انقسم قراء "إيلاف" في شأن قدرة الثورة العراقية على إنهاء الوجود الإيراني في العراق، مع غلبة قليلة في صالح هذه الثورة، مع أن ذلك يبدو صعبًا جدًا.

إيلاف من بيروت: الثورة العراقية مستمرة في طلبها بحقوق المواطن العراقي التي أكلها الفساد... والنفوذ الإيراني في العراق، الذي غطى فساد المسؤولين العراقيين مقابل رهن السلطة العراقية برمتها بالساسة الإيرانيين.

في هذا السياق، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل ترى أن الانتفاضة الشعبية الراهنة في العراق ستنهي الوجود الإيراني؟". شارك في هذا الاستفتاء 523 قارئًا، أجاب منهم 301 بـ "نعم"، بنسبة 58 في المئة، فيما أجاب 222 منهم بـ "لا"، بنسبة 42 في المئة.

النفوذ جليّ للعيان

في البداية، لا بدّ من الاعتراف بما لإيران من نفوذ ومتشعب في العراق. فقد كشفت مئات التقارير الاستخباراتية الإيرانية المسرّبة عن عمق نفوذ طهران في العراق الذي يشهد احتجاجات منذ أسابيع عدة، بحسب تقريرين قي صحيفة نيويورك تايمز وموقع ذي انترسبت، أعدتهما "إيلاف" في تقرير نشر سابقًا.

قالت الصحيفة والموقع الأميركيان إنهما تحققا مما يقارب 700 صفحة من تقارير كتبت في عامي 2014 و2015 من قبل وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، وأرسلها إلى "ذي إنترسبت" شخص رفض الكشف عن نفسه، ورفض اللقاء بالصحافي شخصيًا، قائلًا إنه يريد أن يرى العالم ما تفعله إيران في العراق.

كشفت الوثائق النفوذ الإيراني الهائل في العراق الذي وصل إلى حد تجنيد طهران عملاء لها داخل السلطات العراقية، والعمل الذي قام جواسيس إيرانيون لاختيار قادة البلاد، ودفع رواتب للعراقيين الذين يعملون مع الأميركيين، ودفعهم إلى تغيير ولاءاتهم، إضافة إلى تسلل طهران المستمر إلى كل جانب من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والدينية في العراق.

وتقدم الوثائق صورة مفصلة عن مدى القوة التي عملت فيها طهران لترسيخ نفسها في الشؤون العراقية، ودور الجنرال قاسم سليماني، رجل طهران الأساسي في العراق الذي يتردد إليه بشكل متكرر في أوقات الاضطرابات السياسية، والذي ترأس اجتماعات في بغداد والنجف خلال الأسابيع الأخيرة لإقناع الأحزاب السياسية برص الصفوف حول رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي.

تبدّل المزاج العراقي

يقول الكاتب السياسي خيرالله خيرالله في "العرب": "لم تكن الثورة الشعبية التي يشهدها العراق منذ الأول من&أكتوبر الماضي سوى ثورة عراقية على النفوذ الإيراني في العراق"، مضيفًا أن إيران اعتقدت أن الاحتلال الأميركي للعراق "الذي تمّ بالتنسيق معها شكّل نقطة تحوّل لا عودة عنها. ها هي تفاجأ في كلّ يوم بأن العراقيين لم يرضخوا. على العكس من ذلك، إنّهم مصرّون على أن العراق هو العراق وإيران هي إيران.. هذا ما لم يستطع النظام الإيراني فهمه يومًا".

بحسبه، يمثّل رفض شعب العراق الخضوع لإيران ذروة الفشل بالنسبة إلى طهران ونظام الجمهورية الإسلامية، وظهر بوضوح أنّ هذه الجمهورية عاجزة عن تقديم نموذج يحتذى به للعراقيين.&

وفي مقال نشره الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، كتب الباحث في جامعة ميريلاند الأميركية فيليب سميث إن قبائل عراقية كبيرة منتشرة في جنوب&العراق بدأت تتخلى شيئًا فشيئًا عن عصبيتها الطائفية التقليدية، أي الشيعية، بسبب غضبها من انتهاكات فصائل مسلحة موالية لإيران، كما بسبب فشل الحكومة العراقية المتعدد في تقديم ما يريده الشعب العراقي، واستخدامها العنف في قمع المحتجين العراقيين.

أضاف سميث أن مقتدى الصدر حاول أن يكون الواجهة السياسية للمحتجين على النفوذ الإيراني وعلى القمع الذي مارسته الحكومة. وشهدت مدينة الصدر، أي معقله الرئيسي، بعضًا من أكثر التظاهرات الاحتجاجية ازدحامًا.

مهمة صعبة جدًا

لكن، هل يكفي هذا للقول إن الثورة العراقية ستنهي النفوذ الإيراني في العراق؟ أكثر من نصف المشاركين في الاستفتاء يظن أن هذا ممكن. ربما، بحسب مراقبين، هو تفكير قائم على تمنيات، فمن فرط رغبة العراقيين في التخلص من النفوذ الإيراني على بلادهم، يرون أن الثورة العارمة اليوم قادرة فعليًا على تحقيق هذه الأمنية، مع أنهم يعلمون أن هذا لن يتحقق يسهولة ومن دون تقديم التضحيات الجسام، يقدرها هؤلاء المراقبون بآلاف القتلى وعشرات أمثالها من الجرحى.

في تقرير نشره موقع "سبوتنيك"، يقول الدكتور قيس النوري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد والسفير السابق بالخارجية العراقية، إن إيران لن تتنازل عن هيمنتها على العراق، "لأنها تعلم أن هذا التنازل سوف ينقل تلك الاضطرابات إلى داخل إيران". وبالتالي، إن معركة إنهاء الوجود الإيراني في العراق ليست نزهة أبدًا، وتقترب صعوبتها من المستحيل. وربما هذا ما اقتنع به أقل قليلًا من نصف المشاركين في الاستفتاء؛ إذ إن إيران لن تتخلى بسهولة عن العراق الذي ترى أنه، بحسب حبراء في السياسة الإيرانية، حديقتها الخلفية، أو حديقتها الخلفية "الشيعية" لوجود المراقد المقدسة فيها، خصوصًا في كربلاء والنجف، على الرغم من التنافس الديني بين مرجعيتي قم (علي خامنئيى) والنجف الأشرف (علي السيستاني) الشيعيتين.