كلما اشتدت الأزمة الاقتصادية كلما كانت عواقبها وخيمة على المواطنين، وكلما انعكست تراجعًا في القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع نسبة البطالة وتراجع الرواتب، فهل تكون الهجرة هي الحل؟.

إيلاف من بيروت: الحل الأسرع للانتقال من هذا الواقع نحو واقع أفضل هو الهجرة، خصوصًا أنّ اللبناني يتمتّع بمهارات عالية. فهل ازدادت حالات الهجرة نتيجة الأزمة؟.. وما العوائق التي تحدّ من انتشارها؟.

يكاد لا يخلو بيت في لبنان من مهاجر، إذ باتت بلدان الاغتراب ملاذًا آمنًا وحلمًا يسعى إليه الشباب اللبناني هربًا من الواقع المعيشي والاقتصادي الصعب وضيق فرص العمل.

وعلى الرغم من عائدات المهاجرين التي تدعم معيشة الأسر وترفد الاقتصاد اللبناني بالعملة الصعبة، إلا أن الأرقام الأخيرة التي توثق أعداد المهاجرين اللبنانيين مخيفة وكافية لدق ناقوس الخطر، مع حرمان لبنان من طاقات اقتصادية وثقافية شابة وغنية.

إذ تشير الأرقام إلى هجرة 34.502 في عام 2018، وارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 50 ألف مهاجر في عام 2019.

الواقع أيضًا يشير إلى مدى صعوبة العيش في لبنان وعدم قدرة المواطنين على تحمّل الأوضاع الضاغطة، إذ شهدت السفارة الكندية في لبنان احتجاجات عدة على أبوابها من قبل شباب لبنانيين ولاجئين سوريين وفلسطينيين مطالبين بفتح باب الهجرة.

بل أكثر من ذلك، فسوء الأحوال دفع بعائلات لبنانية وسورية إلى مغادرة لبنان بقوارب الموت غير آبهين بالنتائج، إذ أوقفت دورية من القوات البحرية في الجيش اللبناني مركبًا أثناء محاولته مغادرة المياه الإقليمية اللبنانية بطريقة غير شرعية، وعلى متنه 41 شخصًا من الجنسيتين اللبنانية والسورية، ما يطرح علامات استفهام حول أعداد المهاجرين غير الشرعيين، التي تضاف على الأرقام شبه الرسمية للمهاجرين من جهة، والظروف التي تدفع هؤلاء إلى المخاطرة بحياتهم وحياة أطفالهم من أجل الهرب من جهة ثانية؟.

معدلات خطيرة
في هذا السياق، يقول عضو كتلة المستقبل النائب طارق المرعبي، لـ"إيلاف" إن "المعدلات خطيرة لظاهرة الهجرة في لبنان"،
وفي سؤال افتراضي في حال لم يكن عضوًا في البرلمان، هل كان فكر المرعبي كغيره من الشباب اللبناني بالهجرة، يقول إنه "لا شك في أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية صعبة لغالبية الشعب اللبناني، بمن فيهم الشباب اللبناني الذين يعانون من شح فرص العمل، حتى بات كل منزل لا يخلو من مهاجر".

ويتابع: "لكن أنا متفائل أن الأوضاع في لبنان سوف تتحسن اقتصاديًا واجتماعيًا، وعلينا أن نصبر وأن نزرع التفاؤل، لأن لبنان بحاجة الى أبنائه، كي يساهموا في نهضته التي نتطلع إليها قريبًا".

أسباب ونتائج
يبقى السؤال ما هي أسباب الهجرة، ووقائعها المتنوّعة وانعكاساتها على لبنان سلبًا وإيجابًا؟.

وحدها الإحصاءات والأرقام كفيلة بإيضاح مدى خطورة تفاقم ظاهرة الهجرة في لبنان الذي يوازي عدد اللبنانيين المقيمين على أرضه نحو ربع عددهم الإجمالي، فيما يعيش أكثر من ثلاثة أرباع أبنائه في بلدان الهجرة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وقد ازداد عددهم ونسبتهم في الهجرة بعد الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990. ولا تزال ترتفع حتى يومنا هذا.

وقد صنفت مجلّة الشؤون الخارجية الأميركية لبنان منذ العام 2011 في دائرة "التحذير العالي جدًا". فالهجرة الخارجية تعدّ القضية الاجتماعية الأكثر بروزًا في المجتمع اللبناني، لا سيّما أن نحو 30 في المائة من المقيمين على أراضيه هم من غير اللبنانيين، وقد وصلت هذه النسبة إلى مستوى لم يعرفه أي بلد آخر.

كما تظهر دراسة لمجلة "الدولية للمعلومات" أرقامًا غير مطمئنة عن هجرة اللبنانيين إلى الخارج، فخلال عام 2018 غادر أكثر من 34 ألف لبناني بلدهم، ولم يعودوا إليه، وهو رقم يزيد على عام 2017، الذي هاجر فيه 18 ألف لبناني بلدهم بشكل نهائي، و11 ألفًا غادروه في العام 2016 من غير عودة إليه، ما يعني أن هذا النزيف البشري في ارتفاع مستمر، وهو انعكاس طبيعي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان، ومؤشر خطير إلى المستقبل، خصوصًا أن أكثرية المغادرين هي من الفئات الشّابة.

وما يزيد من الخطورة أنه وبحسب "الدولية للمعلومات" غادر لبنان منذ عام 1992 من دون العودة إليه حتى نهاية العام الماضي، 600 ألف لبناني، أي بمعدل 22.300 شخص سنويًا، وهو رقم يكاد يكون الأعلى في كل دول العالم من حيث نسبة المهاجرين والمغتربين مقارنة بعدد السكان الإجمالي.