مراكش: قدمت فعاليات مؤتمر "حوارات أطلسية" في ختام دورته الثامنة، تشخيصا مقلقا لاضطرابات وانشغالات عالمية وإقليمية عديدة، مع تسليط الضوء على بعض الآفاق الواعدة والمشاريع الرائدة، بما في ذلك الابتكار الاجتماعي كرد فعل للمشاكل الاجتماعية، والتمكين للمرأة والشباب، والحوار بين الثقافات، واستثمار الثورة الرقمية كقوة من أجل الرفاه وكأداة لتعزيز التعاون.

تحليل وحقائق

يمكن القول إن نوعية المشاركين وتنوع المواضيع المطروقة، على مدى ثلاثة أيام و11 جلسة، ساهمت في إعطاء صورة مقربة عن المشهد العالمي، في ارتباط بقضايا على جانب كبير من التعقيد المثير للقلق خصوصا ما ارتبط منها بأزمة الديمقراطية والشعبوية والإشكالات المرتبطة بالمسألة التعليمية، والتحديات التي تطرحها قضايا الطاقة والتغيرات المناخية في علاقة بأسئلة التنمية والعلاقة بين الشمال والجنوب، وطرق التعاطي مع جديد التكنولوجيات الحديثة وتأثيراتها على حياة الأفراد والجماعات، فضلا عن المآسي المرتبطة بأوضاع اللاجئين، مع رصد للأزمة الاقتصادية العالمية القادمة ووضعية النظام التجاري العالمي، ورياح التغيير التي تهب على أميركا اللاتينية.

وقال كريم العيناوي، رئيس "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد"، في تقييمه للدورة، في جلسة الاختتام، إن الحوارات كانت مهمة، من منطلق أنها عكست قيم التحليل والعمل المبني على الحقائق، ضمن ثقافة الاختلاف والنقاش البناء.

قلق .. واقتراح حلول

أخذا بعين الاعتبار تجربة ونوعية المشاركين، فقد كان الموعد مع وجهات نظر وقراءات بقدر ما أعطت صورة مقلقة لكثير مما يرتبط بعدد من القضايا العالمية الراهنة، من قبيل النقاش المتصاعد حول الشعبوية وأزمة الديمقراطية واللاجئين، أكدت إصرارا على اقتراح حلول من شأنها المساهمة في إحداث تغيير نحو الأفضل، من قبيل الاستثمار الإيجابي في جديد التكنولوجيا، وفتح المجال أمام مساهمة الشباب والمرأة في التدبير السياسي، مع استحضار معطى أن "هناك العديد من الطرق لصنع السياسة"، وأن" كل دولة ومنطقة لديها نظام يعتقد أنه أكثر ملاءمة للحكم"، كما قال جميل معوض، الرئيس السابق لجمهورية الإكوادور، في جلسة "زمن التغيير في أميركا اللاتينية: رياح جديدة تهب".

البعد الاقتصادي، وما اعتبر أزمة اقتصادية عالمية قادمة، كان حاضرا على أكثر من صعيد، ومن ذلك أن تتحدث ريم عيادي، من الشبكة الأورو- متوسطية للدراسات الاقتصادية، عن "مشاكل النظام المالي"، بتأثير من التغيرات المناخية على التوازن المالي، الشيء الذي يستدعي حرصًا أكثر فيما يخص المتطلبات البيئية.

مخاطر

بعدما أثارته مسألة اللاجئين من نقاش في ثاني أيام المؤتمر، حضرت قضية الهجرة في مناقشات اليوم الثالث، حيث تحدث إدوارد تشيكلونا، وزير مالية مالطا، عن "حالة من عدم اليقين في عالم اليوم"، مشيرا إلى أن أوروبا غير مستعدة لمواجهة الوضع. وزاد موضحا أن "الهجرة ظاهرة دولية موجودة منذ سنوات، لكن الدول الأوروبية تجد صعوبة في مواجهة موجات الهجرة"، خصوصا وأنه "ليس هناك تقاسم للعبء".

وبينما دعا هاريندر كوهلي، المدير المؤسس والرئيس التنفيذي لمنتدى الأسواق الناشئة، إلى أخذ العبرة من تاريخ الأزمات المالية والتعلم من العولمة، لافتا إلى أن الأزمات المالية بقدر ما تتكرر كل عشر سنوات، صارت أعمق وأكثر كلفة.&

وفي هذا السياق، دعا ماتياس فيكل وزير التجارة الخارجية الفرنسي السابق، من جهته، إلى "مزيد من آليات التكيف لمواجهة العولمة". فيما تحدث جواو فالي دي ألميدا، سفير الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة، من جهته، عن المخاطر العديدة التي تتهدد النظام العالمي، مشددا على عدم إمكانية "العيش في جزيرة عولمة داخل محيط من القومية، يستحوذ فيه الأقوى على كل شيء".

تنظيف البيت

من جهتها، خصصت بينيتا ديوب، المبعوثة الخاصة للمرأة والسلام والأمن بمفوضية الاتحاد الأفريقي، حديثها على الوضع في القارة السمراء، والعلم الذي يتم على مستوى الاتحاد الأفريقي لتصحيح عدد من الأمور، داعية إلى "معالجة القضايا الأساسية على الأرض"، وهي قضايا عادة ما تكون وراء انعدام الأمن.

وختمت ديوب بدعوة إلى ترتيب البيت الأفريقي وتنظيفه، بمحاربة الفساد والتركيز أكثر على آليات الحكم الرشيد.

تجاوز نقاط القطيعة

يشار إلى أن الموضوع الذي قاربته دورة هذه السنة من الحوارات الأطلسية يأتي امتدادا لموضوع "ديناميات أطلسية: تجاوز نقاط القطيعة"، الذي تمحورت حولة فعاليات دورة السنة الماضية من هذا المؤتمر السنوي الذي ينظمه "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد"، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس.

ويهدف المركز من خلال "منظور الجنوب بشأن قضايا البلدان النامية"، إلى "تسهيل القرارات المتعلقة بالسياسات في إطار برامجه الرئيسية الأربعة: الزراعة والبيئة والأمن الغذائي؛ الاقتصاد والتنمية الاجتماعية؛ المواد الخام والتمويل؛ والجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية".

وتناولت الدورات السابقة للمؤتمر مواضيع على علاقة بأهدافه، شملت "تغيير الخرائط الذهنية،و إعادة اكتشاف المحيط الأطلسي في الدورة الأولى في 2012، و"المجتمعات الأطلسية، النمو والتغيير والتكيف" في دورته الثانية سنة 2013، و"المعادلة الأطلسية الجديدة: التقارب والتعاون والشراكات" في دورته الثالثة سنة 2014، و"تقييم المخاطر العالمية" في دورته الرابعة سنة 2015، و"تغيير الخرائط الذهنية: استراتيجيات للمحيط الأطلسي في مرحلة انتقالية" في دورته الخامسة سنة 2016، و"أفريقيا في المحيط الأطلسي: زمن العمل" في دورته السادسة سنة 2017، فضلا عن "ديناميات أطلسية: تجاوز نقاط القطيعة" في دورته السابعة سنة 2018.