يبدو أن حسن نصرالله مصمم على إجهاض الثورة اللبنانية، بعدما وقف في وجهها وشيطنها، واتهم المتظاهرين فيها بأن السفارات الأجنبية تمولهم، وبالتالي صار جائزًا مهاجمتهم تحت شعارات الأمن والاستقرار.

تجمع الأوساط اللبنانية في عاشر أيام الثورة اللبنانية على أن لا حل يلوح في الأفق، فاستقالة الحكومة ليست واردة بحسب "تعليمة" حزب الله التي أوضحها أمين عامه حسن نصرالله في خطاب ضاج الجمعة، ترافق مع هجوم أنصار الحزب على المتظاهرين السلميين في ساحة رياض الصلح، بحذاء السراي الحكومي. فنصرالله، أو مرشد الجمهورية كما يسميه الناشطون اللبنانيون، أكدها ثانية: لا لسقوط العهد، لا لسقوط الحكومة، لا لانتخابات نيابية مبكرة. &

حتى الكلام على تعديل وزاري صار نافلًا، على الرغم من اللقاء المفاجئ بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري الجمعة، والذي جامت حوله شبهات استقالة أو تعديل جذري، تم نفيها لاحقًا.

أما ما استشفه المراقبون، والناشطون في الثورة، من فحوى خطاب نصرالله، تهديده الجميع، خصوصًا القوى الأمنية، أن أوقفوا هذا الحراك بالتي هي أحسن، أو أوقفه أنا على طريقتي، أي على الطريقة التي حصلت في رياض الصلح.

مظلة حماية

تتحدث جريدة "الأخبار" الموالية لحزب الله عن انعكاس "خطاب نصر الله إيجابًا على وضع بعض القوى السياسية، إذ شكّل مظلة حماية للعهد ولحلفائه أيضًا الذين تعرضوا لهجوم شرس من الشارع. فقد أخذ نصر الله في صدره كل الهجمات، واضعًا ركائز للخروج من الأزمة، أهمها الانطلاق من الورقة الإصلاحية والعمل على عودة الحياة الطبيعية الى البلاد.

وتؤيده في ذلك مختلف القوى المشاركة في الحكومة، فيما يبقى موضوع التعديل الحكومي أو الذهاب الى حكومة جديدة مُعلقاً، علمًا بأن الرئيس الحريري يسعى الى هذا الخيار، ويضغط في اتجاه تعديل وزاري جدّي، على اعتبار أن خطوة مماثلة من شأنها أن تخفف من غضب الشارع. غيرَ أن الرئيس نبيه بري يحذر من اعتماد أي خيار من دون التأكد من أن الشارع سيتجاوب معه.

أما النائب وليد جنبلاط فيزداد توترًا وارتباكًا بحسب ما نقل مقربون عنه، وخصوصًا أنه عمل في الأيام الماضية على إقناع الرئيس بري بالتعديل، كذلك فعل مع حزب الله للضغط على رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل للقبول به".

أكدت مصادر الجريدة نفسها أن القوى المشاركة في الحكومة ليست في وارد إجراء تعديل قريب، "وأنها لا تزال تعتبر أن الحل هو في الذهاب الى تنفيذ سريع لبنود الورقة الإصلاحية التي ستطاولها تعديلات كثيرة. لكنها تواجه خوف الحريري الذي يخشى من وقوع نقطة دم فيضطر الى الاستقالة نتيجة ذلك، بينما بإمكانه اليوم الاستقالة وتقديم ذلك كحسن نية، وهذا الأمر طرحه خلال لقائه عون في بعبدا حيث التقاه بعد خطاب نصر الله".

متهمون&

هذا الكلام يلتقي، بطريقة ما، مع الاتهام المباشر الذي وجهه ناشطو الحراك على مواقع التواصل الاجتماعي للسلطة بكل أطيافها، خصوصًا عون والحريري وبري وجنبلاط، بأنهم كانوا موافقين على تدفق جماعة نصرالله إلى قلب الحراك ونشر الذعر والفوضى، من خلال الاعتداء على المتظاهرين السلميين، بغياب واضح للجيش اللبناني، هذا الغياب الذي أثار شكوك المتظاهرين ورفع أكثر من علامة استفهام.

الحراك مستمر بالزخم نفسه، ومتوقع أن تشهد الساحات السبت والأحد مليونيتين متتاليتين، تأكيدًا على أن الحراك لن توقفه ممارسات السلطة وأحزاب السلطة وممارسات نصرالله الذي سماه المتظاهرون "حامي السلطة الفاسدة".

الحراك مستمر على ما يبدو، خصوصًا بعدما اتهمه نصرالله في خطابه الجمعة بأنه صنيعة سفارات خارجية، متسائلًا عن تمويل هذا الحراك، وطالبًا من أنصاره "الشيعة" الخروج من الساحات وعدم المشاركة في التظاهرات المطلبية، بحجة رفض "شتم السيّد" الذي ينزهه أنصاره من أي تهم فساد.

نشر الفوضى

ظهر مما حصل الجمعة في ساحة رياض الصلح ومناطق أخرى هاجم فيها أنصار التيار الوطني الحر، تيار رئيس الجمهورية الذي يتزعمه وزير الخارجية جبران باسيل، المتظاهرين، أن الحل الوحيد الذي تراه أحزاب السلطة اللبنانية هو نشر الفوضى، ومهاجمة الثورة بحجة منع الفوضى ووأد الفتنة، خصوصًا بعدما شيطنها نصرالله في خطابه.

المتظاهرون يؤكدون، من طرابلس إلى صور، أن أحدًا لن يستطيع إيقاف المد البشري المطالب بأبسط حقوق العيش الكريم في بلده، وأن أركان الدولة الذين فوضوا نصرالله قتل ثورتهم لن يفلتوا من المحاسبة والعقاب، وسوف يردون إلى خزينة الدولة ما نهبوه منها خلال ثلاثين عامًا.

إلى ذلك، يرفض المتظاهرون مطالب نصرالله وهون تشكيل وفد أو قيادة للثورة من أجل التفاوض. فبحسبهم، لا تفاوض، والمطلب الوحيد هو استقالة الحكومة، وتأليف حكومة اختصاصيين مستقلة خارج دائرة الضغط الحزبي والفئوية، كي تحضر لانتخابات نيابية مبكرة مع لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس نسبي.