تتميز تظاهرات لبنان اليوم بميزات ربما لم نجدها في الحراك العربي منذ عام 2010. إنها الجرأة في كل شيء، والفرح على الرغم من كل شيء، والوحدة التي لا ينتقص منها أي شيء.
&
أول وأهم ما يميز تظاهرات أكتوبر 2019 في لبنان أنها كسرت كل جدران الخوف، وأهمها جدار خوف الشباب الشيعي من الكلام علنًا على ما كانوا يسرونه ويقولونه خلف الأبواب المغلقة. فبيئة "المفاومة" لا تعيش في سويسرا، إنما تعيش الهم الاقتصادي – ااجتماعي اللبناني كله، بكل مشكلاته. وفي هذه الرسالة التي وجهها جريء شيعي إلى أمين عام حسن نصرالله الكثير مما كان مخبوءًا ومخفيًا بالقوة ومسكوت عنه بحجة الحرب مع إسرائيل أولًا ومع الجماعات الجهادية الإرهابية ثانيًا.

/p>

الجرأة نفسها جعلت من مرأة لبنانية أيقونة جديدة للثورة القائمة في لبنان. فهذه الكهلة توجهت إلى صفوف قوات الشرطة اللبنانية التي تواجه المتظاهرين، وكلمت أحد الضباط بمشاعر أمومة حولتها أمًا لهذه الانتفاضة اللبنانية كلها، بشبابها وشيبها. لا خوف بعد اليوم... لا خوف الحق معنا.&


ما عاد مسموحًا السكوت عن الكلام المباح، وصار واقعًا أن يغني اللبنانيون أغنيات الوداع لمسؤولين رزحوا على أكتافهم عقودًا وعقود، حتى توهم الناس أن لا خلايا حية بعد في الشعب اللبناني:

جمع الحراك اللبناني الجديد ألونًا عدة في المجتمع المدني اللبناني الذي وجد في الأرض الملتهبة اليوم فضاءً اجتماعيًا جامعًا كل الشرائح والطوائف، تحت راية واحدة، راية المطالب الوطنية العامة. فشارك كل لبناني على هواه، محترمًا سلمية التحرك. فحتى أصحاب الدراجات النارية كانوا هناك:

لطالما صبغت مدينة طرابلس بصبغة "التعصب" الإسلامي، خصوصًا أن فيها جماعات إسلامية شاركت في الحرب السورية، إلا أن هذه الجماعات لا تمثل المدينة، إنما هي مكون من مكوناتها لا أكثر. ما جرى في طرابلس ويجري يوميًا في خلال التظاهرات يؤكد أن لا سلمية مثل سلميتها، ولا رقي مثل رقيها، ولا حراك حضاريًا مثل حراكها. فالسهرات الاحتجاجية يحييها الـ "دي جاي" بالموسيقيى المنوعة، أو يحضر الفنانون لإحياء الليالي الخريفية التي يريد ساهروها أن تنتهي بتحقيق أهدافهم: سقوط العهد والحكومة ومحاسبة سارقي أموال الناس كما يقولون:

&
إنها ساحة النور في طرابلس التي ارتبط اسمها سابقًا بالجهاديين والداعش زورًا وبهتانًا. إنها ساحة النور أيضًا أيضًا:

إلى المطالب الاقتصادية – الاجتماعية، الفرح يجمع الناس في الاعتصامات اللبنانية، حتى إذا وجد أحدهم فرصة للغناء غنى... غنى الوحدة الوطنية التي تميز هذه الانتفاضة، الأولى من نوعها منذ استقلال لبنان في عام 1943.

لا شك في أن ما يحصل اليوم في لبنان يجد صداه في أكثر من مكان في الوطن العربي. فربما "ربيع لبنان" الآتي ولو متأخرًا يعيد الجذوة إلى نيران "الربيع العربي" المتقدة تحت الرماد في الشعوب العربية، بعدما تمكن الطغيان على امتداد الوطن العربي من قمع عنفوان شبابه. تحية أردينة فنية إلى شباب لبنان: