وسمت الإشكالات الأمنية المتنقلة، والصدامات بين المتظاهرين اللبنانيين السلميين والقوى الأمنية، اليوم العاشر من أيام الثورة اللبنانية، كان أعنفها مساءً الإشكال بين الجيش والمتظاهرين في منطقة البداوي شمال لبنان.

إيلاف من بيروت: قال متظاهرون في منطقة البداوي شمال لبنان إن الجيش اللبناني تقدم منهم وعاملهم بقسوة، بحجة صدور أمر أمني بفتح الطرقات، ومنها الطريق التي يقفلونها بالحجارة، وذلك من دون أي إنذار، ما أدى إلى صدام استخدم فيه جنود الجيش اللبناني الرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، ما أدى إلى وقوع عدد من الجرحى، نقلوا إلى المستشفيات.

في هذه الأثناء، كان المحتجون قد عادوا إلى ساحات الاعتصام فملأوها حتى اكتظت وما عادت تتسع لمن يتقاطرون إلى جل الديب وتقاطع الشيفروليه وساحة رياض الصلح وساحة الشهداء، كما ساحة النور في طرابلس، التي سميت عروس الثورة.

وكان تقاطع الشيفروليه قد شهد كرًا وفرًا، خصوصًا عندما عمدت القوى الأمنية اللبنانية إلى فتح الطريق تنفيذًا لخطة أمنية اتفقت عليها الأجهزة الأمنية اللبنانية لفتح الطرق، وترك أمر الاعتصام في الساحات وحدها.

بيان الجيش

بعد إشكال البداوي، أصدرت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني بيانًا قالت فيه إنه على أثر إشكال وقع بعد ظهر اليوم في منطقة البداوي - طرابلس، بين مجموعة من المعتصمين على الطريق وعدد من المواطنين الذين حاولوا اجتياز الطريق بسياراتهم، تدخلت قوة من الجيش لفض الإشكال، فتعرّضت للرشق بالحجارة وللرمي بالمفرقعات النارية الكبيرة، ما أوقع خمس إصابات في صفوف عناصرها، عندها عمدت الى إطلاق قنابل مسيلة للدموع لتفريق المواطنين، واضطرت لاحقًا بسبب تطور الإشكال إلى إطلاق النار في الهواء والرصاص المطاطي حيث أصيب عدد من المواطنين بجروح.

أضاف البيان: "استقدم الجيش تعزيزات أمنية إلى المنطقة وأعاد الوضع إلى ما كان عليه، وفتح تحقيقًا بالموضوع".

ومع عودة الوضع إلى الهدوء، عاد المتظاهرون إلى قطع الطريق بأجسادهم، إذ جلسوا في وسطها، مؤكدين سلمية تحركهم، ومشددين على أن لا شيء يفرقهم عن الجيش.

مشهدية غير مسبوقة

إلى ذلك، أجرى سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية، اتصالًا بقائد الجيش جوزف عون وطلب منه اجراء تحقيق فوري بملابسات حادث البداوي واتخاذ التدابير اللازمة، &مؤكدًا ضرورة حماية حرية التعبير السلمي للمواطنين، كما الحفاظ على الطابع السلمي للتحرك.

وشدد المكتب السياسي لتيار المستقبل خلال اجتماع طارئ في بيت الوسط على ان التيار يرى في المشهدية التاريخية وغير المسبوقة التي شهدتها المدن والمناطق من أقصى الشمال إلى اقصى الجنوب والصرخات التي رفعتها الحشود بأسلوب راق وحضاري، تجسيدًا لمطالب مزمنة ومحقة طالما سعى تيار المستقبل وكل مؤمن بالمساواة وحقوق الإنسان إلى تحقيقها، وأملًا في تنفيذ هذه المطالب في ظل الصراعات السياسية المستدامة في حياتنا الوطنية.

وإذ نوه بالانتفاضة الشعبية و انضباط المتظاهرين وأحقية اغلب مطالبه، أشاد المكتب السياسي لتيار المستقبل بتفهم الحريري لهذه المطالب، وتبنيه لها في الورقة الاصلاحية التي اذاعها وكلف فريق عمله والوزراء المعنيين بوضع بنودها قيد التنفيذ بلا تأخير، مشيرًا إلى أن هذه المطالب هي ما سعى الحريري إلى تبنيه في مجلس الوزراء، منذ تشكيل الحكومة الراهنة، لكن المناكفات السياسية و المصالح الضيقة، حالت دون وصولها إلى بر الانجاز.

وعي وطني

غرّد اللواء أشرف ريفي بعد الحادث: "يومًا بعد يوم يُثبت أهلنا في البدّاوي مدى وعيهم الوطني وحرصهم على جيشهم الوطني أتمنى الشفاء العاجل لكل المصابين وأؤكد ثقتنا بوعي أهلنا في البداوي وبقيادة الجيش الحالية التي تجري تحقيقًا موضوعيًا بالحادث".

أضاف: "لقد فوتّم أيها الأبطال في البداوي الفرصة على المصطادين في المياه العكرة وأثبتّم مجدداً وعيكم ووطنيتكم".

وقال في تغريدة أخرى: "الثورة التي أجبرت يوم أمس نصرالله على وضع العلم اللبناني مكان علم حزب الله هي ثورة منتصرة بإذن الله لا شك أن المشوار طويل ومكلّف ككل ثورات التحرير إلا أن الإنتصار قدَر هذه الثورة".

قبل الإثنين

في البحث عن مخارج للأزمة، نسب موقع "سبوتنيك عربي" للمحلل وسيم بزي قوله إن الأمل الآن "معلق على نجاح الجيش في الثماني والأربعين ساعة القادمة بفتح الطرقات وانطلاق عمل المؤسسات يوم الاثنين، مع بقاء الناس في الساحات، وذلك سيوفر فرصة لمقاربة أكثر هدوءًا، وحال الفشل سيكون يوم الإثنين القادم فاتحة لمرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة على مزيد من عناصر التعقيد الخارجية، ويعزز نظرية وجود مؤامرة خارجية، تتخفى خلف الحراك المطلبي والعناوين الشعبية المغرية"، في ما يبدو تكرارًا لنظرية المؤامرة التي أطلقها حسن نصرالله، أمين عام حزب الله.

في المقابل، وتأسيسًا على الزخم الذي عمل خطاب نصرالله ومحاولة أنصاره ضرب الحراك على زيادة وتيرته، يرى محمد نمر في صحيفة "نداء الوطن" أن البلد أمام خيارين، "إما حكومة جديدة برئاسة الرئيس الحريري، وإما تعديل وزاري بإقالة مجموعة من الوزراء. واصطدم الخياران بحائط حزب الله الذي لا يراهن إلا على إخماد ثورة الشارع.

خياران

أضاف نمر أن في الخيار الثاني، لا يمكن أي تعديل وزاري أن يُرضي الشعب طالما أن التعديل لم يشمل الوزير الأكثر استفزازًا بين الناس وهو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي رفض التعديل بحماية من حزب الله، وفي الخيار الأول المتضرر الأكبر هو حزب الله، "فهو اليوم يُمسك بصوت 19 وزيرًا لمصلحة سلاحه، وأي حكومة جديدة ستكون مصغرة ومن اختصاصيين، ما يعني أن الحزب سيفقد سيطرته على أكثرية وزارية، وحاجته للحريري ستدفع إلى تلبية كل شروط رئيس الحكومة المستقيل والمكلّف".&

بحسب نمر، هاجس حزب الله هو أن تواصل القوى السياسية تقديم التنازلات للشعب بالانتقال إلى مرحلة التغيير الحقيقية، من حكومة جديدة إلى انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون جديد، وهنا يكون أمام خسارة ثالثة في تراجع عدد نوابه ونواب حلفائه في مجلس النواب، فيما الخسارة الأولى بأن الشارع لم يعد ملكه، وإذا قمع تظاهرات بيروت فلن يستطيع أن يقمع تظاهرات الساحات الممتدة من الدورة وصولاً إلى طرابلس، فيما الخسارة الثانية ربما خروجه من حكومة يشكّلها مجلس نواب غالبيتها من المستقلين والمجتمع المدني، ولن يستطيع حينها أن يضمن مصير سلاحه غير الشرعي.

فكيف سيتصرف حزب الله في حال استمر الشارع في الضغط على السلطة؟ هل يتخلى عن باسيل بخيار التعديل الوزاري، أم يوجّه سلاحه نحو اللبنانيين؟ إذا راح للخيار الأخير، فيكون قد رسم طريق النهاية... لكن نهاية من؟