إيلاف من القاهرة: امتلأت ساحات وشوارع العاصمة الفرنسية، باريس، مرة أخرى، على مدار الأيام القليلة الماضية، باللافتات والبالونات والمتظاهرين وبشرطة مكافحة الشغب وقنابل الغاز المسيلة للدموع، وذلك بالاتساق مع دخول إضراب قطاع المواصلات ضد إصلاح نظام المعاشات التقاعدية، الذي بدأ في الـ 5 من ديسمبر الماضي، شهره الثاني الآن.

وقد انضم محامون ومدرسون وعمال مستشفيات للتظاهرات هذا الأسبوع، كما دخل عمال السكك الحديدية في إضراب أطول من ذلك الإضراب الذي سبق لهم أن قاموا به خلال التظاهرات التي ضربت البلاد في العام 1995، والتي أجبرت الحكومة وقتها، تحت قيادة آلان جوبيه، على إلغاء خطط إصلاح المعاشات التقاعدية الخاصة بها.

وتحدث تقرير نشرته بهذا الخصوص مجلة الايكونوميست البريطانية عن تلك التظاهرات العارمة التي يواجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، منوهة إلى أن عدد المتظاهرين الذين كانوا بالشوارع في أحد أيام شهر ديسمبر الماضي لم يسبق أن خرج على ماكرون منذ توليه الرئاسة، فقد كان هذا العدد هو العدد الأكبر على الإطلاق.

وفي تقريرها الذي عنونته بـ "احتجاجات باريس الكبرى هي أقسى اختبار يواجه ماكرون إلى الآن"، تحدثت المجلة عن أهمية موعد وآلية إنهاء هذا الصراع، من منطلق أن ذلك سيكون مقياساً للوقوف على مدى صدق ماكرون في سابق تصريحاته التي روَّج من خلالها لقدرته على "تحويل فرنسا" بطريقة لم ينجح بها أحد من سابقيه.

وتابعت المجلة بقولها إن نظام التقاعد الإلزامي الفرنسي، المكون من 14 نظاماً مختلفاً، يستهلك 14 % من إجمالي الناتج المحلي. فخلال فترة تواجد الفرنسيين بالخدمة، فإنهم يحصلون في المتوسط على 60 % من أرباح ما قبل التقاعد.

ونتيجة لزيادة متوسط طول العمر المتوقع (80 عاماً للرجال و86 عاماً للنساء)، فإنهم يقضون ما يقرب من ربع قرن في سن التقاعد.

وأضافت المجلة أن الأشخاص المتقاعدين في "الأنظمة الخاصة" يتقاعدون مبكراً حتى عن الحد الأدنى للسن القانونية ال 62.

ويمكن لسائقي القطارات أن يتوقفوا عن العمل عند سن ال 50، وهو أمر معمول به منذ زمن بعيد. ونظراً لأن المعاشات التقاعدية اليوم يتم دفعها مقابل رسوم تفرض على العمال الآن، فإن النظام بحاجة إلى تغيير مستمر.

وبحسب المجلس الاستشاري الرسمي للمعاشات التقاعدية، فإن العجز الإجمالي للمعاشات سيتراوح ما بين 8.9 مليارات دولار إلى 19.7 مليار دولار بحلول عام 2025.

وأضافت المجلة أنه بينما قد يواجه ماكرون ذلك بإقرار زيادة طفيفة نسبتها 0.7 % في رسوم التقاعد (على أمل سد فجوة التمويل بحلول 2025)، لكنه أعلن عن ترشحه للرئاسة في 2017 انطلاقاً من أهداف أكبر من ذلك، حيث تعهد وقتها بإعادة تشكيل أنظمة العمل، التدريب والرعاية الاجتماعية للتشجيع على خلق فرص عمل، وتعهّد بتهيئة فرنسا لعصر ما بعد الرواتب، وبتسهيل التنقل وحماية الناس بدلاً من الوظائف.

وأمام الرفض التام لأعضاء الاتحاد العام للعمل لكل خطط الحكومة بشأن مشروع إصلاح المعاشات التقاعدية، فقد أكد ماكرون من جانبه أنه متمسك بخططه الإصلاحية وإذ تأمل الحكومة أن تتوصل لاتفاق مع الكونفدرالية الديمقراطية للعمل، التي تعتبر الآن النقابة الأولى في فرنسا.

وختمت الايكونوميست بقولها إن مصير هذا الصراع سيعتمد على الزخم الذي سيحدث الأسبوع المقبل أو الأيام التي ستليه.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرّف عن "الايكونوميست". الرابط الأصلي هنا:

https://www.economist.com/europe/2020/01/09/big-protests-in-paris-are-emmanuel-macrons-severest-test-yet