قالت غالبية من قراء "إيلاف" إن الثوار العرب لا يثقون بجيوش بلدانهم، أي إن شعارات الوحدة بين الجيش والشعب موقتة وتحييدية، ليأمن الثوار شر القتال لا أكثر.

إيلاف من بيروت: اختلفت الطرق التي تعاملت بها الجيوش العربية مع ما يُعرف بـ"الربيع العربي"، والذي امتد منذ عام 2011 وحتى عام 2019، بدأ بتونس ليصل إلى العراق ولبنان أخيرًا. لذا، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "في ضوء موجتي الربيع العربي الأولى والثانية، هل يمكن أن تثق الشعوب العربية بجيوشها؟".

شارك في هذا الاستفتاء 294 قارئًا، أجاب 81 منهم بـ "نعم"، بنسبة 30 في المئة، بينما أجاب 213 منهم بـ "لا"، بنسبة 70 في المئة.

من حالة إلى أخرى
في بداية "دومينو" الربيع العربي في تونس في عام 2010، رفض الجيش التونسي إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، ما دفع بن علي إلى إعفاء قائد الجيش، رشيد بن عمار، قبل وقت قصير من هروبه. وتشير معلومات غير رسمية إلى أن الجيش ساهم بشكل كبير في تنحية بن علي.

في مصر، اختار جيشها الوقوف إلى جانب الشعب إبان ثورة 25 يناير، وقادت القوات المسلحة المرحلة الانتقالية في مصر. في ليبيا، وقفت القوات المسلحة إلى جانب نظام معمّر القذافي، لكن انشقاق ضباط وتكوينهم مجموعات مسلحة ساهما في إسقاط القذافي.

في سوريا، وقف الجيش إلى جانب النظام بعد عسكرة الثورة التي بدأت سلمية، واستخدم القصف الجوي والمدفعي لضرب الناس، ما خلف مئات آلاف القتلى بين مدنيين ومسلحين في الحرب السورية التي تحوّلت حربًا أهلية

في اليمن، حمى الجيش في بداية الثورة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، لكن بعد تنحّيه، حدث انقسام في صفوف الجيش بعد تحالفه مع الحوثيين، لحقه جزء بينما بقي جزء آخر تحت إمرة الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي.

في الجزائر، التزم الجيش الحياد في بداية الثورة ضد ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، لكنه اختار لاحقًا الوقوف إلى جانب المحتجين، ما ساهم في تسريع تنحّي بوتفليقة. في السودان، مال الجيش السوداني إلى حماية البشير، لكن المعطيات انقلبت حين احتشدت آليات تابعة للجيش أمام مقر القوات المسلحة، وتولى الجيش قيادة المرحلة الانتقالية بعد تنحية البشير واعتقاله.

في العراق ولبنان اليوم، تبدو القوات المسلحة على الحياد. ويبدو أن ميليشيات إيران هي التي تقتل المتظاهرين في العراق، بينما تخيّم السلمية شبه المفرطة على الثورة اللبنانية.

تحييدية موقتة
في غالبية الحراكات العربية، كان الجيش يقف محايدًا. يقول زولتان باراني إن الثورات تحتاج دائمًا للمؤسسة العسكرية في تلك الدولة أينما كانت، "فقلما نجحت ثورة وقفت ضدها مؤسستها العسكرية، لذلك فإن إنضمام الجيش بمؤسسته العسكرية هو مكسب كبير ووثبة ضخمة في نجاح وإسقاط أي نظام حكم، وإن لم يستطع الشعب أو الحراك جر وكسب الجيش إلى مصلحته، فعلى أقل تقدير أن يبقى الجيش في حالة من الحياد بين الثوار المتعطشين إلى الحرية وبين النظام الديكتاتوري، الذي غالبًا ما يلجأ إلى الجيش كخيار أخير، بعد الفشل الذي غالبًا ما تلاقيه القوات الأمنية والشرطية، فيهرع إليها الديكتاتور المتشبث بالسلطة بعدما يضيق عليه الخناق كأمل ومتنفس أخير".

لكن، ما بعد وصول الثورة إلى خواتيمها السعيدة، أو شبه وصولها، يبدو أن الجيش يعيد فتح الأبواب لثورة مضادة، كما حصل في مصر ومناطق عربية أخرى.

إن إطلاق الثورات العربية شعارات مثل "الجيش والشعب يد واحدة" أو "نحنا والجيش إخوان" أو "الجيش يحمي المتظاهرين" ليست إلا شعارات تحييدية مرحلية. فالثوار يريدون في مرحلة ثورتهم ضمان عدم وقوف القوى الأمنية والجيش بوجههم، على الرغم من أنهم يعرفون أن الجيش في النهاية لن يكون في صفهم، بل سيستخدمهم ليصل إلى السلطة، بحجة السلم الأهلي، وضمان الاستقرار في البلاد.

تضامن.. واعتقالات!
في لبنان، أعلن الجيش اللبناني عن تضامنه الكامل مع المطالب "المحقة" للمتظاهرين، ودعت قيادة الجيش المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم المرتبطة مباشرة بمعيشتهم وكرامتهم إلى التعبير بشكل سلمي وعدم السماح بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة، وإلى التجاوب مع الأجهزة الأمنية لتسهيل أمور المواطنين.

وأكد الجيش على الحقّ في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي المُصان بموجب أحكام الدستور وبحمى القانون، في الساحات العامة فقط، مانعًا قطع الطرقات، مستخدمًا القوة غير المفرطة في تأمين سير المواطنين.

لكن، يثير الكثير من الناشطين اللبنانيين تساؤلات عدة حول موقف الجيش من الاعتداءات التي تعرّض لها المتظاهرون السلميين من جانب مناصري حركة أمل وحزب الله، ويتهمونه بالوقوف متفرجًا على ما فعلته العصابات التابعة لهذين التنظيمين من تخريب لخيام المتظاهرين وحرقها، إلى جانب تخريب الأملاك الخاصة، فيما تتولى استخبارات الجيش اللبناني اعتقال الناشطين وتوقيفهم بسبب آرائهم وانتقادهم رئيسي الجمهورية والبرلمان، ومطالبتهم بمحاسبتهما بتهمة إهدار المال العام.

بحسب للجيش اللبناني أنه لم يمنع الثوار اللبنانيين من إقفال الطرق المؤدية إلى البرلمان مرتين، حين حاول رئيسه نبيه بري تمرير قانون للعفو، يشمل الجرائم المالية، تمهيدًا لتبرئة كل من سرق مال الخزينة اللبنانية.

قناصة غير عراقيين
في العراق، قال المتحدث باسم الجيش العراقي، اللواء الركن عبد الكريم خلف، إن القوات المسلحة العراقية تضمن سلامة المتظاهرين السلميين في كافة ساحات العراق، مؤكدًا أن الجيش العراقي أصدر أوامره بعدم استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين.

طالب خلف المتظاهرين بعدم الاقتراب من القواعد العسكرية، وعدم السماح بقطع الجسور كونها ممرًا حيويًا للعراقيين، لافتًا إلى أن قطع الطرق والاحتجاجات وتعطيل الموانئ تسببت في خسائر وصلت إلى نحو 6 مليارات دولار.

إلى ذلك، قالت وزارة الدفاع العراقية إن هناك طرفًا ثالثًا مسؤولًا عن الاستهداف المروّع للمتظاهرين وللقوات الأمنية بهدف خلق الفوضى والفتنة، في تلميح إلى عناصر إيرانية متهمة بقنص المتظاهرين وقتلهم، في مسعى إيراني لوقف موجة الاحتجاجات، التي أدت أخيرًا إلى إحراق القنصلية الإيرانية في النجف.

وقالت تقارير أممية إن 70 في المئة من القتلى كانت إصاباتهم في الرأس والصدر، مع العثور على أدلة على أن قناصة استهدفوا محتجين من مبنى عالٍ وسط بغداد. وهذا يدعم مزاعم وزارة الدفاع العراقية.