يبدو أن الثابت الأكيد في ما يجري اليوم في الشرق الأوسط هو أن الشعبين العراقي واللبناني بثورتيهما يهزان العرش الإيراني، ويهددان بأفول نجم هذا العرش وكسوف مشروعه في المنطقة.

إيلاف من بيروت: بدأت في العراق. اندلعت في لبنان. هذان البلدان يدوران في الفلك الإيراني، وهنا كان مكمن الخطر الأكبر على المشروع الإيراني في المنطقة، خصوصًا أن العراق واقع تحت التأثير الإيراني المباشر من خلال قاسم سليمان، وأن العراق خاضع – حكومة وشعبًا – لهيمنة حسن نصرالله، ذراع إيران الأقوى في المنطقة.

انطلاقًا مما يحدث اليوم في هذين البلدين، ومما حدث أخيرًا في غيران نفسها، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل بدأ العد التنازلي لانهيار المشروع الإيراني في المنطقة؟"

اختار 68% من القراء الذين شاركوا في الاستفتاء الجواب "نعم"، فيما اختار 32% &الجواب "لا".

الصلة ثابتة

أولًا، لمن يقول إن لا صلة لما يجري في لبنان والعراق بالمشروع الإيراني، لأن إيران لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى في المنطقة (للأسف ثمة من لا يزال يصدق هذه الخديعة، نسوق الآتي: قال آية الله أحمد علم الهدى، إمام جامع مدينة مشهد، وعضو مجلس خبراء القيادة: "إيران اليوم ليست فقط إيران، وليست محدودة بالحدود الجغرافية. اليوم الحشد الشعبي في العراق هو إيران، حزب الله في لبنان هو إيران، أنصار الله في اليمن هم إيران، الجبهة الوطنية في سوريا هي إيران، الجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين هما إيران، جميعهم باتوا إيران، لم تعد إيران فقط نحن!»

إلى ذلك، عندما يعلن المتظاهرون في إيران أن الناس لا يريدون دفع المزيد من المال لحزب الله في لبنان، وللجهاد الإسلامي في فلسطين، فهذا يعني أن هاتين المنظمتين تعتاشان من الخبز الإيراني، وبالتالي تأتمران بأمر إيران وتنفذان مشروعها، وقيام الإيرانيين ضدهما هو اللبنة الأولى لمشروع شعبي إيراني مضاد للمشروع الذي ينفذه نظام الملالي في إيران.

هيبة مهزوزة

قال كميل البوشوكة، الناشط الأحوازي والمدير التنفيذي للمركز الخليجي الأوروبي لحقوق الانسان، لـ "إيلاف" إن الاحتجاجات العراقية والإيرانية مهدت لتسريع سقوط نظام طهران، بعد أن وجهت ضربة قاسية لهيبته في المنطقة.

أضاف: "الاحتجاجات الحالية تختلف عن سابقاتها، لأن الناس في إيران بدأوا يرون كيف يحتج العراقيون واللبنانيون ضد النظام في طهران واستطاعوا ضرب سطوته خاصة في العراق، على الرغم من أن إيران لديها العديد من الميليشيات المسلحة التي ترتكب مختلف أشكال جرائم الحرب ضد العراقيين".

يعتقد البوشوكة أن انتفاضة العراق دمرت ما تبقى من هيبة النظام الإيراني، "ما شجع الإيرانيين على تفجير احتجاجاتهم ضد النظام من دون الخوف من سطوته، وهذا يعني أن ثوار العراق استطاعوا ان يصدروا ثورتهم الى عمق إيران وبشكل سبب هزيمة سياسية للنظام الإيراني. وفي اعتقادي أن الثورة في المدن الإيرانية سوف تستمر، والمواطنون المتظاهرون عليهم التعلم من خبرة العراقيين لمواجهة النظام الدموي في إيران".

تطور الوعي

يبدو أن لهذا التطور جانبا متصلا بالوعي. كتب عبد النبي الشعلة في "البلاد" البحرينية أن العرب الشيعة تعزز إدراكهم الآن بأن النظام الإيراني ليس مؤهلًا ولا مخولًا أو قادرًا على حمايتهم والدفاع عنهم، "هذا إذا افترضنا جزافًا أنهم في حاجة إلى حماية أو دفاع، وبأن الدول العربية التي تدخلت فيها إيران لنصرة وحماية الشيعة فيها أصبح وضعهم أكثر صعوبة، ويكفينا أن ننظر الآن لحالهم في العراق كمثال واحد فقط، هذا غير وضع ملايين العرب الشيعة في غيره، دع عنك في إيران نفسها".

أضاف: "بعيدًا عن ادعاء هذا النظام بالقدسية الدينية، وبغض النظر عن حسن نواياه أو سوئها، فإن النظام الحاكم في إيران يبقى نظامًا سياسيًا لا يختلف عن غيره في وضع مصالحه الوطنية والقومية قبل أي شيء وفوق أي اعتبار، ومن يعتقد خلاف ذلك فهو واهم". وهذا الوعي هو مسمار آخر في نعش المشروع الإيراني في المنطقة.&

إلى ذلك، كتب غسان شربل في "الشرق الأوسط" اللندنية أن النظام الإيراني الذي رفض التقاط الرسائل المتضمنة في احتجاجات العراق ولبنان يرفض بصورة قاطعة التقاط الرسائل التي تبعث بها الاحتجاجات الإيرانية، "لذلك سارع المسؤولون الإيرانيون إلى الحديث عن التخريب الموجه من الخارج لتبرير قمع الاحتجاجات. الصعوبات التي تعيشها إيران جدية وفعلية. إنها تهدد اقتصادها وتهدد أيضًا قدرتها على متابعة دورها في الإقليم. يصعب الاعتقاد أنها ستسلم بأن الانتقال من الثورة إلى الدولة حتميّ لتفادي الانهيار أو الصدامات التي لا تنتهي. لهذا يُخشى أن تلجأ إيران إلى الهروب إلى الأمام بافتعال حريق خارجي بعد أن صارت النار في الدار".

لن يستطيعوا

تقول راغدة درغام في مقالة لها في "إيلاف" إن الحرس الثوري بالمرصاد في لبنان، "ليس فقط لأن حزب الله ورقة ثمينة له ولن يستغني عن نفوذه وسيطرته على لبنان تحت أي ظرف كان، بل لأن كبح الانتفاضة الإيرانية سيتطلب قمع انتفاضتي العراق ولبنان".

برأيها، هذا لا يعني أن "الحرس الثوري" سيتمكّن حتمًا من تنفيذ خططه، "والقصد من إبراز ما في ذهن قياداته هو للتنبيه وليس أبداً لزرع الإحباط لدى المنتفضين ضده في إيران والعراق ولبنان. انها معركة وجودية له. وهي أيضاً معركة وجودية لشعوب إيران والعراق ولبنان الذين ينتفضون بتماسك وجرأة وعزم على التغيير. ولذلك، ممنوع الإحباط".

تتابع درغام: "تقدير المصادر الغربية هو أن لا إيران ولا روسيا استوعبتا الحدث في لبنان وأن الوضع اليوم لم يعد يسمح بقمع الثورة اللبنانية على أيادي قوى خارجية. تقديرها هو أن حزب الله لن يتمكن من إلغاء الثورة حتى وان أوفد مليشياته الى بيروت لأن الانتفاضة تجذّرت في الجنوب وفي البقاع. تقول هذه المصادر إن الأرض تتحرك تحت أقدام هؤلاء الناس إشارة الى أهل السلطة، بالذات حزب الله وحلفائه، وان ما يحدث يهدّد تلك النخبة السياسية التي هيمنت على المشهد اللبناني".

إن كان ما يحصل يهددها فعلًا، فهو بالتالي يهدد من يقف وراءها... إيران ومشروعها في المنطقة.

فساد عمال إيران

كتب محمد العسومي في "الاتحاد" الإماراتية أن السبب الرئيسي لقيام الشعبين العراقي واللبناني هو سوء الإدارة والفساد المستشري في أجهزة الدولة والطبقة الحاكمة على وجه الخصوص، "حيث تعمق ذلك بصورة مخيفة في العراق ولبنان، بعد أن استنسخت تجربة الفساد بكل مساوئها ومآسيها، فتضخمت الحسابات المصرفية لكبار المسؤولين، الذين استولوا على أملاك الدولة بصورة بشعة، تشكل جريمة بكل المقاييس، تم ذلك تحت شعارات طائفية مموهة، اكتشفها الشعبان اللبناني والعراقي في الآونة الأخيرة، وهو ما قاد إلى الأحداث التي ما&زالت مستمرة".

يسأل العسومي: "هل يمكن لهذا الضياع للثروات والفرص، الذي تسبب فيه تصدير الفساد بصورة أساسية، أن يمر دون محاسبة؟ لقد ساهم اكتشاف الحقيقة إلى المطالبة بمحاسبة الفاسدين، وعلى رأسهم حزب الدعوة في العراق، وزعيم حزب الله في لبنان حسن نصر الله، المسؤولان مسؤولية مباشرة عن ضياع فرص التنمية وحماية الفاسدين، إضافة إلى مسؤولي الأحزاب والطوائف الأخرى، والذين يحاولون الآن تبرير فسادهم بشتى الطرق، بما في ذلك إلقاء اللوم على الخارج، إلا أن ذلك لم ينطلِ على عامة الناس، مما يؤكد صعوبة خداع كل الناس في كل الأوقات".&

إن انكشاف فساد عمال إيران في العراق ولبنان ساهم بشكل فاعل في تأليب الناس جميعًا ضدهم، ما يشي بتحول هؤلاء العمال من السطوة إلى الضعف، وهذا بذاته عامل إضافي يضعف المشروع الإيراني ويدفعه نحو الكسوف.