على الرغم من الإنفلات الأمني المصاحب لتظاهرات العراق، وعلى الرغم من أن من دون إصلاح المطلوب عوائق كثيرة، تستمر هذه التظاهرات وتتصاعد يوميًا، ويبدو أنها ستؤدي فعليًا إلى سقوط حكومة عادل عبد المهدي.

إيلاف من بيروت: التظاهرات في العراق مستمرة، وتتمدد إلى مدن عراقية جديدة في كل يوم، في ما يظهر كأنها ثورة عارمة ترفدها قوى سياسية مختلفة المشارب، تلتقي على ضرورة تغيير النظام السياسي القائم بأحزابه وتشريعاته، وعلى ضرورة استبعاد الفواعل الخارجية المؤثرة في العراق، وفي مقدمها إيران.

استجاب لسؤال استفتاء "إيلاف" الأسبوعي عمّا ستقود إليه تظاهرات العراق 342 قارئًا، فقال 144 منهم إنها ستؤدي إلى استقالة الحكومة (بنسبة 41 في المئة)، وقال 111 منهم إنها ستؤدي إلى انفلات أمني (بنسبة 34 في المئة)، فيما قال 87 منهم إنها ستؤدي إلى إصلاح سياسي (بنسبة 25 في المئة).

مستعد.. ولكن
في 31 أكتوبر الماضي، قال الرئيس العراقي برهم صالح إن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وافق على تقديم استقالته، "إذا اتفقت الكتل على بديل مقبول من أجل الالتزام بالأطر الدستورية والقانونية وتجنب الفراغ".

وبحسب "بي بي سي"، يبدو أن عبد المهدي فقد دعم رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، زعيم تكتل "سائرون"، أكبر كتلة في مجلس النواب، وهادي العامري زعيم تحالف "الفتح" ثاني أكبر تكتل في المجلس، وهو الآتي إلى رئاسة الحكومة نتيجة اتفاقهما.

كما نسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى مصدر في الحكومة قوله إن صالح بحث مع رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي والعامري الثلاثاء إقالة عبد المهدي، خصوصًا أن مجلس النواب استدعى عبد المهدي لاستجوابه، وسط تكهنات بأنه ربما يواجه تصويتًا بسحب الثقة. فطلب الصدر من العامري الثلاثاء المساعدة على تنسيق اقتراح بالتصويت لسحب الثقة من عبد المهدي.

وغرّد على تويتر مطالبًا رئيس الوزراء بالاستقالة. لكن عبد المهدي قرن حضوره للبرلمان باتباع السياقات القانونية كأن يجمع 25 نائبًا تواقيعهم ويقدمونها إلى رئاسة البرلمان من أجل استدعاء رئيس الوزراء. لكن هذه السياقات تتطلب وقتًا، وهي مشرعة للظروف الطبيعية، وليست الطارئة كما يجري اليوم. فزاد تضارب التفسيرات من غضب المتظاهرين.

هكذا، ستؤدي التظاهرات في العراق حكمًا إلى استقالة الحكومة، وتأليف حكومة جديدة، تستجيب لتطلعات الشعب. لكنّ المتظاهرين يطالبون بحل مجلس النواب أيضًا والدعوة إلى انتخابات مبكرة لا تشارك فيها الأحزاب الحالية، وتغيير الدستور.

انفلات أمني
لا شك في أن انفلاتًا أمنيًا واكب التظاهرات العراقية، وهذا غير مستغرب أبدًا، وسط هياج شعبي قام يطالب بمطالب معيشية، تمنعه منها تدخلات أجنبية، خصوصًا تدخلات إيران وأتباعها في العراق.&

تقول مفوضية حقوق الإنسان العراقية إن عدد ضحايا الاحتجاجات على الحكومة في الأسبوع الأخير بلغ 100 قتيل على الأقل، و5500 جريح.

كما تفيد تقارير من بغداد بأن قوات الأمن واجهت المتظاهرين بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، عندما حاولوا دخول المنطقة الخضراء شديدة الحراسة، حيث مقار السفارات الأجنبية ومباني الحكومة، خصوصًا أن المحتجين يحاولون الوصول إلى سفارة إيران، التي يحمّلونها مسؤولية إغراق التظاهرات المطلبية بالدم وحرف الانتفاضة العراقية عن مسارها المطلبي المحدد بالقضاء على الفساد ومواجهة البطالة، والدعوة إلى رحيل الحكومة، في ضوء تقارير أممية تقول إن عدد الضحايا الذين قتلوا أو أصيبوا منذ بدء الاحتجاجات في الأول من أكتوبر الماضي بلغ 257 قتيلًا، وأكثر من 10000 جريح، معظمهم من المدنيين، إما قتلوا بالرصاص وإما اختنقوا بالغاز، أو تعرّضوا لإصابات بالغة بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع.

إصلاح ممكن؟
أكد الحلبوسي السبت العمل بشكل مكثف ومتواصل من أجل الشعب ومطالبه من دون ضغط خارجي، ومن دون فرض إرادات شخصية أو حزبية، لما فيه مصلحة العراقيين، والعمل على إجراء تعديلات دستورية بمشاركة ممثلين عن المتظاهرين، مشددًا على ضرورة إجراء كل التعديلات الدستورية بالشراكة مع ممثلين عن المتظاهرين والنخب والخبراء والأكاديميين المحترمين.&

إلا أن المتظاهرين عبّروا عن إصرارهم على المضي قدمًا في مطالبهم برحيل الطبقة السياسية التي أدارت البلاد طوال السنوات 16 عامًا، لفشلها في تثبيت ركائز الدولة.

إن الإصلاح في العراق دونه الكثير من العوائق، يذكر فاتح عبد السلام في مقالة له في صحيفة "الرؤية" الإماراتية منها اثنين:&
العائق الأول، فوضى الحياة السياسية القائمة على المحاصصة، وتحوّل الدولة إلى إقطاعيات سياسية لا يخلو معظمها من السلاح الخاص بها، باتت أقوى من الدولة.

العائق الثاني، اعتماد العراق على حقيقة خادعة، هي كونه مودَعًا في حاضنة الاحتلال الأميركي، الذي كان من حيث القانون الدولي متكفلًا تصريف شؤون البلد في كل شيء استراتيجي. بعد خروج الأميركيين ازداد التناحر السياسي الطائفي والعرقي، ولم يجلس هؤلاء المتناحرون ليضعوا خطة لإدامة الحياة الاقتصادية والمالية في البلد الذي يشكل النفط المصدر الوحيد لدخله.

الواقع العراقي تغيّر، فالمرأة العراقية نزلت إلى الشارع تسابق الرجل في المطالبة بالحقوق بعدما كانت حبيسة نظرة الرجل المؤطرة بنصائح رجال الدين المتطرفين، الذين لم يعد لهم حضور يذكر في عراق ما بعد الأول من أكتوبر 2019، كما يؤكد متابعون عراقيون.
&