دمشق: في مخيم الهول المكتظ في شمال شرق سوريا، تناشد الشابة الفرنسية أم محمد حكومة بلادها منحها فرصة جديدة مع أطفالها الأربعة عبر إعادتهم إلى فرنسا التي غادرتها قبل سنوات نحو أرض "الخلافة" التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية.

وتقول أم محمد (30 عاماً) مستخدمة اسماً مستعاراً لوكالة فرانس برس داخل القسم المخصص لعائلات المقاتلين الأجانب في المخيم، "أوجه رسالة إلى فرنسا، نطلب منهم أن يمنحونا فرصة أخرى لأننا تعبنا كثيراً، ونودّ بالفعل أن يلتحق أطفالنا بالمدارس".

وتوضح السيدة المنقبة أنّ زوجها "الفرنسي أيضاً" قتل "قبل فترة طويلة في هجين"، إحدى أبرز البلدات التي كانت تحت سيطرة التنظيم المتطرف في شرق سوريا قبل طرده منها نهاية العام 2018.

وتعيش أم محمد مع أطفالها في مخيم الهول، أكبر المخيمات الثلاثة التي تديرها الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا وتأوي 12 ألف طفل وامرأة من عائلات الجهاديين الأجانب.

وعلى غرار عشرات الآلاف من النازحين وعائلات الجهاديين في المخيم، تعاني من ظروف معيشية صعبة خصوصاً خلال فصل الشتاء، إذ تُغرق الأمطار الخيم وتنخفض درجات الحرارة إلى حدّ كبير بغياب وسائل كافية للتدفئة.

بين الخيم، يلهو الأطفال وسط ما يشبه مستنقع طين. يمكن رؤية نساء منقبات يهرعن للحصول على مساعدات إنسانية، بينما تنتظر أخريات أمام عيادات طبية، فيما يقصد عدد منهن سوق المخيم لشراء احتياجاتهن.

وتقول أم محمد باللغة الفرنسية "نودّ أن تعيدنا الحكومة الفرنسية، وأنا أعلم أن عدداً كبيراً يرغب بذلك، هذا واضح"، مشيرة الى أن "ثمّة جزءا آخر لا يريد ذلك وهذه مشكلته".

وتتابع بانفعال "فلنحاكم في فرنسا وينتهي الأمر"، قبل أن تضيف بحزم "لم أقتل أحداً (...) ليست لديهم أدلة أساساً لمحاكمتي لأنني لم أفعل شيئاً".

وعلى غرار غالبية الأجنبيات اللواتي يتحدثن لوسائل الإعلام، تقول أم محمد إنها قصدت سوريا رغبة منها بأن "تعيش الإسلام الحقيقي وتتمكن من ارتداء النقاب بحرية"، إلا أنها اكتشفت بعد وصولها أن "الوضع هنا أكثر صعوبة مما كان عليه في فرنسا".

- عودة مشروطة -

وتنتشر آلاف الخيم البيضاء قرب بعضها البعض في المخيم. كما توجد أعمدة للطاقة الشمسية، وخزانات مياه في كل ناحية، وفي بعض الزوايا أسواق خضار ومواد غذائية وثياب مزدحمة بالناس.

وتعيش الأجنبيات مع أطفالهن في قسم خاص يخضع لحراسة أمنية مشددة. حتى أن عناصر الأمن الكردي يرافقون النساء متى رغبن بزيارة العيادات الطبية.

ولا تخفي الشابة الفرنسية نور (23 عاماً) التي تمتنع عن ذكر اسمها الكامل لفرانس برس، رغبتها بالعودة إلى بلدها أيضاً، إذ إن "الحياة في المخيم ليست الأفضل (...) نعيش في خيم وسط البرد، الناس مرضى (...) لا يحق لنا استخدام الهاتف أو التواصل مع عائلاتنا".

إلا أن عودتها مشروطة بعدم فصلها عن أطفالها. وتقول "إذا كان هناك من ترحيل، نرغب ألا يتم فصلنا عن أطفالنا وأن نبقى معاً. أما إذا كان الهدف إبعادنا عنهم، فلا أجد فائدة في ترحيلنا".

وتقرّ الشابة المنقّبة بأن "مشقات" عدة ستواجهها في حال عودتها إلى فرنسا قبل أن تبدأ "حياة جديدة"، وترفض سجنها "لعشر سنوات" بعيداً عن أطفالها.

وتقول "قمنا بمغامرة.. نريد العودة فقط. لا أريد البقاء في هذا المخيم، هذا كل ما في الأمر، وأرغب بأن أعيش حياة طبيعية".

وأعلنت فرنسا تحت ضغط من الرأي العام، أنها ستكتفي على الأرجح بإعادة الأطفال اليتامى من أبناء الجهاديين الفرنسيين. ولم تقبل حتى الآن باستعادة الأطفال الفرنسيين إلا بعد درس "كل حالة على حدة". وفي يونيو، استعادت فرنسا 12 طفلاً معظمهم يتامى.

وتقدر فرنسا وجود نحو 450 فرنسياً محتجزين أو يقبعون في مخيمات النزوح لدى الأكراد في سوريا.

- "فرنسا لا تريدنا" -

ومنذ إعلانهم القضاء على "خلافة" التنظيم المتطرف في مارس، يطالب الأكراد الدول المعنية باستعادة مواطنيهم المحتجزين لديهم أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمة الجهاديين. إلا أن غالبية الدول، وخصوصاً الأوروبية، تصر على عدم استعادة مواطنيها.

وقالت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبي في 11 يناير "إذا لم تكن هناك إمكانية لمحاكمتهم في المكان، فأنا لا أرى حلاً آخر سوى إعادة هؤلاء الناس إلى فرنسا"، في تصريحات بدت وكأنها تخالف موقف باريس المعلن. وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لاحقاً ضرورة محاكمة هؤلاء في "مكان ارتكاب جرمهم".

في القسم المخصص لـ"المهاجرات"، وهي التسمية التي تطلق على الأجنبيات من زوجات مقاتلي التنظيم، تمتنع نسوة عديدات عن التحدث إلى وسائل الاعلام. ويفضّل البعض الآخر التحدث بعيداً عن أعين القاطنات في القسم ذاته، إذ تسعى بعض النساء الى منعهن، متحججات بتطبيق قواعد تنظيم الدولة الإسلامية بعدم التحدث الى الصحافيين.

باقتضاب، تجيب أمل التي تستخدم اسماً مستعاراً على أسئلة فرانس برس أثناء تجولها في السوق لشراء ثياب لأطفالها بينما تستخدم عكازتين للسير جراء إصابتها في رجلها بقصف على بلدة الباغوز، آخر بلدة كان يسيطر عليها التنظيم في سوريا قبل أن تطرده قوات سوريا الديموقراطية، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، منها بدعم أميركي.

لدى سؤالها عن فرنسا، تجيب السيدة "ليس لدي ما أقوله، هذا كل ما في الأمر، سأسكت". وترفض أن تكشف أي تفاصيل عن زوجها الذي قتل خلال المعارك ضد التنظيم أو عن جنسيته، مشيرة الى أنه ليس فرنسياً.

وتضيف باختصار "فرنسا لا تريدنا (...) لا تريد داعش"، مضيفة "أنا لا أريد أن يحاكمني أحد".