قالت أغلبية قراء "إيلاف" إن مقتل قاسم سليماني سيدفع إيران إلى إعادة حساباتها في سياسة التدخل في شؤون دول الجوار، من ضمن سياسة تحقيق المكاسب السياسية من عملية اغتيال رجلها الأقوى.

إيلاف من بيروت: عند خروجه من مطار بغداد فجر الجمعة 3 يناير الجاري، قتلت مسيرةٌ أميركية الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد ما يسمى بفيلق القدس، والرجل الأقوى في إيران والمسؤول عن الاستراتيجيات الأميركية في العالم الموالي لطهران. لا شك في أن هذا الاغتيال ليس مسألة سهلة بالنسبة إلى طهران، فسألت "إيلاف" القارئ العربي: "كيف ترى تأثير اغتيال سليماني على تدخلات إيران في الجوار؟"

استجاب لهذا الاستفتاء 394 قارئًا، اختار 108 منهم خيار "تصعيد"، بنسبة 27 في المئة، واختار 53 منهم خيار "عرقلة"، بنسبة 13 في المئة، فيما اختار 233 منهم خيار "إعادة حسابات"، بنسبة 60 في المئة.

الخليج

لطالما عرف سليماني بأنه محرّك الأذرع الإيرانية في دول جوار إيران، وفي مقدمها دول الخليج العربي. ربما مبكر بعد الحديث عن تأثير مقتل سلمياني على أمن الخليج، خصوصًا أن المنطقة تدخل بهذا الاغتيال، وبالرد الإيراني الصوري على الاغتيال، مرحلة ضبابية، مع إصرار طهران على إشاعة حالة من التخويف لتقول من خلالها إنها ما زالت تدير المشهد الخليجي، وما زالت قادرة على زعزعة الأمن الإقليمي.

يقول مراقبون إن هذه الحال ستستمر، لأن إيران تعيد حساباتها بعد اغتيال رجلها القوي، إلى أن يحدث ما يغير المشهد الإيراني – الأميركي الملتبس، خصوصًا أن ثمة من يقول إن إيران ربما تستفيد من مقتل سليماني لتحقيق خطوات متقدمة في المفاوضات مع الأميركيين، وهذا ما ظهر حين قال وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إن إيران ستلتزم الاتفاق النووي إن رفعت أميركا العقوبات عنها، وهذا حديث ليس الآن أوانه أبدًا، فيما دم سليماني لم يكن قد برد بعد.

فإيران إذًا تبحث عن تحقيق مكاسب سياسية من حدث الاغتيال، من خلال تمثيل دور الضحية، ودور المحافظ على السلام العالمي باكتفائها برد مدروس، وصل في مستواه المتراجع إلى إنذار الأميركيين في قاعدة عين الأسد قبل ساعات من الهجمات الصاروخية، وتهديف القصف بشكل لا يودي بحياة أي أميركي.

العراق

إنها إعادة حسابات إيرانية واضحة، بعيدًا عن التصعيد أو العرقلة. فربما تكون طهران تتعامل مع الحدث بواقعية متناهية، خصوصًا أن العراق، الدولة المجاورة والواقعة مباشرة تحت التأثير "السليماني"، والأراضي التي شهدت مقتله، ينحو بمشهديه السياسي والديني إلى النأي بالنفس عن النفوذ الإيراني، وعن الصراع الإيراني – الأميركي.

فقد ندد المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني الجمعة، بالهجمات الأخيرة التي استهدفت الأراضي العراقية، خلال تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، مساويًا بين إيران وأميركا، قائلًا: "ما وقع في الأيام الاخيرة من اعتداءات خطيرة وانتهاكات متكررة للسيادة العراقية مع ضعف ظاهر للسلطات المعنية في حماية البلد وأهله من تلك الاعتداءات والانتهاكات، المطلوب أن يكون العراق سيد نفسه يحكمه أبناؤه ولا دور للغرباء في قراراته".

سياسيًا، أعلنت وزارة الخارجية العراقية الخميس أنها استدعت السفير الإيراني لإبلاغه رفض العراق ضرب قواعد عسكرية على أراضيه وأنه يعتبر الإجراء خرقًا لسيادته، وهي كانت استدعت السفير الأميركي لإبلاغه رسالة مشابهة بعيد مقتل سليماني.
سوريا

ربما يظهر الأثر الأبرز لمقتل سليماني في سوريا، حيث كان لحضوره الدور الأبرز في قمع الشعب السوري وقتله، لصالح النظام وبشار الأسد. يقول مراقبون إن اغتيال سليماني سيكون له أثر بالغ على نفوذ إيراني في سوريا، فمقتل سليماني ضربة قوية لهذا النفوذ، خصوصًا أن فيلق القدس كان أحد أركان القوة الخارجية التي أنجدت النظام السوري في حربه على الشعب السوري، حين أوشكت المعارضة السورية على إسقاطه، وأن سليماني أشرف شخصيًا على تأسيس المليشيات الموالية لإيران في سوريا.

لا شك في أن مقتله أضعف هذه الميليشيات التي تتعرض يوميًا لضربات بالمسيرات الأميركية في البوكمال السورية والقائم العراقية، "وهذه منطقة استراتيجية لإيران، لأنها تربط بين إيران ولبنان والبحر المتوسط"، وبالتالي، لن تتوانى إيران عن إعادة حساباتها في المنطقة، في ضوء خلط الأوراق الجاري على الجبهات كلها، مع سعي إيران إلى تحقيق أثمن المكاسب السياسية من عملية الاغتيال، خصوصًا أن النقمة الشعبية في الداخل الإيراني نار تحت الرماد.

لبنان

ربما يكون لبنان هو الساحة "الإيرانية" الوحيدة التي تشهد تشددًا موازيًا لإعادة الحسابات الإيرانية، مع خطب رنانة لحسن نصرالله، رئيس ميليشيا حزب الله التي كان سليماني مرجعها الأول، مليئة بالتهديد الموجه إلى الأميركيين، وبالطلب إلى العراقيين بإخراج الأميركيين "بالتوابيت".

تمظهر هذا التشدد من جانب وريث سليماني في تعقد التشكيل الحكومي المتعثر في لبنان، وعودة حزب الله وأتباعه إلى نغمة "حكومة سياسية مغلفة بغلاف تكنوقراطي"، خصوصًا بعد تصريح نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني ورديف نصرالله عل الساحة الشيعية، أن الأنسب اليوم، في ظل الأوضاع الإقليمية، العودة إلى حكومة "لم شمل" سياسية، مع تعويم رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري. هذا التصريح أججت نيران التساؤلات حول إذا كان اغتيال سليماني يستوجب فعليًا رسم حكومة سياسية تضاعف تغطية أعمال حزب الله، إذا ما اندفع نصرالله في لحظة هائجة إلى إشعال المنطقة بحرب قاسية ضد إسرائيل أو الأميركيين، رابطًا لبنان بتطورات العراق ومتاعب إيران فيه، مع توسع نطاق الاحتجاجات الشعبية، والجهد الإيراني لحرفها عن مسيرها بتوريطها بمواجهة عبثية مع الولايات المتحدة.

اليمن

يرى مراقبون خليجيون أن مقتل سليماني خسارة كبيرة للمشروع الإيراني في اليمن، خصوصًا مشروع الهيمنة والتوسع الذي دأبت عليه إيران، وباعتباره القناة والوسيلة الوحيدة الذي تمتلكه طهران مع جماعة الحوثيين.

بحسبهم، لمقتل الجنرال الإيراني تأثير معنوي، يكسر غرور الحوثيين وطموحهم، وهذا ما عكسته ردة فعل قادتهم، فقناة التواصل بينهم وإيران انتهت بمقتل سليماني، في وقت تمر فيه الميليشيا الحوثية بضائقة كبيرة. هذا ما جعل الحوثيين في مواجهة مع الأميركيين، بعدما كانت واشنطن ترعى حوارًا بينهم وبين السعودية. فبعد الاغتيال، ينتظر الحوثيون أوامر طهران لتأجيج صراعهم مع الأميركيين. لكن، بحسب ما يبدو من سياسى إعادة الحسابات الإيرانية كما ظهر من الرد الصوري على اغتيال سليماني، يتفاءل المراقبون بأن تكون الأزمة اليمنية تتجه نحو حلحلة ما، خصوصًا أن سياسة تحقيق المكاسب الإيرانية ستدفع طهران إلى تليين موقفها في اليمن، لخفض مساوئ التوتر مع دول الخليج العربي.

إسرائيل

قالت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إن لمقتل سليماني تأثيرًا كبيرًا على إسرائيل، وإن إسرائيل مجبرة اليوم على تغيير استراتيجيتها السياسية والعسكرية بعد الاغتيال من حيث عمل الاستخبارات وإجراء مناورات وتدريبات عسكرية مكثفة.

أضافت الصحيفة أن مقتل سليماني زاد العبء الأمني على إسرائيل، كونها باتت مجبرة على مراقبة البرنامج النووي الإيراني مجددًا، ومراقبة صواريخ حزب الله.

أوردت الصحيفة أن تأثير مقتل سليماني لم يقف عند إسرائيل ووجوب إجراء تغيير استراتيجي في سياساتها فحسب، وإنما تجاه الولايات المتحدة نفسها؛ إذ ستعمل على تغيير سياسة الإدارة الأميركية تجاه الشرق الأوسط مرة أخرى.

لكن، من جانب آخر، يقول مراقبون إن ليس على إسرائيل من خوف، ولم يكن لها أن تخاف من سليماني يومًا، فهو قائد فيلق القدس الي حارب في كل مكان إلا في القدس. يضيف هؤلاء المراقبون أن من سمع خطاب نصرالله التهديدي الأخير، لاحظ أنه لم يذكر إسرائيل ولا حتى مرة واحدة، في ما يبدو أنها رسالة تطمين إلى الإسرائيليين، بأن المواجهة اليوم محصورة بالأميركيين وحدهم.