كوالالمبور: كان سيد محمد يحتفل سرا بحدث مهم لدى المسلمين الشيعة حين داهم عناصر أمن المكان واعتقلوه، في واحدة من عمليات تفتيش عديدة استهدفت مؤخرا أتباع هذا المذهب في ماليزيا وأثارت مخاوف لدى هذه الأقلية المضطهدة منذ عقود.

أوقفت السلطات عشرات الشيعة في البلد المسلم ذي الغالبية السنية، بما في ذلك أجانب عدة، ما أثار مخاوف من أن السلطات الدينية تصعد حملتها ضد أعضاء الأقلية الدينية التي تواجه التمييز منذ زمن طويل.

يشكّل المسلمون في ماليزيا ستين بالمئة من عدد السكان الإجمالي البالغ 32 مليونا. وتضم البلاد أقليات كبيرة من الهندوس والمسيحين وقد تعايشت جميع هذه الطوائف في شكل كبير.

في سبتمبر الفائت، أوقفت الشرطة والسلطات الدينية ثلاثين مسلما شيعيا في ماليزيا في مداهمات لتجمعات سرية بالتزامن مع إحياء ذكرى عاشوراء.

فيما كان سيد يصلي في مكان مؤجّر في ولاية جوهر في جنوب البلاد، اقتحمت مجموعة من عشرين رجلًا السياج ودخلت إلى المكان.

وقال سيد لوكالة فرانس برس "أثاروا الذعر في نفوس المصلين وبدأ الاطفال والنساء بالبكاء". واضاف "كان هناك أربعة رجال ملثمين (...) أحدهم يحمل سلاحا واتهموني بعدم التعاون وهدّدوني بالاعتداء عليّ".

مناخ من الخوف
تم تكبيل أيدي سيد واحتجز طوال الليل مع سبعة مصلين آخرين بينهم سنغافوري ويمني. وهو يخشى الآن أن يواجه اتهامات امام محكمة إسلامية.

وإذا تمت إدانته، فقد يواجه سيد عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة بموجب قانون إسلامي يجرم ممارسة الشعائر الشيعية في البلاد.

تتبنى ماليزيا نظامًا قانونيًا مزدوجًا، إذ تنظر محاكم إسلامية في بعض المسائل الدينية والأسرية للمواطنين المسلمين. وفي مداهمة أخرى قرب العاصمة كوالالمبور، اعتقلت السلطات زعيم الطائفة كامل زهيري عبد العزيز و21 شيعيا آخرين في مركز يديره فيما تمت مصادرة كتب للصلاة ومكبرات للصوت.

وقال عبد العزيز (53 عاما) لفرانس برس إنّ تلك المداهمات التي تحصل بين الفينة والأخرى منذ العام 2010 "خلقت مناخا من الخوف لدى الطائفة الشيعية". كما فرّق عناصر السلطات الدينية تجمعا خاصا لنحو ستين باكستانيا بعد اقتحامه، لكنهم لم يعتقلوا أحد.

لم تحتجز السلطات أي معتقل في المداهمات الاخيرة لفترة طويلة كما لم يتم توجيه اتهامات رسمية لهم، لكنّهم يخشون أن تكون هذه التكتيكات تهدف إلى جعلهم يخافون الصلاة.

ويشكو الشيعة من أنهم يتعرضون لاضطهاد مستمر في ماليزيا منذ أن أصدرت هيئة إسلامية عليا فتوى ضدهم في العام 1996. كما تدينهم السلطات الدينية باستمرار معتبرة أنهم "روافض".

لا توجد تقديرات رسمية لعدد الشيعة في ماليزيا خصوصا بسبب خوف كثيرين من التعريف بأنفسهم على أنهم شيعة. لكنّ مراقبين يعتقدون أن عددهم يتراوح بين مئة ألف و500 ألف شخص.

وتراجعت المداهمات بشكل كبير لفترة من الوقت حتى العام الجاري، لكنها عادت مجددا وهو ما يرجعه البعض الى التوتر بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط والذي يمكن أنّ تمتد الى دول مسلمة أخرى.

خطف ناشط شيعي&
إضافة إلى المداهمات، وقعت حوادث أخرى تطال الشيعة. ففي 2016، اختُطف الناشط الشيعي أمري تشي مات، وادعى شهود عيان أنه خُطف بعد أن حاصرت سيارات عدة سيارته.&

خلص تحقيق أجرته هيئة حقوق الإنسان الرسمية في ماليزيا في العام الماضي إلى أن الشرطة اعتقلته. لكنّ هذه المخاطر لم تمنع الكثير من الشيعة من الاستمرار في ممارسة عباداتهم. وفي اجتماع عقد أخيرا في قاعة صغيرة، تلا كامل القرآن الكريم لمجموعة من حوالي 75 رجلاً وامرأة وطفل.

قال إنّ الشيعة "لن يرضخوا" بسبب الزيادة الأخيرة في مداهمة تجمعاتهم. وأضاف "سنكون صبورين لنتغلب على هذه الانتهاكات ومواصلة مهامنا".&

وتقول جماعات حقوقية إن محاولات منع الشيعة من ممارسة عباداتهم تتعارض مع ضمانات حرية الاعتقاد في الدستور الماليزي، لكن السلطات الدينية تصر على أن أفراد الطائفة لهم تأثير سيء في المجتمع.&

وقال محمد زواوي أحمد عضو المجلس الديني الإسلامي الرسمي في ولاية سيلانغور "لا نريد أي سوء فهم بين المسلمين في ماليزيا أو أن تندلع شجارات (بين السنة والشيعة)". وتابع أنّ "الأنشطة الشيعية تسبّب عدم ارتياح بين السنة في ماليزيا".

ويتوقع الباحث في شؤون الأقلية الشيعية في ماليزيا محمد فيصل موسى أنّ الشيعة والسنة في البلاد لن يتمكنوا من التغلب على خلافاتهم في وقت قريب. وقال "أشك في إمكانية تحقيق ذلك بوجود هذا القدر من التشهير والمضايقات" ضد الشيعة.
&