بيروت: بدأت الحياة في لبنان تعود إلى طبيعتها تدريجياً الأربعاء بعدما فتح المتظاهرون الطرقات، غداة إعلان رئيس الوزراء سعد الحريري استقالة حكومته بعد 13 يوماً من احتجاجات شعبية غير مسبوقة عمّت كافة المناطق اللبنانية.&

ورغم ذلك، شدّد بعض المحتجّين على أن الاستقالة لا تكفي ليخرجوا من الشارع، وذلك في ظلّ غموض يحيط بكيفية الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية وحول شكل الحكومة المقبلة، وسط دعوات إلى أن تكون حكومة اختصاصيين. &

ومن الناحية الدستورية، تدخل الحكومة الحالية مرحلة تصريف الأعمال، على أن تبدأ استشارات نيابية لتكليف شخص جديد تشكيل حكومة جديدة.

ومن المقرر أن يوجه رئيس الجمهورية ميشال عون "رسالة إلى اللبنانيين عند الساعة الثامنة من مساء" الخميس "لمناسبة الذكرى الثالثة لتوليه سلطاته الدستورية، يتناول فيها التطورات الراهنة"، وفق ما أعلنت الرئاسة.&

وعلى الأرض، استجاب بعض المعتصمين لدعوة قيادة الجيش الأربعاء إلى فتح الطرقات، فيما فتح الجيش الطريق السريع في محلّة جل الديب عبر إزالة الخيم وأغراض المحتجّين، وفق ما أفاد صحافي في وكالة فرانس برس.&

ومعظم الطرقات التي كانت قطعت هي طرق رئيسية تربط مناطق في شمال وجنوب لبنان بالعاصمة. ولجأ المعتصمون إلى هذه الطريقة في الاحتجاج لزيادة الضغط على السلطة للاستجابة إلى مطالبهم، لكنها أثارت استياء البعض.

وعلى جسر الرينغ الذي يصل غرب بيروت بشرقها، رفضت مجموعة من المتظاهرين فتح الطريق رغم مفاوضات مع قوى الأمن. لكن مجموعة أخرى نجحت بإقناعهم وفُتحت الطريق أخيراً.

وقال ناجي (31 عاماً)، وهو أحد المعتصمين على الجسر، "قررنا البقاء على أطراف الطريق (...) لنكون جاهزين للتحرك فوراً إزاء أي قرارات سياسية والتوجه إلى وسط الطريق من جديد".&

وفي منطقة الجية في جنوب لبنان، اصطدم متظاهرون بعد الظهر مع عناصر من الجيش كانوا يحاولون فتح الطريق السريع الذي يصل مدينة صيدا ببيروت.&

عودة الحياة إلى طبيعتها

وبالإضافة إلى فتح الطرقات، أعلنت المصارف والمدارس والجامعة الرسمية عن نيتها فتح أبوابها في الأيام القادمة، بعد أكثر من 10 أيام من الإغلاق.&

وأعلنت جمعية مصارف لبنان، أن المصارف ستستأنف "العمل الطبيعي ابتداء من يوم الجمعة" القادم.

وقال بدوره رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد ايوب في بيان، إن التدريس في الجامعة سوف يُستأنف يوم الخميس.&

ودعا وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال أكرم شهيب "جميع المدارس والثانويات والمعاهد الرسمية والخاصة والجامعات، إلى استئناف التدريس" صباح الخميس "وتكثيف الدروس والتمديد في خلال العطلة الأسبوعية حيث تدعو الحاجة".

وبدت بيروت الأربعاء مختلفة عن الأسبوعين الماضيين، إذ شهدت حركة سير ناشطة وإعادة فتح محلات تجارية.

وأوقفت كذلك وسائل الإعلام المحلي خلال النهار بثها المباشر للتظاهرات الذي تواصل على مدى الأسبوعين الماضيين.&

وقال شربل (26 عاماً)، وهو متظاهر في ساحة الشهداء، إن "الاستقالة ليست كافية لنخرج من الشارع، لكن تكفي لنعيد فتح الطرقات"، مشدداً على ضرورة "مواصلة الضغط".

وفيما قد تختلف المطالب بين منطقة وأخرى وأحياناً بين شخص وآخر، إلا أن معظم المتظاهرين يرون أن المرحلة المقبلة يجب أن تتضمن أولاً تشكيل حكومة اختصاصيين وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وإقرار قوانين استعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد.&

حكومة خالية "من الحرس القديم"

مطلع الأسبوع الماضي، أعلن الحريري ورقة إصلاحات اقتصادية في محاولة لامتصاص غضب الشارع.&

لكنّ المتظاهرين اعتبروا أن ورقة الاصلاحات جاءت متأخرة ولا تلبي طموحاتهم وواصلوا قطع الطرق والمطالبة برحيل كافة مكونات الطبقة السياسية.&

وغداة الاستقالة، بدت معالم المرحلة المقبلة غامضة تماماً في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعيشها البلاد.&

وبعدما طلبت رئاسة الجمهورية الأربعاء من الحكومة "الاستمرار في تصريف الأعمال" إلى حين تشكيل حكومة جديدة، قال الرئيس ميشال عون خلال لقائه وفداً من الرابطة المارونية إنه" ستكون للبنان حكومة نظيفة"، وفق حساب الرئاسة على تويتر.&

ورأى عون أن "الحراك الذي حصل فتح الباب أمام الإصلاح الكبير، واذا ما برزت عوائق أمامنا، فالشعب يعود من جديد إلى الساحات".

من جهته طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري "الإسراع في تشكيل الحكومة وأبدى خشية من الضغوطات"، وفق ما أعلن النائب علي بزي المنتمي إلى كتلة حركة أمل في مجلس النواب، بدون أن يضيف مزيداً من التفاصيل. &

ورأى مدير ملف لبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو ويمان أن الوقت غير متاح الآن "للألاعيب السياسية القديمة"، بسبب "ضغط الشارع" و"الخشية من انهيار اقتصادي".&

واعتبر أن هذا الأمر سيفرض "تشكيل حكومة سريعاً"، مؤلفة من اختصاصيين، وخالية "من الحرس القديم".

على الصعيد الدولي، شدد رؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي في لبنان في بيان على "ضرورة تشكيل حكومة جديدة بدون تأخير، وأن يتم تطبيق إصلاحات هيكلية". &

واعتبرت السفارة البريطانية في بيروت الأربعاء أن "لبنان يحتاج إلى حكومة قادرة وبشكل عاجل على تقديم إصلاحات حيوية وضرورية لإنشاء بلد أفضل للجميع".

وأعلن مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي الأربعاء أنّ للمتظاهرين في العراق ولبنان مطالب "محقة"، ولكنّه دعا إلى التحرك "ضمن الهيكليات والأطر القانونية".