بغداد: تفقد نائب الرئيس الأميركي مايك بنس السبت قوات بلاده في العراق دون أن يلتقي أيا من المسؤولين الرسميين في بغداد، في زيارة تأتي في خضم احتجاجات ضد الطبقة السياسية، طالت أيضا إيران صاحبة النفوذ في بلاد الرافدين، والتزمت واشنطن الصمت حيالها بشكل كبير.

أدت التظاهرات المتواصلة في بغداد ومناطق عدة في جنوب البلاد، الى مقتل نحو 350 شخصا منذ اندلاعها في الأول من تشرين الأول/أكتوبر. وسقط آخر هؤلاء السبت في مواجهات مع قوات الأمن في بغداد.

وفي زيارته الأولى للعراق، تفقد بنس قوات بلاده في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، غرب البلاد، بحسب ما أفاد مصدر أمني وكالة فرانس برس.

وكرر بنس، أعلى مسؤول أميركي على هذا المستوى يزور بلاد الرافدين منذ زيارة دونالد ترمب في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2018، ما قام به الرئيس الأميركي بأن أدى زيارة قصيرة دون لقاء أي مسؤول محلي.

وأكد مسؤولان عراقيان أن بنس تواصل هاتفيا مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وأفاد أحدهما فرانس برس "لن يكون ثمة اجتماع (بين المسؤولين) طالما أنهما تواصلا هاتفيا (...) رئيس الوزراء لن يذهب الى الأنبار".

من جهته، أكد مكتب الرئيس العراقي برهم صالح أنه لم يكن مطلعا بشكل مسبق على الزيارة، وأنه ليس مقرراً عقد اجتماع بين الطرفين.

ونشر بنس عبر "تويتر" صورا له برفقة زوجته وجنود أميركيين خلال الزيارة التي تأتي قبل أيام من احتفال الأميركيين بعيد الشكر. وأرفق نائب الرئيس الأميركي تغريدته بتعليق "عيد شكر سعيد من العراق".

وسبق لزيارة ترمب أن أثارت جدلا لعدم لقائه أي مسؤول عراقي.

وتأتي الزيارة في خضم التظاهرات التي تعم بغداد والعديد من مناطق جنوب البلاد منذ نحو شهرين، والتي شهدت توجيه العديد من المتظاهرين انتقادات واسعة لإيران على خلفية نفوذها الواسع في السياسة العراقية، ودعمها العديد من الفصائل المسلحة.

"غير مرحب به في أرض العراق"

والتزمت إدارة الرئيس ترمب الصمت الى حد كبير حيال الاحتجاجات غير المسبوقة ضد نظام ساهمت في إرسائه بعد الإطاحة بحكم صدام حسين في 2003، حيث نشرت عشرات آلاف الجنود في البلاد وواكبت المرحلة الانتقالية. وقامت الولايات المتحدة بعد الغزو بحل غالبية أجهزة الدولة وإعادة بنائها بشكل فعال، حيث وصلت الى الحكم طبقة جديدة من النخب السياسية التي أقامت معها صلات شخصية وثيقة.

كما شرعت ببناء جيش جديد ونشر أكثر من 170 الف جندي في العراق في ذروة تواجدها العسكري قبل الانسحاب في عام 2011.

ومنذ ذلك الحين، لعبت القوات الأميركية دورا حاسما في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مساحات واسعة من البلاد في العام 2014، قبل إعلان "النصر" النهائي عليه في أواخر العام 2017.

ولا يزال 5200 عنصر منها متواجدين في قواعد في العراق، في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي تقوده واشنطن. كما يعمل هؤلاء في مجال التدريب وتقديم الاستشارة للقوات العراقية.

وقال مسؤول عراقي بارز طلب عدم الكشف عن هويته في تصريحات سابقة لفرانس برس، إن "الفجوة بين العراق وأميركا لم تكن كبيرة على الإطلاق مثلما وصلت اليه الآن، ولا تزال تزداد حجما".

كما تأتي زيارة بنس بعد أيام من كشف صحيفة "نيويورك تايمز" وموقع "ذي إنترسبت" الإلكتروني الاثنين، عن مئات التقارير الاستخباراتية الإيرانية المسرّبة التي تظهر عمق نفوذ طهران في العراق.&

وسبق للولايات المتحدة أن أعلنت، عبر بنس، فرض عقوبات على قياديين في فصائل عراقية مسلحة مقربة من إيران، بينهم ريان الكلداني الأمين العام لكتائب "بابليون". وعلق الأخير على زيارة بنس بالقول عبر حسابه على "تويتر"، "لنائب الرئيس الأميركي الذي وصل خلسة الى العراق (...) شعبنا الذي طرد احتلالكم بدمه، لا يريد مستقبلا يرسمه من قتل وشرّد وسرق. #غير مرحب بك في أرض العراق".

قتيل في بغداد وجرحى في كربلاء

والسبت، تواصلت المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين في مناطق مختلفة من العراق، لاسيما في بغداد حيث أفادت مصادر طبية عن "مقتل متظاهر برصاص مطاطي على جسر الأحرار"، وإصابة 17 آخرين.

وقضى تسعة أشخاص في مواجهات مماثلة منذ ليل الأربعاء الخميس في العاصمة العراقية، من حصيلة إجمالية تناهز 350 قتيلا منذ بدء الاحتجاجات التي أدت أيضا الى جرح نحو 15 ألف شخص.

وأدت الاحتجاجات الى قطع ثلاثة جسور رئيسية بين شطري بغداد، هي الجمهورية والأحرار والسنك. ويسعى المتظاهرون بشكل متكرر لفك الطوق المفروض من القوات الأمنية على هذه الجسور، والعبور من الرصافة الى الكرخ حيث تقع المنطقة الخضراء التي تضم غالبية المقار الحكومية والعديد من السفارات الأجنبية، وهو ما تقوم قوات الأمن بصده.

وفي مدينة كربلاء الجنوبية، أفادت مصادر طبية عن إصابة 45 شخصا بجروح ليل الجمعة السبت، هم 32 متظاهرا و13 عنصرا من قوات الأمن.

وفي كربلاء أيضا، شيع السبت جثمان فراس عويد حسن الذي عثر عليه مساء الجمعة مقتولا في صندوق سيارته، بحسب مراسل فرانس برس.

وقال شقيقه أسامة إن فراس "قتل بسبب التظاهر"، وأنه فقد ليومين قبل العثور على جثته، وعليها "طعنات السكاكين واضحة على صدره وظهره".

من جهتها، أشارت شرطة كربلاء الى أن مقتل فراس "جنائي مئة بالمئة"، وأنها كلفت فريق عمل "لمعرفة ملابسات هذا الحادث".