتل عنصرين من قوات النظام الاربعاء في قذائف اطلقتها الفصائل الموالية لأنقرة قرب عين عيسى.

واستعادت قوات النظام وقوات سوريا الديموقراطية ست قرى من الفصائل الموالية لأنقرة قرب عين عيسى.

ويقول الخبير في الشأن السوري في مركز دراسات العالم العربي والإسلامي توماس بييريه "هناك خريطة جديدة. النظام يستعيد كل شيء تقريباً، فيما تسيطر تركيا على أجزاء قرب الحدود".

هل ستندلع الحرب؟

صحيح أن الاتفاق بين الأكراد ودمشق رسم خريطة جديدة للتحالفات في سوريا، إلا أنه لم يفتح جبهة عسكرية جديدة برغم إصرار أنقرة على نيتها الاستمرار في هجومها الذي سيطرت خلاله على منطقة تمتد نحو 120 كيلومتراً قرب الحدود.

لا يستبعد الخبير في الشأن السوري في جامعة ليون فابريس بالانش استمرار المناوشات بين الطرفين "بسبب تداخل مناطق السيطرة ووجود عناصر غير مضبوطين في الجانب التركي" في إشارة إلى الفصائل الموالية لأنقرة.

وبدلاً من المعارك، قد تتحول مناطق سيطرة الأكراد التي دخلتها قوات النظام، وفق بييريه، إلى "مركز خلفي لحرب عصابات ستطلقها وحدات حماية الشعب الكردية" ضد أنقرة التي تصنفها منظمة "إرهابية" وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً ضدها منذ عقود.

وبالنتيجة، قد يتحول المقاتلون الأكراد، وفق قوله، إلى "قوات ضد تركيا" وهو سيناريو يصب في مصلحة روسيا التي "ستستخدمه للضغط على تركيا".

وتُعد موسكو اليوم عنصراً أساسياً للحؤول دون أي مواجهات واسعة بين دمشق وأنقرة.

ويقول الباحث في معهد الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس إن موسكو "ستعمل بجد لمنع أي نزاع واسع بين قوات الأسد من جهة وتركيا والموالين لها من جهة ثانية".

ويؤكد بالانش أن روسيا وإيران، "ستقومان بدور الوسيط لكي يبقى كل طرف في المنطقة التي يتواجد فيها".

الأكراد مقابل إدلب؟

منذ العام 2017، تقود موسكو وطهران، حليفتا دمشق، وأنقرة الداعمة للمعارضة محادثات حول النزاع السوري، انبثق عنها اتفاقات عدة تتعلق بشكل أساسي بمناطق سيطرة الفصائل المعارضة ثم محافظة إدلب (شمال غرب) التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).

ولا تنوي موسكو التخلي عن هذه المحادثات بأي شكل، لذلك ستسعى للحفاظ على علاقتها مع أنقرة. ويقول هيراس "تريد موسكو أن تتعاون مع أنقرة لإخراج الأميركيين من سوريا".

ولا يتعلق الأمر بمناطق سيطرة الأكراد فقط، بل أن محافظة إدلب، التي تعد منطقة نفوذ تركية، تُعد أولوية.

ويقول بالانش "وافق الروس على التدخل التركي في الشمال مقابل إدلب"، موضحاً "إذا أراد النظام وروسيا الإنتهاء من أمر إدلب، فإن عليهم أن يتركوا شيئاً لـ(الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان".

ويتوجه أردوغان خلال الأيام المقبلة إلى روسيا للقاء نظيره فلاديمير بوتين.

وأعلن الكرملين الأربعاء أن الرئيسين اكدا خلال اتصال هاتفي على "ضرورة منع وقوع مواجهة بين وحدات تركية وسورية".