بعد الاحتجاجات الشعبية في لبنان رفضًا للأوضاع الاقتصادية والمعيشية ومع إسقاط الحكومة اللبنانية والمطالبة بتشكيل أخرى من التكنوقراط، طالب المعتصمون باستعادة الأموال المنهوبة ورفع السريّة المصرفية عن حسابات النواب والوزراء.

بيروت: بعد الاحتجاجات الشعبية في لبنان رفضًا للأوضاع الاقتصادية والمعيشية ومع إسقاط الحكومة اللبنانية والمطالبة بتشكيل أخرى من التكنوقراط، طالب المعتصمون باستعادة الأموال المنهوبة ورفع السريّة المصرفية عن حسابات النواب والوزراء من ضمن الدعوات لوقف الهدر ومحاربة الفساد.

وفي سياق المطالبة برفع السرية المصرفية، طالب المحتجّون في الشارع اللبناني بملاحقة حسابات النواب والوزراء والرؤساء في مصارف خارج لبنان، منها سويسرا ورفع السريّة المصرفية عنها.

وانطلاقًا من هذه الدعوات، قام بعض نواب التيار الوطني الحر برفع السرية المصرفية عن حساباتهم، استمالة منهم لجمهور قد لا يعرف الكثير عن هذه الخطوة إذا جاءت منقوصة وغير مكتملة، واطمئنانًا منهم بأنه لن يستطيع العثور على ما يدينهم.

وقد يجهل البعض ان رفع السرية المصرفية عن حسابات شخص محدد سيمكّن الجمهور من الاطلاع على الحسابات الخاصة به فقط، وسيخفي بالمقابل الحسابات المشتركة المنشأة خفاءً مع أحد افراد عائلته او شركائه او حتى الحسابات المصرفية الخارجية الخاصة به وبهؤلاء الآخرين.

جذب رؤوس الأموال

ويؤكد الخبير المصرفي مروان سماحة لـ"إيلاف" أن لبنان اعتمد السرية المصرفية اعتبارًا من العام 1956 وكان لذلك أثر كبير في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الإستقرار الإقتصادي.

أما ما هو مفهوم السرية المصرفية وكيف تطبق الأحكام المتعلقة بها، وهل ما زالت اليوم ملائمة لتحقيق الغاية التي وضعت لأجلها؟

مفهوم السرية المصرفية

يرى سماحة أن السر المصرفي يندرج بمعناه الواسع في إطار سر المهنة، وتحديدًا الموجب الملقى على عاتق المصرف بعدم افشاء الأسرار المصرفية المتعلقة بزبائنه والتي آلت إليه بحكم وظيفته أو بمعرض قيامه بهذه الوظيفة، وهذا الموجب فرضته نصوص عامة، كنص المادة 579 من قانون العقوبات اللبناني.

أما السرية المصرفية بمعناها الضيق فهي الموجب الملقى على عاتق المصرف بعدم افشاء الأسرار التي حازها بفعل وظيفته، ولكن بموجب نصوص قانونية صريحة تفرض التكتم وتعاقب الإفشاء.

وتفرض الأنظمة المصرفية المعتمدة في مختلف الدول، السرية على العمل المصرفي، ولكن بدرجات متفاوتة، كما تحرص البنوك على عدم تقديم المعلومات عن العملاء إلا لمن تحددهم القوانين، وذلك انطلاقًا من الحرص على حماية الحق الشخصي للعميل الذي يخشى المزاحمة القائمة في حقل الصناعة أو التجارة واطلاع منافسيه على حقيقة أموره، هذا بالإضافة إلى مصلحة المصرف نفسه في الإحتفاظ بسرية اعماله عن غيره من المصارف الأخرى التي تنافسه محليًا وعالميًا.

إيجابيات

ويضيف سماحة:" كما أن السرية المصرفية تساهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وتدعم الثقة بالإقتصاد القومي وبالجهاز المصرفي، وتشجع الإستثمار، وتوفر الثـقـة بالإئتمان المصرفي، مما ينعكس ايجابًا على مناخ الإستقرار الإقتصادي.&

وعلى الرغم من الإيجابيات المرتبطة بسرية الحسابات المصرفية، هناك آراء معارضة لنظام السرية المصرفية لأسباب كثيرة كالتستر على الأموال القذرة.

السرية المصرفية في لبنان

ويشرح سماحة عن أن لبنان اعتمد السرية المصرفية بموجب القانون الصادر بتاريخ 3 سبتمبر 1956، مع وجود المادة 579 من قانون العقوبات التي تعاقب على افشاء الأسرار من قبل الأفراد الذين يعلمون بها بحكم وضعهم أو وظيفتهم، أو مهنتهم أو فنهم، من دون أن يكون هناك سبب شرعي أو استعمال لمنفعة خاصة أو لمنفعة أخرى.

وقد أُطلق على لبنان تسمية سويسرا الشرق، من خلال مقارنته أو مقاربته لسويسرا في كونه ملجأ للأموال الخارجية الهاربة، ومن خلال اعتماده قانونًا للسرية المصرفية، متوخيًا منها دوافع اقتصادية تهدف إلى جذب رؤوس الأموال، لتعزيز الوضع الإقتصادي في البلاد، وحفظ سيادتها واستقلالها.

حالات رفع السرية المصرفية

وبموجب قانون 3 سبتمبر 1956، تلتزم المصارف الخاضعة لأحكامه السرية المطلقة، إذ لا يجوز كشف السر المصرفي سواء في مواجهة الجهات الخاصة أو السلطات العامة، وسواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في حالات معينة في القانون ومنها اليوم رفع السرية المصرفية عن حسابات السياسيين، وهي تبقى غير كافية لأنه كما ذكرنا يمكن للسياسي أن يضع أمواله في حسابات مشتركة مع أسماء أخرى قريبة منه.

استفادة

ويضيف سماحة "لقد استفاد لبنان من اعتماد السرية المصرفية في ظل الظروف السياسية والإقتصادية التي كانت سائدة العام 1956، أي تاريخ اعتماد لبنان السرية المصرفية، والتي ساهمت في جذب رؤوس الأموال الأجنبية وبخاصة الخليجية، وبات عليه اليوم أن يطور هذه السياسة وفق المتغيرات التي طرأت في الداخل والخارج، وأدت إلى نشوء انماط جديدة في المناهج الإقتصادية الدولية ومن بينها توزيع الثروات الطبيعية وبرامج التنمية والقروض والمساعدات المالية، والتعاون الدولي لمكافحة الأعمال الإرهابية ومظاهر الإستغلال والتحكم والإبتزاز والسياسة التشريعية المرنة، ومثل هذه الإعتبارات تجعل حركة رؤوس الأموال تعود إلى لبنان بصورة كبيرة في حال توافرت تدابير ملائمة وواضحة تنسجم مع مجالها الحيوي، ولا جدوى من ملاحقة المجرمين الصغار إذا تعذر ضرب منظمات الإجرام وتجار المخدرات، وبالتالي، لا بد من تمكين المحققين من بلوغ المصارف للحصول على براهين، لمنع المجرمين من ايداع اموالهم فيها من دون أن يزعجهم أحد.