يقول قراء "إيلاف" إن الثورة اللبنانية لن تحقق كل أهدافها، لكنهم مقتنعون بأنها ستحقق بعض الأهداف المعلنة، فكيف؟.

إيلاف من دبي: يبدو أن الثورة اللبنانية قدمت جرعة من التنفس الاصطناعي إلى الربيع العربي. فلأيام عشرة ونيف، اكتظت الساحات اللبنانية بشكل مفاجئ بملايين اللبنانيين ينادون بسقوط الحكومة والحكم الطائفي، رافضين كل الحلول المجتزأة التي قدمتها إليهم السلطة وأحزابها، حتى عجزت هذه السلطة عن إرضاء شعبها، فسلطت عليهم حزب الله يعيث في ساحات الثورة فسادًا وفوضى.

سألت "إيلاف" القارئ العربي: "إلى أي نسبة تعتقد أن انتفاضة الشعب اللبناني ستحقق أهدافها؟".

شارك في هذا الاستفتاء 471 قارئًا، وأتت النتائج على الشكل الأتي: 78 قارئًا (17 في المئة) يظنون أن نسبة تحقيق الأهداف ستصل إلى 100 في المئة؛ 108 قراء (23 في المئة) يظنونها ستبلغ 75 في المئة؛ 108 قرّاء&(23 في المئة) يظنونها ستصل إلى 50 في المئة؛ و177 قارئًا (37 في المئة) يظنونها ستبلغ 25 في المئة.
&
التدريجية ضرورية
ربما تختلف النسب، لكن لا شك في أن هذه الثورة ستحقق أهدافًا رفعتها لمصلحة الشعب اللبناني بكل أطيافه. ترى الإعلامية راغدة درغام، رئيسة "بيروت إنستيتيوت"، في مقالة لها نشرتها "إيلاف" أنه من الضروري للثورة اللبنانية أن تتبنى استراتيجية مضادة قوامها منع انهيار الدولة مع الإصرار على إصلاحات حكوميّة واجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة فوريّة وتدريجيّة جدّيّة ومُلزِمة، ومن المفيد لها تبنّي تكتيك "خذ وطالب" من أجل صيانة إنجازات الحراك الآنية وتتويجها نمطيًّا بمحاسبات ومحاكمات.

تضيف أن الأهم الآن هو الثبات على مسيرة الاحتجاجات وحمايتها من مشاريع تحويل العرس الوطني إلى حرب شوارع والوقوع في فخ الاستفزاز، بما يؤدي إلى تمزيق هذه الثورة، وتحويل التظاهرات الواعية والراقية إلى غوغائية شعبوية خطيرة. فحقن الناس في ظل الانهيار قد يؤدي إلى الفلتان والهجوم على البيوت والمؤسسات. وهذا ما يجب ألا يحصل. فإذا اقتضت المصلحة الموافقة على حكومة تكنوقراط يشكّلها سعد الحريري تتضمن شخصيات مقبولة لدى الشعب، فهذا ليس تنازلًا استراتيجيًا، إنما موافقة تكتيكية ضمن استراتيجية منع الانهيار الكامل والعمل على تقوية الدولة على حساب مشاريع تدميرها.

برأيها، التدريجية ضرورية. وأولى المحطّات، بعدما حققت هذه الثورة إنجازات تاريخية بانقلابها على حكومة "التسوية" هي التركيز على تهدئة وضع الاقتصاد، كي يتمكّن من أن يتحمّل صدمات سياسية. هذا لا يعني الكفّ عن الإصرار على مطالب أساسية أخرى، مثل إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون جديد وتحضير ملفات الفاسدين من أجل محاكمتهم واستعادة الأموال التي نهبوها.

التغيير الشامل
يرد وليد فارس، أمين عام المجموعة الأطلسية النيابية في العاصمة الأميركية واشنطن، في مقالة له في "إندبندنت عربية" إلى ثورة الأرز الأولى في عام 2005 التي استمرت يومًا واحدًا وأخرجت الجيش السوري بعد شهر، ليقول إن هذه الثورة مستمرة منذ أيام، "ورفضت ورقة إصلاحات رئيس الحكومة سعد الحريري، وما زالت تطالب باستقالة رئيس الجمهورية، ومجلس النواب والحكومة. ما يعني أنها تصحح أخطاء ثورة 2005، وهذا ما يدفع إلى القول إن ما يحدث إما أن تكون ثورة كاملة تعمل على إقامة سلطة جديدة، أو تظاهرة عابرة تنتج تغييرًا حكوميًا، لكن يبدو حتى الآن أن عمق المجتمع المدني اتخذ قرارًا باتجاه التغيير الشامل".

يقول فارس إن الموقف الأميركي تميّز ببيان صادر من الخارجية أوضح فيه أنه يدعم حرية التعبير والتحرك للبنانيين، وتعهد بأن يدافع عن هذا الحق، ما يعطى الشعب اللبناني حقًا مشروعًا في الاعتراض والتظاهر من دون حدود، "وهذه رسالة غير مباشرة إلى المؤسسات اللبنانية، وأهمها الشريك الفعلي لواشنطن المتمثل في الجيش اللبناني وقيادته لتحمل مسؤوليتهم في هذا الحراك، ومن المتوقع أن يتطور الموقف الأميركي مع تطور وصمود هذه الثورة فإذا استمرت موحدة حاسمة ومكنت نفسها عبر بناء تنظيم داخلي لا يسمح باختراقها، فذلك سيحوّلها إلى جسم بحجم ثورات أوروبا الشرقية في بولندا وتشيكوسلوفاكيا قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، وحركة تغيير كبرى لم يشهد لبنان لها مثيلًا منذ استقلاله".

كي لا يفنى لبنان
في الصحيفة نفسها، كتب المفكر اللبناني مشير باسيل أن الثورة اللبنانية لا يمكنها أن تحقق في غضون أسبوع جميع أهدافها. يقول: "إذا كان الباعث على الثورة الجوع والظلم والقرف من الطبقة السياسية، كان لا بد في المرحلة الأولى من تغيير المسؤولين المباشرين في الحكومة حتى يأتي آخرون يختارهم الشعب الثائر ليحققوا له العدالة المرجوة. لذلك ينبغي التفكير الجدي في وسيلة التعبير الرسمي عن الثورة، ولكن من غير أن يخضع هذا التعبير لآليات الاستغلال السياسي".

في غياب المرجعية الشعبية الجامعة في الثورة، اقترح باسيل أن تعلن التجمعات الشعبية في كل منطقة عن أسماء المرشحين النزيهين الذين يثق الشعب فيهم كي يؤلفوا الحكومة الشعبية الإنقاذية. وبما أن المنطق التاريخي وطبيعة التركيبة اللبنانية والتوازن الطائفي الهش هي عوائق بنيوية تمنع على الثورة في هيئتها السلمية الراقية أن تغيّر النظام برمته دفعة واحدة، اقترح باسيل أن يؤلف رئيس الوزراء الحالي حكومة إنقاذ شعبي من الذين ثبتت أسماؤهم في ساحات النضال من بعدما&أخضعها الشعب الثائر لحسه النقدي العفوي الصائب. عندئذ تلتئم الحكومة الشعبية حول الوزير الأول، والكلمة الفصل لوزراء الشعب، وتباشر تنفيذ الخطة الإصلاحية التي يتداولها الناس.

بحسبه، في غضون الأشهر&الستة الأولى، يواكب الشعب الثائر أداء الحكومة الشعبية ويحاسبها. وتعمد الحكومة إلى الإعداد لانتخابات نيابية مبكرة.

يختم: "موازين القوى القائمة لا تسمح للثورة الشعبية بأن تحتل كل مراكز السلطة دفعة واحدة، ولا تسمح للسلطة السياسية بأن تقضي على الثورة دفعة واحدة، ولا تسمح للأحزاب السياسية أن تستغل الثورة والسلطة معًا من أجل مآربها". لذلك، ينصح الجميع بالتسوية العاقلة الآنية حتى لا تفنى الثورة، ولا يفنى الشعب، ولا يفنى لبنان.
&