بيروت: أمام مقر مصرف لبنان المركزي في بيروت، تجمع عشرات المتظاهرين الأربعاء حول مصفّف تبرع بقصّ الشعر مجاناً، في نشاط رمزي هدفه المطالبة بالاقتطاع من رواتب الأغنياء لحل أزمة سيولة خانقة في البلاد.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر حراكاً شعبياً غير مسبوق مطالباً برحيل الطبقة السياسية، على خلفية مطالب معيشية حرّكها انخفاض قيمة الليرة وفرض المصارف تدريجياً قيوداً على التحويلات بالدولار الذي بات الحصول عليه مهمة صعبة.

أمام لافتة من القماش كتب عليها "لن ندفع الثمن"، جلست ريبيكا سعادة (34 عاماً) على كرسي وسط المتظاهرين بينما تولى المصفف قص شعرها البني القصير.

وتقول لوكالة فرانس برس "جئنا نعلّمهم كيف تكون حلاقة الشعر الحقيقية". ويطلق تعبير "هير كات" بالانكليزية، أي حلاقة الشعر بالعربية، على عملية مالية يتمّ بموجبها اقتطاع نسبة من الودائع لحل أزمة مالية ونقص السيولة.

وعلى وقع أزمة سيولة بدأت قبل أشهر مع تحديد المصارف سقفاً لعمليات السحب بالدولار، خفّضت قيمته تدريجياً، وفاقمتها قيود مشددة الشهر الحالي على التحويلات إلى الدولار، يطالب المتظاهرون بحلول جذرية ويحملون المصرف المركزي مسؤولية السياسات المالية الخاطئة في البلاد.

ويرفض هؤلاء أي اجراءات تطال ودائع الفقراء وجيوبهم، مطالبين بالاقتطاع من ودائع الأغنياء.

وفي لبنان، تستحوذ نسبة 1 في المئة الأكثر ثراء على 25 في المئة من إجمالي الدخل الوطني، في حين يستحود الخمسون في المئة الأكثر فقراً على أكثر من 10 في المئة، وفق بيانات مختبر اللامساواة العالمية.

"هروب" الأموال

وتوضح ريبيكا بينما حمل المتظاهرون الأعلام اللبنانية ورددوا هتافات مناوئة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن الاقتطاع من الودائع في ظل الأزمة الحالية "يجب أن يطال كبار المتمولين الذين استفادوا من الفساد حتى الآن".

وتضيف "يجب ألا يشملنا الاقتطاع من الودائع بعدما فرضوا قيوداً غريبة على أموالنا (..) بينما سمحوا في أول أسبوعين (من التظاهرات) لكافة المتمولين الكبار سحب أموالهم".

وكان سلامة نفى في مؤتمر صحافي قبل أكثر من أسبوعين أي توجه للاقتطاع من الودائع لحل أزمة السيولة. ونفى كذلك أي تقييد للتحويلات، فيما ممارسة المصارف تظهر العكس.

في خطة إنقاذ اقتصادية نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط الشهر الحالي، نبّه خبراء لبنانيون إلى أن الخوف من الانهيار المالي شجع على هروب رؤوس الأموال من البلاد. وقدروا تحويل 800 مليون دولار إلى الخارج منذ انطلاق الاحتجاجات حتى السابع من الشهر الحالي، وهي الفترة التي أبقت المصارف أبوابها مقفلة بمجملها.

وطالب رئيس البرلمان نبيه بري الأربعاء، وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام، "بعودة أموال المصارف التي أرسلت الى الخارج".

وبات سحب الدولار من المصارف محدوداً مع سقف أسبوعي حدّدته جمعية المصارف الشهر الحالي بألف دولار، إلا أن المصارف تتخلّف عن الالتزام به وبالكاد يتمكن المودعون من الحصول على 500 دولار أسبوعياً.

وفي السوق الموازية، تجاوز سعر صرف الليرة مقابل الدولار عتبة الألفين بعدما كان مثبتاً منذ عقود على 1507. ويثير ذلك هلع المودعين والموردين الذين باتوا عاجزين عن توفير الدولار للاستيراد من الخارج.

وتقول رشا (24 عاماً) التي أمضت الليلة الماضية في خيمة قرب المصرف المركزي لفرانس برس "الوقفة هنا لأن الأزمة الأقتصادية أوصلتنا إلى الثورة، هي إحدى أسبابها".

"انهيار اقتصادي"

تحت ضغط الشارع، قدم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته في 29 أكتوبر، من دون أن يحدد رئيس الجمهورية ميشال عون حتى الآن موعداً للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة جديد. وأعلن الثلاثاء أنه لا يرغب برئاسة الحكومة المقبلة، في محاولة لتسريع تشكيل حكومة على خلفية اتهامات سياسية له بالتعطيل.

ويثير التأخير غضب المتظاهرين الذين يطالبون بحكومة مؤلفة من اختصاصيين ومستقلين عن الطبقة السياسية التي يتمسكون برحيلها.

إلا أن محللين يستبعدون إمكانية تشكيل حكومة مماثلة في بلد يقوم نظامه على المحاصصة السياسية والطائفية، متوقعين تشكيل حكومة مختلطة تضم اختصاصيين وسياسيين.

وتداولت الأوساط السياسية والإعلامية في اليومين الأخيرين اسم مرشّح جديد لتولي رئاسة الحكومة هو المهندس ورجل الأعمال سمير خطيب، المدير العام لإحدى كبرى الشركات الهندسية في لبنان والتي تعمل في دول عدة حول العالم.

وتقول رشا إنها لا تعرف شيئاً عن المرشح الجديد، لكنها تعتبر أن "من نريده اليوم يجب أن يكون متخصصاً بالاقتصاد" ليسهم في إيجاد حلول إنقاذية.

وترى مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهي يحيى أن لبنان "في خضم انهيار اقتصادي". وبالتالي على أي حكومة جديدة أن "تردم فجوة الثقة مع المجتمع الدولي، ولكن الأهم مع الشارع".