أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي تغييرات جوهرية في حياتنا اليومية والواقعية، فبدأنا نشهد تأثيرها الكبير في هندسة المجتمع وتوجهات الناس والتلاعب بعقولنا ووعينا، ما يثير تساؤلات حول كونها البيئة الملائمة لولادة الدكتاتوريات الجديدة.

"إيلاف" من بيروت: أدلى بوب إيغر، الرئيس التنفيذي لشركة ديزني، بتصريحات أخيرة انتقد فيها دور وسائل التواصل الاجتماعي، وشبهها بأداة لو كانت موجودة منذ عقود لكان هتلر استخدمها، ومن الممكن أن يستفيد منها اليوم ديكتاتوريون محتملون.

ينضم إيغر إلى مجموعة متزايدة من الأصوات التي تدين الدور الحالي الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا ومجتمعاتنا، وركز خطابه على تدهور قيمنا المدنية وفقدان الفكر الفردي والجو البغيض الذي ينتشر في بنية منصات التواصل الاجتماعي الرقمية.&

مشكلة كبيرة

تتمحور تعليقات إيغر المتعلقة بالكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي حول مشكلة أكبر مستوطنة على الشبكات الاجتماعية لا يدركها سوى القليل من الناس، وهي امتلاك الحشود على الإنترنت قوة أساسية غير واعية تمكنهم من المضي قدمًا في جداول الأعمال الباهتة، مهما كانت.

في نقده، أشار إيغر إلى الزعيم النازي أدولف هتلر الذي كان يعرف كيف يغتنم الفرص للتلاعب بعقول الجماهير. وفي حين أن مؤيدي نشاط وسائل التواصل الاجتماعي ربما يجادلون للدفاع بالقول إن شخصية مثل هتلر لم تستطع اكتساب قوة في هذا العالم الجديد، وإن هذه الشبكات الاجتماعية تشجع على تنوع الرأي، وتعطي صوتًا للمهمشين، وتكشف عن وجهات نظر مختلفة للعالم، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك.

مخاطر جم

بدأنا ندرك أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست حلًا سحريًا لتشجيع التفكير المنطقي، أو الانخراط في أي نوع من الخطاب الجاد أو تنوير الجمهور.

يوضح إيغر هذه النقطة قائلًا: "تخلق وسائل التواصل الاجتماعي شعورًا كاذبًا بأن الجميع يتشاركون الرأي نفسه. وهي تسمح للشر بأن يفترس العقول المضطربة والأرواح المفقودة، ونعلم جميعًا أن قنوات الأخبار الاجتماعية يمكن أن تعتمد على الخيال أكثر من الواقع، الأمر الذي قد ينشر أيديولوجيا حقيرة لا مكان لها في المجتمع المدني الذي يقدر الحياة البشرية".

لا يُعد إيغر الوحيد الذي يدق ناقوس الخطر؛ إذ يقول جوناثان أ. غرينبلات، الرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير، إن شركات التواصل الاجتماعي سمحت للمتطرفين بنقل رسالتهم ومكنتهم من ذلك. في الماضي، لم يتمكن هؤلاء من العثور على جماهير لنشر أفكارهم المسمومة. والآن، بنقرة أو منشور أو تغريدة، يمكنهم نشر أفكارهم بسرعة لم نشهدها من قبل.

ما نعيشه اليوم هو حالة دائمة من عقلية الحشود المقترنة بتلك القوة المغرية المتمثلة في عدم الكشف عن الهوية لإثارة كل ما يدور في العقول من هراء. لا يتسبب هذا الأمر بالكراهية التي كان يتحدث عنها إيغر فحسب، لكنه يؤدي أيضًا إلى عقلية غوغاء تطغى على أي نكهة سردية ثقافية.

سيكولوجية الجماهير

من أجل الحصول على فهم أفضل لهذه الظاهرة، علينا أولًا أن نعود إلى الوراء لنستذكر عالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لو بون ونظرياته في سيكولوجية الجماهير.

قدم لوبون نظرة ثاقبة ورائعة، وتمكن من فهم العقلية الغريبة التي يمكنها السيطرة على مجموعة كاملة من الأشخاص، وتغيير طبيعة جماعتهم تمامًا، بصرف النظر عن القواعد النفسية الخاصة بكل فرد. هذا النوع من التغيير مكرر في الطريقة التي يتفاعل بها كثير من الناس اليوم مع الآخرين عبر الإنترنت.

قال المؤلف كارستن ستايج إن الحشد تحول الآن من كيان يقيم في موقع مكاني معين إلى كيان مؤلف من سلسلة من الكيانات الأكثر مرونة وقابلية للتكيف والتحرك، فلم يعد ممكنًا تمييز أفكار الأفراد والجمهور بعضها عن بعض.

يمكننا القول في النهاية إن الكشف عن الديناميات المتأصلة في علم نفس الجماهير وتأثيره في تفاعلات الوسائط الاجتماعية عبر الإنترنت يُعد مجرد خطوة أولى في فهم مخاطر الوسائط الاجتماعية عند استخدامها أداة للتوافق مع الكراهية أو عدم التفكير.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "بيغ ثينك". الأصل منشور على الرابط التالي:
&https://bigthink.com/politics-current-affairs/dictators-social-media?rebelltitem=3#rebelltitem3