باريس: أكد الرئيس السابق لتحالف رينو-نيسان-ميتسوبيشي كارلوس غصن الخميس أنه تولى بمفرده تدبير خروجه المفاجئ من اليابان، حيث كان قيد الإقامة الجبرية وينتظر محاكمته في مخالفات مالية وتهرب ضريبي، في وقت تسلّم لبنان من الانتربول النشرة الحمراء بشأن قطب صناعة السيارات.

وداهمت السلطات اليابانية مقر إقامة غصن في طوكيو الخميس، بينما أوقفت تركيا، التي انتقل عبرها إلى لبنان، سبعة أشخاص بينهم أربعة طيارين، يشتبه بتقديمهم المساعدة لغصن للوصول إلى بيروت انطلاقاً من مطار في اسطنبول.

ولم تعرف بعد تفاصيل تخطي غصن للقيود الأمنية اليابانية، بينما يُنتظر أن يعقد رجل الأعمال الذي يحمل الجنسيات اللبنانية والبرازيلية والفرنسية مؤتمراً صحافياً في بيروت الأسبوع المقبل.

واستبق غصن مؤتمره، الذي لم يحدد موعده النهائي بعد وفق أحد محاميه في بيروت، بإعلانه في بيان مقتضب الخميس تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه أن "المزاعم الواردة في وسائل الإعلام بأن زوجتي كارول وأفراداً آخرين من عائلتي لعبوا دوراً في رحيلي من اليابان خاطئة وكاذبة".

وأضاف "أنا وحدي دبرت مغادرتي. عائلتي لم تلعب أي دور".

وتعدّدت الروايات التي أوردتها وسائل اعلام يابانية وأخرى أجنبية إزاء طريقة مغادرته، التي لم تتضح بعد، في ظل قيود مشددة فرضتها طوكيو منذ خروجه من السجن بكفالة في نيسان/أبريل الماضي بعد احتجازه قرابة أربعة أشهر.

وصل غصن الإثنين إلى لبنان بشكل مفاجئ على متن طائرة خاصة، في خطوة أثارت استياء واسعاً في اليابان، حيث كان من المقرر أن تبدأ محاكمته خلال الأشهر القليلة المقبلة بتهم عدم الإفصاح عن كامل دخله واستخدام أموال شركة نيسان التي أنقذها من الإفلاس للقيام بمدفوعات لمعارف شخصية واختلاس أموال الشركة للاستخدام الشخصي.

وتسلّم لبنان، الذي لا توجد بينه وبين اليابان اتفاقية لاسترداد المتهمين، وفق ما أعلن وزير العدل اللبناني ألبرت سرحان الخميس، "ما يعرف +بالنشرة الحمراء+ من الإنتربول الدولي حول ملف كارلوس غصن".

وقال سرحان، وفق الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية، إنه في غياب "اتفاقية استرداد بين الدولتين اللبنانية واليابانية، وفي إطار مبدأ المعاملة بالمثل وهو مبدأ قانوني، سنطبق إجراءات القوانين الداخلية اللبنانية".

ولا يمكن لمنظمة الانتربول إصدار أوامر اعتقال أو الشروع في تحقيقات أو ملاحقات، لكن يمكن للمحاكم الدولية أو للدول الأعضاء طلب نشر "النشرة الحمراء"، فيما لا تبيح القوانين اللبنانية تسليم المواطنين إلى دولة أجنبية لمحاكمتهم.

وتعتبر السلطات اللبنانية أن دخول غصن تمّ بصورة "شرعية". ولا توجد "أي تدابير تستدعي أخذ إجراءات بحقه أو تعرضه للملاحقة القانونية".

مداهمة في طوكيو

واستخدم غصن لدى وصوله مطار بيروت صباح الإثنين جواز سفر فرنسي وبطاقة هويته اللبنانية، وفق مصدر رسمي لبناني، وهو ما رجحته وسائل اعلام يابانية الخميس بإشارتها إلى أنه استخدم أحد جوازي سفر فرنسيين يمتلكهما.

وبثت قنوات تلفزيونية مشاهد تظهر محققين يدخلون المنزل الذي كان يسكنه غصن في طوكيو إلى حين فراره الغامض، بينما يعتزم المسؤولون في مكتب الادعاء العام دراسة كل المعطيات المتوفرة، وبينها صور لكاميرا مراقبة موضوعة عند مدخل المنزل، وكاميرات مراقبة أخرى موجودة في الحي، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن "أشخاص على علاقة بالتحقيق".

وأكد مصدر لوكالة فرانس برس أن محامي غصن في طوكيو كانوا يحتفظون بثلاثة جوازات سفر خاصة به (لبناني، فرنسي وبرازيلي) في صندوق. واعطته المحكمة إذناً خاصاً بالاحتفاظ بجواز سفره الفرنسي الثاني في علبة لم تحدد نوعها، ولا يملك كلمة سر فتحها سوى المحامين. وكان يستخدم هذا الجواز للتنقل داخل اليابان.

ورجح الاعلام المحلي أن يكون غصن قد أخرج جواز سفره الفرنسي الثاني بالقوة من علبته وقدّمه للسلطات اللبنانية لدى وصوله إلى بيروت. كما يشتبه أن يكون قد استخدم للهرب طائرة خاصة أقلعت من مطار كانساي في غرب اليابان.

وأوردت وكالة كيودو اليابانية للأنباء الخميس، أنّ غصن فرّ بمساعدة عنصري أمن خاصين، تظاهرا بأنهما ضمن فرقة موسيقية قدمت لاحياء عيد الميلاد في مقر إقامته. ونقلت عن لبناني يعمل استشارياً في طوكيو أنّ غصن اختبأ في صندوق آلة موسيقية قبل ركوبه طيارة خاصة، لافتاً إلى أن أحد رجلي الأمن يعمل لدى شركة أمن أميركية بينما الثاني موظف في شركة مماثلة لبنانية.

وكان مصدر مقرّب من غصن في باريس نفى قبل يومين لفرانس برس صحة هذه الرواية.

توقيف طيارين أتراك

ونقلت قناة ان اتش كي العامة عن مصادر مقربة من المحققين أنه من المشتبه أن يكون الرجل قد لجأ إلى "طريقة غير قانونية" للخروج من الأراضي اليابانية (أي باستخدام هوية مزيفة أو عبر التهرب من السلطات).

وفي اليابان، يجري تسجيل عمليات الدخول والخروج من البلاد داخل نظام معلوماتي، مع التقاط صورة وتسجيل بصمات الأجانب القادمين إلى اليابان.

وفي تركيا، أوقفت السلطات، وفق وكالة أنباء دوغان، سبعة أشخاص بينهم أربعة طيارين، يشتبه بأنهم ساعدوا غصن بالوصول إلى لبنان انطلاقاً من مطار في اسطنبول حطّ فيه وصولاً من اليابان.

وفتحت وزارة الداخلية التركية تحقيقاً لتحديد الظروف التي سمحت بعبور غصن للعاصمة الاقتصادية التركية قبل أن يصل لبنان، وفق ما أفادت قناة أن تي في التركية.

وأثار فرار غصن استياء واسعاً في اليابان حيث أوقفته السلطات في نوفمبر 2018 واحتجزته لمدة 130 يوماً، قبل أن تطلق سراحه بكفالة ذات شروط قاسية، بانتظار محاكمته. وأربكت خطوته كذلك فريق دفاعه الذي اعتبر أن ما قام به "غير مبرر".

وندد محامو غصن وعائلته مراراً خلال فترة اعتقاله بظروف احتجازه وبالطريقة التي تعاطى بها القضاء الياباني مع ملفه. وسمح القضاء له الشهر الماضي بالتحدث إلى زوجته للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر.

وينفي غصن كل التهم الموجهة إليه، ويشير إلى أن عمليات الدفع التي قام بها من أموال شركة نيسان كانت لشركاء في المجموعة وتمت الموافقة عليها، وأنه لم يستخدم يوماً بشكل شخصي أموال الشركة.