ليست الشرائح الاجتماعية الفقيرة في لبنان وحدها من تثور&على التردي الاقتصادي الناتج من غياب سلطة تنفيذية اقتصادية مستقلة، فالهيئات الاقتصادية أيضًا تؤكد أن لا سبيل إلى الاستمرار على هذا النحو.

في تطور لافت، متزامن مع اليوم الحادي والأربعين للثورة في لبنان احتجاجًا على التسويف في مسألة تأليف حكومة اختصاصيين غير سياسية تنقذ البلاد، أعلنت الهيئات الاقتصادية في لبنان الإضراب العام والإقفال التام لكل المؤسسات الخاصة على مساحة الوطن الخميس والجمعة والسبت (28 و29 و30 نوفمبر الجاري)، مع تأكيدها أن تحرّكها التصعيدي لن يهدأ حتى تشكيل الحكومة المطلوبة.

لا جدية في إنتاج الحلول

عقدت هذه الهيئات اجتماعًا استثنائيًا في مقرّ غرفة التجارة والصناعة والزراعة لبيروت وجبل لبنان، برئاسة وزير الاتصالات في الحكومة المستقيلة محمد شقير، ومشاركة أعضاء الهيئات، لمتابعة التطورات في البلاد خصوصًا عدم تشكيل حكومة جديدة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، في ظل الإجراءات والقيود الاستثنائية والموقتة التي أعلنها كل من مصرف لبنان وجمعية المصارف اللبنانية

أصدر المجتمعون بيانًا قالوا فيه إنه بات واضحًا عدم تحمّل القوى السياسية مسؤولياتها الوطنية وعدم إظهارها الجدية اللازمة لإنتاج حلول للأزمة الراهنة. ومن أجل الحفاظ على ما تبقى من قدرات، ووقف تأكّلها بفعل إطالة أمد الأزمة، ومن أجل الضغط لتشكيل حكومة تستجيب لتطلعات الشعب وتكون قادرة على مواجهة التحديات الهائلة ومعالجة الأزمات وتعيد الثقة بلبنان في الداخل ولدى المجتمع الدولي، قرّرت الهيئات الاقتصادية وبالإجماع الدعوة إلى تنفيذ الإضراب العام والإقفال التام لكل المؤسسات الخاصة على مساحة الوطن أيام الخميس والجمعة والسبت".

وأعلنت إبقاء اجتماعاتها مفتوحة لمتابعة التطورات، واتخاذ القرارات الملائمة حفاظًا على لبنان وشعبه واقتصاده ومؤسساته.

مؤسسات تقفل

إلى ذلك، أصدر مجلس إدارة نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي في لبنان بيانًا وجهه إلى المسؤولين، دعاهم فيه إلى أن يكونوا مسؤولين ولو لمرة واحدة، "لأن 265 مؤسسة من المؤسسات التي تتعاطى الطعام والشراب أقفلت أبوابها نهائيًا في غضون شهرين، وليس هذا فحسب، بل من المتوقع أن يرتفع عدد الإقفالات النهائية أكثر فأكثر خلال نوفمبر الجاري مع استمرار الوضع الحالي لتنضم 200 مؤسسة أخرى إلى سابقاتها ليقارب العدد النهائي للمؤسسات المقفلة 465 مؤسسة في 3 أشهر".

تابع البيان: "المبكي أن هذه الأرقام والأعداد أتت بعد البيان الذي أصدرته نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان قبيل انطلاق شرارة الثورة في 17 أكتوبر، حذرت فيه من زيادة الضرائب وفقدان كل مقومات العيش الأساسية والإجتماعية والإقتصادية والمالية والبيئية، فضلًا عن انتفاء القدرة الشرائية، ولم يقابل هذا البيان إلا بصم الآذان، وها نحن على أبواب موسم أعياد ينتظره كل أصحاب المؤسسات لكونه جرعة أوكسجين، إلا أنه حتى الآن لا توجد أية بوادر إيجابية مطلقًا لناحية الإستعدادات والحجوزات لهذا الموسم، فإما تنجح عملية الإنعاش هذه لينهض القطاع من جديد أو على القطاع السلام.

لن ندفع

في السياق نفسه، أكدت جمعية تجار بيروت أن القطاع الخاص اللبناني، نتيجة النقص الحاد في السيولة، قد يضطر عاجزًا ومكرهًا في وقت قريب جدًا إلى الامتناع عن سداد الأقساط والاستحقاقات المتوجبة عليه، بسبب التدابير الفجائية والتعسّفية والأحادية التي اتخذتها المصارف التي باتت تهدّد بقطع أرزاق المؤسسات في مختلف القطاعات الإنتاجية، في إشارة إلى التدابير المصرفية التي تتخذها المصارف، بناء على توجهات عامة من مصرف لبنان، ومنها القيود على التحويلات إلى الخارج وحصرها بالنفقات الشخصية الملحة، وتحديد المبالغ النقدية التي يمكن سحبها بألف دولار كحد أقصى أسبوعيًا لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار، وغيرها من الإجراءات المصرفية.

وأشارت الجمعية في بيان لها إلى أن هذه الإجراءات المصرفية القاسية والتعجيزية تشلّ حركة القطاع الخاص وستؤدّي حتمًا إلى تقليص حجم الأعمال، مطالبةً المؤسسات الرسمية كافة بضرورة تعليق المهل القانونية للعقود والمتوجبات والغرامات التى استحقّت خلال الفترة منذ 17 أكتوبر الماضي وحتى تأليف الحكومة.

كما دعت الجمعية الجسم القضائي إلى اتخاذ القرار الجريء بالامتناع عن النظر في قضايا الشيكات المرتجعة والسندات غير المسدّدة لدى المصارف، "وعدم اللجوء إلى إقرار أي حجز أو توقيف، إلى حين رجوع المعاملات المصرفية في البلاد إلى أحوالها الطبيعية المعهودة".

وطالبت جمعية المصارف بإعطاء التفسير الوافي "في ما يتعلق بمستقبل ودائعنا وحساباتنا المالية لديها، الدائنة والمدينة منها، وذلك للإثني عشر شهرًا المقبلة. وكذلك إطلاع الرأي العام والقطاعات الإنتاجية اللبنانية على أسباب اتخاذها هذه الإجراءات المناقضة لقانون النقد والتسليف ولتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وجميع المواثيق الدولية، وإيقاف العمل بها فورًا".

نصف رواتب

كذلك، تواتر في الأيام الماضية كلام على توجّه إدارات بعض المدارس الخاصة في لبنان للحسم من رواتب المعلّمين بدءًا من راتب هذا الشهر، بسبب الأزمة الإقتصاديّة الحادّة التي وصلت إليها البلاد.

ونسبت تقارير صحفية لنقيب المعلّمين في المدارس الخاصة رودولف عبود قوله إن بعض إدارات المدارس أبلغت&معلميها&بأنّهم سيحصلون فقط على نصف رواتبهم في هذا الشهر، بعد كلمة سرّ مررها إتّحاد المؤسسات التعليميّة الخاصّة، مؤكدًا رفضه القاطع لهذه الخطوة لأنها تشكّل خرقًا للقانون، "فالنقابة تدرس الخطوات اللازمة لمواجهة خفض الرواتب، علمًا أنّها تتفهّم الوضع المالي السيّئ&الذي تمرّ به المدارس الخاصة".

وأكدت نقابة المعلّمين في المدارس الخاصة رفضها ربط عدم تسديد الرواتب المتعلقة بعدم تسديد الأقساط بالكامل. وإذ أعلنت النقابة تفهمها أوضاع المدارس اليوم، في ظل الظروف القاهرة، لكنها طالبت إداراتها بتسديد الرواتب وفق آلية محددة إذا كانت المؤسسة تعاني من عسر مالي، كما طالبت الأهل بدفع الأقساط المدرسية لانتظام العام الدراسي، ووزارة التربية بدفع مستحقات المدارس المجانية في مواعيدها.