في ثامن أيام الثورة، يبدو أن كلفة رفض الحكومة اللبنانية الاستقالة أكبر من كلفة استقالتها، فسيناريوات التعديل الحكومي سقطت كلها.

إيلاف من بيروت: في صبيحة اليوم الثامن من الثورة في لبنان، يبدو الوضع كأنه اليوم الأول. فالحماسة في نفوس شباب لبنان وشيبه لم تتراجع ولم تخف، إنما زادت اتقادًا بعدما سرت شائعات بعيد منتصف الليل السابق تقول إن الجيش اللبناني سيبادر في ساعات الصباح الأولى إلى الامساك بالطرق كافة على الأراضي اللبنانية، ومنع المتظاهرين من إقفالها، مع حصر الاعتصامات في الساحات العامة، هذا ما لم يحصل.

فقد استفاق لبنان اليوم على أقفال كل الطرقات الأساسية فيه، وبعض الطرق الفرعية، وعلى إقفال شبه عام بانتظار كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون في الثانية عشرة ظهرًا.&

لا تعديل حكومي

كذلك استفاق لبنان على انهيار كل أمل بأي تعديل حكومي. في جريدة "الجمهورية"، كتب جورج شاهين عن سيناريوات كانت محتملة لتعديل حكومي كان منتظرًا، هي: ملء الحقائب الأربع التي فرغت باستقالة وزراء القوات اللبنانية بمرسوم يوقّعه ثلثا أعضاء الحكومة من أجل الحفاظ على التشكيلة الحكومية الحالية والإكتفاء بهذه الخطوة في مواجهة الشارع الذي يطالب باستقالة كاملة"؛ &أو الإفادة من شغور المراكز الأربعة والمضي في تقليص عدد الحقائب بالطلب الى أربعة وزراء مسلمين الإستقالة، على خلفية اختيار المراجع الإسلامية. وهنا طُرحت صيغة إلغاء وزارات الدولة والإحتفاظ بالوزراء حاملي الحقائب؛ أو تغيير حكومي شامل يعيد النظر في الحقائب.

يضيف شاهين أن الخيار الأول سقط بعدما توسعت المفاوضات لتحديد الجهات السياسية المسيحية التي ستتمثل بالحقائب الأربع، وسقط الخيار الثاني بعدما اندلعت اشتباكات جانبية ضمن البيت الواحد. اما الخيار الثالث، "فظهر أنّه الأصعب، إذ انّ استقالة الحكومة، وان كانت أقصر الطرق الى تلبية مطالب اللبنانيين في الشوارع، فستفتح الباب على أزمة كبرى ليس أوانها طالما أنّه ليس هناك من بوادر تفاهم على البديل منها".

كلفة اللا إستقالة

إن كانت الاستقالة غير واردة، فلهذا الأمر ثمنه. بحسب طوني أبي نجم في صحيفة "نداء الوطن"، المسؤولون اللبنانيوت يحسبون حساب كلفة الاستقالة عوضًا عن إجراء حسابات كلفة عدم الاستقالة أو التأخر بتقديمها إلى الشعب!

يكتب: "ربما كانت هذه الحسابات مبررة في اليومين الأولين للتظاهرات، بذريعة الخوف من الدخول في فراغ مؤسساتي وعدم إمكانية تشكيل حكومة جديدة بسرعة، لكن كل هذه الحسابات سقطت مع تمدد الثورة بشكل غير مسبوق في التاريخ العالمي وليس في تاريخ لبنان فحسب، وباتت كلفة معاندة المسؤولين وممانعتهم لتقديم استقالتهم باهظة جداً على لبنان واللبنانيين واقتصادهم وأوضاعهم المالية، وبالتالي فإن ثمة محاسبة باتت أكثر من ضرورية، محاسبة لا تشمل المرحلة الماضية حصراً، بل تشمل تحديداً مرحلة أيام الثورة والإصرار على عدم الاستقالة ما كبّد البلد خسائر أكبر من أن تُحصى".

يضيف: "لن يكتفي اللبنانيون بكبش محرقة من هنا وكبش محرقة من هناك، مثل الإدعاء على الرئيس نجيب ميقاتي ونجله وشقيقه، لأن ميقاتي جزء من المنظومة، مثله مثل أكثرية المسؤولين والسياسيين، وبالتالي لن يرضى اللبنانيون بتقديم ضحية إليهم، لأن المطلوب محاسبة الجميع".

يتابع: "لكن الأهم هو رفض اللبنانيين أن يحاول البعض أن يجعل من العماد جوزاف عون ضحية على مذبح مصالح بعض السياسيين وعشاق السلطة، ضحية من خلال دفعه في مواجهة أهله وناسه، في محاولة مكشوفة لضرب صورة قائد الجيش الذي قاوم كل الضغوط في الأيام الستة الأولى للتظاهرة رافضًا الاصطدام بالمواطنين!".

يختم أبي نجم: "الجيش اللبناني ليس جيش النظام السوري ليتولى قمع شعبه، ومن غير المقبول أن يتحوّل الجيش اللبناني جيش نظام فاسد. لذلك فإن عدم استقالة المسؤولين يعني أن ثمة من يحاول أن يغيّر وجه لبنان ونظامه ليشبه أنظمة القمع والفساد من حولنا، وليجعل من لبنان وشوارعه مساحات للقمع والتنكيل باللبنانيين، وهذا أسوأ ما يرتكبه الحكام وسيرتب عليهم محاسبة أمام الشعب اليوم قبل التاريخ!".

المصارف مقفلة

اليوم، ولليوم السابع على التوالي، تبقى مصارف لبنان مقفلة، بحجة عدم استقرار الأوضاع في البلاد. يقول مراقبون إن بقاء المصارف اللبنانية مقفلة يرجئ الانهيار المالي الذي يتخوف منه القطاع المصرفي، ويمنح الحكومة اللبنانية فرصة ايام لاتخاذ تدابير مالية وقائية، إذ يتوقع المسؤولون تقاطر اللبنانيين على المصارف ما أن تفتح أبوابها كي تسحب المال، إن كانت ودائغ أو رواتب، خصوصًا أن الشهر يشرف على نهايته، ما قد يتعذر على المصارف التجارية اللبنانية تداركه واستيعابه، لأن حركة السحب الكثيف ستنعكس سلبًا على تداول الدولار الذي ربما يرفع سعر صرفه من دون تحديد سقف، ومن دون القدرة على التحكم بالسوق السوداء.

يؤكد المختصون في الوضع المالي في لبنان أن صرف لبنان سيؤدي دورًا مهمًا في الحد من تداعيات الأزمة المالية عند فتح المصارف أبوابها أمام المودعين، من خلال ضخ مبالغ كبيرة بالدولار الأميركي أو الحد من الطلب على الدولار، خصوصًا أن إقفال المصارف هو قرار مشترك من جميعة المصارف والمصرف المركزي.

إلى ذلك، أكدت وزارة المالية أنها تتابع العمل على انجاز معاملات دفع رواتب موظفي القطاع العام كالمعتاد في مثل هذا التوقيت من كل شهر، والتي ستُحوّل الى المصرف المركزي في مواعيدها العادية والطبيعية. لكن، ما دامت المصارف مقفلة، فبيان المالية لا يعني أن الموظفين سيقبضون رواتبهم في الوقت المحدد، فيضطرون إلى صرف الأموال من مدخراتهم المنزلية التي يقدّرها الخبراء بنحو 2.5 مليار دولار، أو من بطاقات الائتمان أو أجهزة الصراف الآلي.