اتخذ حسن نصرالله ونبيه بري القرار بإنهاء الحراك المدني في الجنوب اللبناني، فجردا حملة عسكرية على المتظاهرين، فيما شهدت بعض المناطق صدامات طفيفة بين المتظاهرين والجيش.&

إيلاف من بيروت: تميز اليوم السابع من الانتفاضة المدنية اللبنانية بالعديد من الحوادث، الأمنية والسياسية. فقد بدأ النهار بنشاط المتظاهرين في إقفال الطرقات، تأكيدًا على استمرارهم في حراكم بقدوة ومن دون تردد، خصوصًا بعدما سرت أخبار الثلاثاء أن الحشود لن تكون كثيفة اليوم، بسبب توجه الناس إلى أعمالهم.

حرب في النبطية

أما في النبطية، حيث كانت الهيمنة شبه مطلقة لحزب الله وحركة أمل، فقد تعرض المتظاهرون الشيعة من الحراك المدني اللبناني، المشاركون في الانتفاضة اللبنانية العامة، لهجوم مسلح من عناصر حركة أمل وحزب الله، لمنعهم من التعبير عن رأيهم، ومن رفض هيمنة الثنائي الشيعي على المجتمع الجنوبي بحجج واهية، كالمقاومة والتحضر لحرب قادمة مع إسرائيل، وباتهامهم بالعمالة.

تدخل الجيش اللبناني وفض الاشتباك، إلا أن مسلحي الحزب والحركة عادوا مرارًا للاعتداء على المتظاهرين الذين واجهوهم بالهتاف المستمر "ثورة"، وبإنشاد النشيد الوطني اللبناني، وبرفع الأعلام اللبنانية.

استمرت اعتداءات أنصار حزب الله وحركة أمل على المدنيين العزل في النبطية حتى ساعات المساء، هاتفين "لبيك نصرالله"، على الرغم من وجود الجيش وقيامه بحماية المتظاهرين المدنيين، الذين وقع بينهم العشرات من الجرحى.

الملاحظ في الأمر أن الذي حصل في النبطية تكرار لما حصل في صور، وأن في الأمر قرار سياسي اتخذته الثنائية الشيعية المهيمنة في مناطق الجنوب اللبناني لإنهاء الحراك في منطقتها، مهما كلف الأمر.

وقد منع عناصر حزب الله وحركة أمل الصحافة من تصوير ما يحصل، خصوصًا أن وفودًا من متظاهري المناطق الأخرى تتقاطر إلى النبطية لنجدة رفاقهم في وجه قوى الأمر الواقع.

دموع جندي

كان ظاهرًا من تحرك الجيش اللبناني أن ثمة قرار بفتح الطرقات، خصوصًا الرئيسية. وهذا ما أدى إلى شبه صدام بين القوى المسلحة اللبنانية والمتظاهرين في منطقتي نهر الكلب وجل الديب إلى الشمال من بيروت.

وصلت قوة كبيرة من الجيش اللبناني إلى حيث تجمع الناس في نهر الكلب، وفرقوهم بالقوة، من دون أن يحصل صدام حقيقي، وانتقات القوة إلى جل الديب، حيث حصلت صدامات وكر وفر بين المتظاهرين والجيش.

وقد لوحظ أن الجيش لم يستعمل القوة المفرطة في تفريق الناس، وفتح الطريق. حصل بعض الخشونة في التعامل، لكن لا قوة مفرطة، حتى لاحظ الناس أن عناصر من الجيش اللبناني تتعاطف معهم، ووصل الأمر إلى بكاء جندي لبناني لأنه مضطر إلى تنفيذ الأمر بوجه أهله المدنيين.

توجه إلى مكان الصدام النواب سامي الجميل والياس حنكش من حزب الكتائب، ونعمة افرام من تكتل لبنان القوي الذي يتزعمه وزير الخارجية جبران باسيل، لكن المتظاهرين رفضوا وجود النواب بينهم قبل أن يستقيلوا من البرلمان.

الجيش معكم

بعد إشكال جل الديب، أعلنت قيادة الجيش اللبناني عبر حسابها الرسمي على تويتر عن تضامنها مع مطالب المتظاهرين. وقالت في بيان: "الجيش يقف إلى جانبكم في مطالبكم الحياتية المحقة، وهو ملتزم حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي، بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالكم للقيام بأعمال شغب".

تابع البيان: "نفتح الطرق لأجلكم ولأجل تسهيل وصول الحاجات الأساسية للمواطنين، من مواد طبيّة ومواد غذائيّة ومحروقات وغيرها، وجنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرّككم السلمي وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم".

أضاف: "لم يألُ الجيش جهداً في الأيام الماضية في التواصل مع كل الأفرقاء المعنيين، للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين. يتمنى الجيش على المواطنين التعاون معه من أجل إبقاء الطرق سالكة تسهيلاً لتنقل المواطنين واستقامة الدورة الحياتية".

وختم البيان بالقول: "الجيش ملتزم الدفاع عن حماية الوطن أرضاً وشعباً".

البطريرك مع الناس

أكد بطريرك الكنيسة المارونية في لبنان الكاردينال بشارة بطرس الراعي دعمه للاحتجاجات السلمية في لبنان، ودعا إلى تشكيل حكومة لبنانية جديدة، في خلال الاجتماع الأستثنائي لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، كما عبر عن شعوره بالأسف لأنعدام ثقة المواطنين بالدولة والمسؤولين السياسيين.

قال الراعي: "لا نستطيع أن نخيب آمالهم، واليوم نجتمع لمخاطبتهم، وسوف نتدارس الأفكار سويًا من خلال ورقة عمل وضعناها خلال اليومين الماضيين".

أشاد الراعي بحزمة الإصلاحات التي تم طرحها أخيرًا، لكنه قال إنها تحتاج إلى حكومة جديدة لتنفيذها، ودعا السلطة إلى اتخاذ خطوات جدية وشجاعة لإخراج البلاد مما هي فيه، ونصح رئيس الجمهورية ببدء مشاورات مع القادة السياسيين لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب.

زمن الصرح البطريركي في بكركي، أشار متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة إلى أن هناك استهتار بكرامة الناس، ورأى أن "الفراغ أفضل من الواقع الذي نعيشه اليوم".

موقف دار الفتوى

صدر عن مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان البيان الآتي: "تمر البلاد بمنعطف خطير يقتضي استدراكه والتعاطي معه بكل جدية ومسؤولية وأمانة لأنه يمس نظام لبنان الاقتصادي والمالي ويهدد حياة المواطنين وعيشهم وكراماتهم، والذي لم يعد من المستطاع تجاهله أو السكوت عنه ويستوجب المسارعة في معالجته، فالناس عانت كثيرًا وصبرت كثيرًا على الفساد، هذا الفساد هو نتيجة تقاسم المصالح ومرافق الدولة من قبل الأحزاب الطائفية والمذهبية، كما صبرت على شظف العيش والظلم والقهر بما يفوق احتمالهم وقدراتهم مما أدى الى هذا الانفجار الشعبي الكبير على مساحة الوطن بكامله، وبما يرتب مسؤولية جماعية وطنية على كل أركان الدولة وعلى القيمين على الشأن العام لتدارك مخاطر هذا الانفجار، وهم مؤتمنون، الى تلبية حاجات الناس والتجاوب مع مطالبهم واستنفار كل مقدرات الدولة وإمكاناتها لمعالجة هذا الانفجار دون تلكؤ ولا تأخير.

تواكب دار الفتوى الانتفاضة الشعبية منذ انطلاقتها بكثير من الاهتمام والتفهم والتعاطف. وهي إذ تقدر عاليا السلوك الذي تميز بالانضباط الوطني في الشوارع والساحات العامة في بيروت وفي المدن اللبنانية العديدة الأخرى، تعرب عن تأييدها واحتضانها للمطالب الاجتماعية المحقة والشعارات الوطنية الوحدوية التي رفعها المواطنون في كل أنحاء لبنان، وتعتبر دار الفتوى الانتفاضة ظاهرة وطنية جمعت كل الساحات في ساحة واحدة هي ساحة الوطن. فالمتظاهرون تجاوزوا المربعات الطائفية والمذهبية واتحدوا جميعًا في المربع الوطني الواحد".

بداية الإصلاح

أعربت دار الفتوى عن أملها في أن تكون المقررات الأخيرة لمجلس الوزراء بداية للاصلاح المنشود، وأن تكون تعبيرًا عن النية الصادقة بالالتزام بهذه الإصلاحات وتنفيذها بما يؤمن ثقة الشعب وإيجاد الآليات السليمة والصحيحة والموثوقة التي تتولى تنفيذ هذه المقررات، لان هناك انحسارا كبيرا بالثقة ما بين الناس والدولة من جهة وما بين الناس والمجتمع السياسي من جهة ثانية، والعمل الجاد على تفعيل دور المؤسسات الدستورية ووقف الهدر واستئصال الفساد من دون تحميل المواطنين أعباء ضريبية.

كما ثمنت دار الفتوى وقفة الشعب اللبناني وحسه الوطني الجامع وتحتضن مطالبه، وتناشد الدولة وجميع القوى الفاعلة بالتضامن مع هذه المطالب المحقة والسعي الى تحقيقها بأسرع وقت ممكن للخروج من هذه الأزمة الخطيرة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة لاستعادة ثقة الناس بدولتهم وبالمؤسسات الدستورية، فالأوضاع لا تحتمل المماطلة أو الالتفاف على هذه المطالب أو التهاون في معالجتها.