تظن أغلبية قراء "إيلاف" أن مجلس التعاون الخليجي لم يحقق بعد طموحات شعوبه كلها. لا بد أن عجز المجلس عن الوصول إلى مرحلة الاتحاد سبب أساس في ذلك.

إيلاف من الرياض: لعب مجلس التعاون الخليجي دورًا رئيسًا في تفعيل العمل الخليجي المشترك على مدى ما يقرب من أربعة عقود، وحقق الكثير من الأهداف المرجوة منه. ولا مفر من الاعتراف بأهمية دوره في تعزيز علاقات الدول الخليجية بالقوى الكبرى، من النواحي الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية.

سألت "إيلاف" القارئ العربي: "إلى أي حد تعتقد أن مجلس التعاون الخليجي حقق طموحات شعوبه؟". شارك في هذا الاستفتاء 292 قارئًا، قال 41 منهم (بنسبة 14 في المئة) إن المجلس حقق طموحات شعوبه كاملة، فيما قال 72 منهم (بنسبة 25 في المئة) إنه حقق نصف طموحات شعوبه، وقال 179منهم (بنسبة 61 في المئة) إن المجلس حقق ربع طموحات شعوبه.

الأمن أولًا

في 25 مايو 1981، استضافت الإمارات القمة الخليجية الأولى، التي تم خلالها الاتفاق على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الهدف منه تطوير تنمية العلاقات وتحقيق التنسيق والتكامل بين دول الخليج في مختلف المجالات.&

كان أمن المواطن الخليجي فوق كل اعتبار. أقرت دول مجلس التعاون في 15 فبراير 1987 الاستراتيجية الأمنية الشاملة، وهي إطار عام للتعاون الأمني بين الدول الأعضاء بمفهومه الشامل. وفي مايو 2008، أقر وزراء الداخلية مشروع تحديث وتطوير الإستراتيجية الأمنية الشاملة. كما أقرت دول التعاون الاستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب في عام 2002، وفي العام نفسه أصدرت إعلان مسقط بشأن مكافحة الإرهاب، وفي عام 2004 وقعت اتفاقية لمكافحة الإرهاب.

في ديسمبر 2000، وقعت دول المجلس اتفاقية الدفاع المشترك. وفي ديسمبر 2009، وافقت على استراتيجية دفاعية خليجية. كما تبلورت فكرة تشكيل قوات "درع الجزيرة" في عام 1982، حيث صدر قرار تأسيسها. وفي عام 2009، تم تعزيزها بقوة تدخل سريع. وفي عام 2013، تم تطويرها لتكون القيادة البرية الموحدة التابعة للقيادة العسكرية الموحدة بهذا المسمى.

وتم تأسيس اللجنة الدائمة للقائمة الإرهابية الموحدة، وهي متخصصة تهتم بدراسة إدراج أو تعديل أو رفع أسماء الجماعات والمؤسسات والكيانات والأفراد المنتمين للمنظمات الإرهابية أو المرتبطين بها أو المتعاونين معها في قائمة خليجية موحدة.

مقر قيادة موحدة

وفي 21 ديسمبر الجاري، تم توقيع اتفاقية إنشاء مقر القيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون الخليجي؛ إذ وقع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني هذه الاتفاقية في الرياض. وتأتي الاتفاقية تنفيذًا لقرار المجلس الأعلى لدول التعاون الخليجي في دورته 34 في الكويت في عام 2013، المتضمن إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس، رغبة في الوصول إلى التعاون والتنسيق في مجالي الأمن والدفاع، والمحافظة على الاستقرار بدول المجلس، وتحقيق الدفاع الذاتي انطلاقًا من مبدأ الأمن الجماعي.

وأشاد وزير الخارجية السعودي بخطوة التوقيع على الاتفاقية، التي تعبر عن "دعم المملكة للعمل الخليجي المشترك وتسهيل مهمة أعمال القيادة العسكرية الموحدة المتعلقة بنقل العمل المشترك من مرحلة التعاون إلى التكامل".

من جانبه، قال الزياني إن "التسهيلات والدعم اللذين تلقاهما الأمانة العامة ومنتسبوها من الكفاءات الخليجية من السعودية كان لهما الأثر الكبير في تيسير أعمال الأمانة ومهامها، مما مكنها من إنجاز واجباتها ومسؤولياتها لتعزيز العمل الخليجي المشترك".

بدوره، شدد قائد القيادة العسكرية الموحدة الفريق ركن عيد الشلوي على "طموح دول الخليج لإيجاد قوات عسكرية مشتركة جوية وبرية وبحرية، بالإضافة إلى قوات دفاع جوي".

القمة الأربعون بالرياض

في السياق نفسه، لا بد من الإشارة إلى أهمية القمة الخليجية الأربعين التي التأمت في الرياض في 10 ديسمبر الجاري، والتي انتهت إلى تأكيد أهمية تماسك ووحدة دول المجلس، وضرورة التكامل العسكري والأمني بينها وفقًا لاتفاقية الدفاع المشترك.

قال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في الجلسة الافتتاحية للقمة إن منطقة الخليج تمر بظروف وتحديات تستدعي تكاتف الجهود لمواجهتها، "حيث يواصل النظام الإيراني أعماله العدائية لتقويض الأمن والاستقرار ودعم الإرهاب، وهذه الظروف تتطلب منا المحافظة على مكتسبات دولنا ومصالح شعوبنا، والعمل مع المجتمع الدولي على وقف تدخلات هذا النظام"، مؤكدًا أن مجلس التعاون الخليجي تمكن منذ تأسيسه من تجاوز الأزمات التي مرت بها المنطقة".

وشدد البيان الصادر في ختام القمة الخليجية بالرياض، والتي سيطرت عليها أجواء تصالحية بوجود وفد قطري رفيع المستوى، على ضرورة العمل مع الدول الصديقة والشريكة لمواجهة أي تهديدات أمنية وعسكرية، مع التأكيد أن أي اعتداء على دولة في المجلس هو اعتداء على المجلس كله.

اقتصاديًا، شدد بيان قمة الرياض على ضرورة العمل للوصول إلى الوحدة الاقتصادية الكاملة والمواطنة الخليجية بحلول عام 2025، وضرورة تحقيق الأمن الغذائي بصفته هدفًا ثابتًا لمجلس التعاون الخليجي، وتطوير آليات الحوكمة المالية والشفافية والمساءلة، وهي كلها مسائل تهم المواطن الخليجي، وتؤثر في حياته ورخائه

وقال الزياني إن القمة الخليجية دليل ناصع على حرص القادة على انتظام عقد القمم الخليجية، حفاظاً على منظومة مجلس التعاون التي أكدت الأيام والأحداث أنها منظومة متماسكة قادرة على تجاوز الصعوبات والتحديات.

كما عبر عن أمله في أن تسفر قرارات القمة عن دفع مسيرة العمل الخليجي المشترك قدمًا، وتحقيق تطلعات وآمال مواطني دول المجلس نحو مزيد من الترابط والتعاون والتكامل.

على المستوى الاقتصادي

من أبرز نجاحات المجلس إقامة منطقة تجارة حرة أسفرت عن تأسيس الاتحاد الجمركي، وساهمت في زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء. في نوفمبر 1981، وقعت دول المجلس على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي تضمنت الأحكام الرئيسة لمنطقة التجارة الحرة لدول المجلس، ودخلت حيز التنفيذ في مارس 1983، وبمقتضاها تم إعفاء منتجات دول التعاون الصناعية والزراعية والثروات الطبيعية من الرسوم الجمركية.

كما أعلنت دول المجلس في ديسمبر 2002 عن قيام الاتحاد اعتبارًا من الأول من يناير 2003، فأصبحت دول المجلس ضمن جدار جمركي واحد، تستوفي الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية مرة واحدة فقط في نقطة الدخول الأولى. وطبقت دول المجلس تعريفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي، ما حقق فوائد كبيرة لإدارات الجمارك بالدول الأعضاء، وحقق انتقال السلع الوطنية والأجنبية نموًا ملحوظًا، وبلغ حجم التجارة البينية 121 مليار دولار في عام 2013، مقارنة بـ 15 مليارًا عام 2002. وكان هذا الإنجاز مهمًا لتوفير السلع الأجنبية لمواطني دول الخليج بأقل الأسعار.

في افتتاح أيام مجلس التعاون في سلطنة عمان في نوفمبر الماضي، قال الزياني إن عدد المواطنين الخليجيين الذين تنقلوا بين دول المجلس في عام 2017 بلغ 27 مليون مواطن، فيما يتملك 230 ألف مواطن خليجي في دول المجلس، كما بلغ عدد الخليجيين الذين يعملون في غير دولهم 29 ألفًا، وتجاوز عدد الخليجيين الذين يتملكون أسهمًا في شركات خليجية 445 ألف مواطن خليجي، مؤكدًا أن المواطنة الاقتصادية الخليجية أسهمت في تعزيز التواصل والترابط بين مواطني دول المجلس.

إلى ذلك، يتلقى 34 ألف خليجي التعليم في دول خليجية غير دولهم، وتلقى 185 ألف خليجي العلاج من غير دولهم أيضًا، فيما حصل 112 ألف خليجي على رخص لمزاولة التجارة في دول خليجية أخرى. وبلغ حجم التجارة البينية بين دول المجلس 147 مليار دولار.

في سبيل النمو

من الإنجازات الأخرى إطلاق منتدى التعاون الاستراتيجي لدول مجلس التعاون والولايات المتحدة في 31 مارس 2012، بهدف وضع إطار رسمي بين الجانبين في القضايا السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وتوقيع دول مجلس التعاون والصين مذكرة تفاهم بشأن الحوار الاستراتيجي تشمل التعاون في مجالات عديدة، أبرزها التشاور حول القضايا السياسـية، والأوضاع الإقليمية والدولية، والمجالات التجارية والاستثمارية، والطاقة والبحث العلمي، وعقد الاجتماع الوزاري المشترك الأول في بكين في 4 يونيو 2010.&

تقيم دول مجلس التعاون أيضًا حوارًا استراتيجيًا مع روسيا، وعقد الاجتماع الوزاري المشترك الأول بأبوظبي في الأول من نوفمبر 2011، ووقع الطرفان مذكرة تفاهم تنظم آليات الحوار، شملت التنسيق السياسي، والتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، والتعليم والبحث العلمي.

إخفاق غالب

لكن، في الجهة الأخرى، لا بد أن إخفاق مجلس التعاون في التوصل الى حلّ سريع للأزمة الخليجية بين الدول الخليجية الشقيقة؛ السعودية والبحرين والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، ينعكس في النتائج السلبية التي خلص إليها الاستفتاء.&

وبما أن الهدف الأول كان جعل المواطنين الخليجيين ضمن بوتقة وطنية واحدة، من دون تصدعات أو مسافات أو حدود، ربما هذا ما جعل المشاركين في الاستفتاء يتغاضون عن الإنجازات الكبيرة التي حققها المجلس، مسلطين الضوء على مسألة عجزت كل المساعي المبذولة عن تذليل العقبات التي تعيد اللحمة إلى الرابطة الخليجية، التي يرى فيها كثيرون مثالًا يحتذى على الاتحادات الإقليمية الناجحة.

لكنّ القمة الأربعين الأخيرة بالرياض كانت نذير خير على طريق إعادة الوحدة الخليجية إلى سابق عهدها، خصوصًا أن السعودية لا تغادر فرصة من دون بذلك كل الجهد اللازم لتوحيد الصفي الخليجي والعربي والإسلامي.