مراكش: انسجاما مع موضوع "الجنوب في عصر الاضطرابات"، الذي اختير عنوانا للدورة الثامنة من المؤتمر الدولي السنوي، "حوارت أطلسية"، الذي ينظمه "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد"، والتي اختتمت السبت، تعددت محاور النقاش، فيما حافظت على خيط ناظم لامس التحديات التي تواجهها منطقة المحيط الأطلسي، بشمالها وجنوبها، مع الحرص على وضع الجنوب في صلب النقاش العالمي، على مختلف الأًصعدة.

وتميزت دورة هذه السنة من الحوارات الأطلسية بمشاركة نحو 500 شخصية من 66 جنسية، بينهم رؤساء دول سابقون ووزراء وموظفون سامون وفاعلون سياسيون وخبراء وأمنيون ورجال اقتصاد.

وهدفت إلى تشجيع خطاب واضح ووضع حلول مبتكرة، من خلال مناقشة وجهات نظر السياسيين والأكاديميين والمحللين والمراقبين من الشمال والجنوب بروح من الانفتاح والشفافية والإثراء المتبادل.

وتسعى الحوارات، منذ إطلاقها في 2012، إلى إدماج جنوب المحيط الأطلسي في النقاش الجيو - سياسي العالمي. وقد تبنى المؤتمر، من أجل ذلك، مقاربة تعتمد على إخضاع الإشكالات لمناقشة قائمة على الحقائق والأرقام.

تيارات أطلسية

انطلقت دورة هذه السنة بتقديم تقرير "تيارات أطلسية"، في طبعته السادسة، الذي أعدت مقدمته أميناتا توري، رئيسة وزراء السنغال السابقة، وساهم فيه باحثون من أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي وأوروبا.

وسلط التقرير، الذي يبقى واحدا من أهم الأعمال التي يصدرها "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد"، فيما يخص دراسة وتحليل القضايا العالمية الرئيسية من منظور الجنوب، الضوء على التحديات الجديدة التي تواجه المحيط الأطلسي جنوبا وشمالا، وذلك في تناغم مع موضوع مؤتمر "حوارات أطلسية" لهذه السنة، ورؤية المركز بخصوص التعبير عن آراء الجنوب على الساحة الدولية.

ويقول كريم العيناوي رئيس مركز السياسات للجنوب الجديد، وبشرى رحموني مديرة البحث والشراكات والفعاليات، إن التقرير "لا يقدم تشخيصا للاضطرابات في النظام العالمي والحوض الأطلسي فحسب، بل أيضا بعض الآفاق الواعدة والمشاريع الرائدة، بما في ذلك الابتكار الاجتماعي كرد فعل للمشاكل الاجتماعية، وتمكين المرأة، والدبلوماسية الثقافية، والحوار بين الثقافات، وكذلك الثورة الرقمية كقوة من أجل الرفاه وكأداة لتعزيز التعاون".

ويناقش التقرير، من خلال فصوله التسعة، أسئلة جوهرية حول نظام ما بعد أميركا، والنظام التجاري القائم على قواعد فرص النجاة، والدبلوماسية الثقافية ومستقبل الاتحاد الأوروبي، علاوة على المشاكل المتعلقة بجنوب المحيط الأطلسي، من قبيل توسع التمرد في الساحل وعلامات القلق في غرب أفريقيا الساحلية، والصين وأفريقيا في عصر الاضطرابات، وغيرها.

جلسات نقاش

توزعت مناقشات المؤتمر، التي تواصلت على مدى ثلاثة أيام، على 11 جلسة. وقد ركزت على الموجة المتصاعدة للشعبوية، التي أرجعتها ماريا أوغينيا دي أفيلا، وزيرة الشؤون الخارجية السابقة بالسلفادور، مثلا، إلى أزمة الثقة بين المواطنين وصناع القرار، فيما رأى إغناسيو والكير، وزير خارجية الشيلي السابق، أنها تولدت عن عدم اشتغال قوى السوق لفائدة مصالح المواطنين السياسية والاقتصادية. فيما أشار باولو بورتاس، وزير الشؤون الخارجية البرتغالي الأسبق، إلى أن الثورة الرقمية تبقى من بين الأسباب الأساسية لصعود الشعبوية، التي رأى أنها توجد لدى اليمين واليسار، على حد سواء.

وفي جلسة حول التعليم، تحدثت وزيرة التعليم السابقة في فرنسا، نجاة فالود بلقاسم، مثلا، عن جملة من القضايا على علاقة بعدم المساواة، مشيرة إلى أن العوالم المرتبطة بالأصل وظروف الميلاد والفئة الاجتماعية للوالدين تؤثر على النجاح الأكاديمي للأطفال.

كما ناقش المشاركون قضايا على علاقة بالطاقة والمناخ والتكنولوجيا وأزمة الديمقراطية واللاجئين.

ففي جلسة "الطاقة والمناخ"، مثلا، ركز ثيون نيانغ مسؤول بمؤسسة (أكون لايثين أفريكا) بالسنغال، على ما تعانيه أفريقيا، من صعوبات في "تدبر كيفية تشغيل الإنارة داخل منازلهم"، داعيا القطع مع الأسباب التي تساهم في تقلص فرص الشغل ودفع الشباب إلى الهجرة.

وفي جلسة "التكنولوجيا، الرفاه وعدم المساواة"، شدد المشاركون على أن "عدم المساواة هو مسألة هيكلية، في كل مكان"، وأنه "لا تقدم أو رفاهية دون مساواة"، وبقدر ما شدد المشاركون على أن "الوصول إلى التكنولوجيا، يمكن أن يساعد في التقليص من حدة الفقر"، رأوا أن "التكنولوجيا هي قفزة في المجهول".

وفي جلسة "أزمة الديمقراطية"، رأى المشاركون أن صعود الشعبوية يبقى من أسباب هذه الأزمة التي تعيشها الديمقراطية. كما تساءلوا عن حقوق الشباب، وفرص مشاركتهم السياسية.

وفي هذا الصدد، استحضر محمد بن عيسى ،أمين عام منتدى أصيلة ووزير الخارجية المغربي الاسبق، ما عرف بـ"الربيع العربي"، مشيرا إلى أن ما سمي ربيعا لم يكن ربيعًا على الإطلاق، كما لم يكن عربيا بشكل كامل، مشددا على أن الديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين، وإلى من يمتلك شروط وثقافة التعايش واحترام دولة القانون.

في جلسة "اللاجئون: الحماية والهجرة"، اتفق المشاركون على الطابع الإشكالي للقضية، والوضعية المأساوية الراهنة التي تزيد من متاعب اللاجئين. وهو ما لخصه ريتشارد دانتزيغر، المدير الإقليمي لغرب ووسط أفريقيا في المكتب الدولي للهجرة، حين قال إن "اللحظة الراهنة ليست مناسبة لأن يكون شخص ما لاجئًا"، مشيرا إلى تراجع حقوق الإنسان ونظام اللاجئين، وكذا غياب الدولة في أغلب مناطق اللجوء.

وختم المشاركون، في هذه الجلسة، بالدعوة إلى دعم اللاجئين، بتوفير الحماية والاحتياجات الأساسية، بشكل يعطيهم أملا في المستقبل.

كما تواصلت الجلسات، بمناقشة جملة من القضايا المرتبطة بالأزمة المالية العالمية القادمة والنظام التجاري العالمي، وكذا الأوضاع الراهنة في أميركا اللاتينية. وفي هذا الصدد، رأى هاريندر كوهلي المدير المؤسس والرئيس التنفيذي لمنتدى الأسواق الناشئة، "أننا يجب أن نلقي نظرة على تاريخ الأزمات المالية وما تعلمناه من العولمة. فهناك تاريخ من الأزمات المالية المتكررة كل 10 سنوات، تصبح أعمق وأكثر تكلفة". فيما قال ماتياس فيكل، وزير التجارة الخارجية الفرنسي السابق" إننا بحاجة إلى المزيد من آليات التكيف للتعامل مع العولمة".

وتحدثت بينيتا ديوب، المبعوثة الخاصة المعنية بالمرأة والسلام والأمن بمفوضية الاتحاد الأفريقي، عن الأوضاع في القارة السمراء، وشددت على أنه "بالنسبة لأفريقيا، يجب ترتيب البيت وتنظيفه"، داعية إلى "محاربة الفساد"، بــ"التركيز أكثر على آليات الحكم الرشيد".

فيما لاحظ هوبرت فيدرين وزير الخارجية الفرنسي الاسبق أن العالم يعرف "حالة من الفوضى"، مشيرا إلى أنه ليس هناك مجتمع دولي، بل نظام متعدد الأطراف.

وفيما ذهب جميل معوض، الرئيس السابق لجمهورية الإكوادور، إلى أن هناك العديد من الطرق لصنع السياسة، وأن كل دولة أو منطقة لديها نظام يُعتقد أنه أكثر ملاءمة للحكم، لاحظ فيدريكو رامون بويرتا، الرئيس السابق لجمهورية الأرجنتين، أن الأجهزة المحمولة وتنسيق التكنولوجيا، سمحت للناس بالضغط من أجل المزيد من المطالب.