التنسيق بين الرياض أبو ظبي لا يتوقف عند حدود، فالشراكة الاقتصادية بين البلدين هي اللبنة الصلبة التي تبني عليها الدولتان تنسيقهما السياسي المستمر، حتى التكامل.

إيلاف من دبي: ربما ليس من باب المبالغة القول إن متانة العلاقات السعودية – الإماراتية تجاوزت خطوط التنسيق، لتبلغ مبلغ التكامل على المستوى الاستراتيجي. في كتابه "العلاقات السعودية – الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة"، يتناول تركي الدخيل، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، تفصيلات لا بد من ذكرها عند الحديث عن التكامل بين البلدين.

خلوة العزم
في 13 أبريل 2017، استضافت الرياض الاجتماع السنوي الثاني لـ"خلوة العزم"، حضره نحو 200 مسؤول من الدولتين. وفي 7 يونيو 2018، عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي−الإماراتي، وأثمر توقيع 20 مذكرة تفاهم تعزز التكامل السعودي – الإماراتي، وتعلن الرؤية التكاملية بين الدولتين الشقيقتين. ترجمت المذكرة في المشروعات الاستراتيجية المشتركة، البالغ عددها 44 مشروعًا، في إطار "استراتيجية العزم" التي وضع لها سقف زمني لا يتعدى 60 شهرًا للتنفيذ.

وبحسب الدخيل، تهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق أنموذج استثنائي للتكامل والتعاون بين البلدين، عبر تنفيذ مشروعات استراتيجية مشتركة، من أجل سعادة شعبي البلدين ورخائهما. تضم هذه الاستراتيجية ثلاثة محاور رئيسة: المحور الاقتصادي، والمحور البشري والمعرفي، والمحور السياسي والأمني والعسكري؛ إلى جانب 44 مشروعًا مشتركًا من أصل 175 مشروعًا، وتهدف في مجملها إلى تعزيز التعاون بين البلدين، ودعم منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بما يمهد لمرحلة جديدة من العمل المثمر للطرفين.

مرحلة جديدة في التكامل
في شرح مسهب، قال الدخيل إن هذه الاستراتيجية تضم الصناديق الاستثمارية والشركات التي تعمل في الاستثمار الزراعي وصندوقًا للطاقة المتجددة وصندوقًا للاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة. واتفق الطرفان على تفعيل الصناعات التحويلية، وتنفيذ مشروع الربط الكهربائي، وإنشاء مركز مشترك لتطوير تقنية تحلية المياه، والتعاون في مشروعات البنية التحتية، بقيمة 150 مليار دولار سنويًا، وإنشاء مشروعات إسكانية... وغيرها.

لقراءة الحلقة الأولى من الموضوع:
فلسفة التحالف السعودي – الإماراتي: جذور التاريخ تغذّي الحاضر

كما تمثل المشروعات مرحلة جديدة في التكامل بين الدولتين، وتضم مبادرة لتحسين تجربة المواطن للخدمات الحكومية في البلدين، وإطلاق برنامج الرفاه السكني، وإطلاق سياسة تمكين القطاع المصرفي، وإنشاء صندوق للاستثمار في المشروعات المتوسطة والصغيرة، بالمشاركة مع القطاع الخاص.

فرص هائلة واستثنائية
يقول الدخيل إن الشيخ محمد بن زايد أكد أهمية التكامل والتحالف الإماراتي – السعودي وعمق العلاقات بين البلدين بقوله: "لدينا فرصة تاريخية لخلق نموذج تكامل عربي استثنائي، وبتكاملنا وتعاضدنا وتوحُّدنا نحمي مكتسباتنا، ونقوي اقتصاداتنا، ونبني مستقبلًا أفضل لشعوبنا؛ نحن نشكل أكبر اقتصادين عربيّين، والقوتين الأحدث تسليحًا، ونسيجًا اجتماعيًا واحدًا، وشعبين يشكل الشباب غالبيتهما، يطمحان إلى قفزات تنموية كبيرة في البلدين"، موضحًا أن "اقتصادي الإمارات والسعودية يمثلان ناتجًا محليًا إجماليًا يبلغ تريليون دولار، وصادراتهما المشتركة الرابعة عالميًا بقيمة 750 مليار دولار، إضافة إلى 150 مليارًا سنويًا إجمالي مشروعات البنية التحتية; ما يولد فرصًا هائلة واستثنائية للتعاون".

بالأرقام
بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال النصف الأول من عام 2018 نحو 38.4 مليار درهم, وتعدُّ السعودية رابع أكبر شريك تجاري عالمي للإمارات، كما تتصدر الإمارات الدول الخليجية المصدِّرة إلى السعودية والمستوردة منها. وتجاوزت قيمة الاستثمارات السعودية في الإمارات 35 مليار درهم، وتعمل فيها نحو 23 ألف شركة سعودية، و66 وكالة تجارية، كما يبلغ عدد المشروعات الإماراتية في المملكة نحو 114 مشروعًا مقابل 206 مشروعات سعودية في الإمارات.

بنهاية عام 2018، وصل حجم التبادل التجاري بين السعودية والإمارات إلى 105.514 مليون ريال، حيث جاءت الإمارات ثالث أكبر مصدر إلى السعودية بعد الصين والولايات المتحدة، وبلغ حجم الصادرات الإماراتية إلى المملكة 43441 مليون ريال. كما جاءت الإمارات سادس أكبر مستورد من السعودية لعام 2018، بعد الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة؛ حيث بلغ حجم الصادرات السعودية إلى الإمارات 62073 مليون ريال.

خلال الربع الأول من عام 2019، استحوذت الإمارات على 43.3 في المئة من حجم التجارة السعودية عربيًا، مقارنة بنسبة 51.4 في المئة في الربع الأول من عام 2018، ويعود الاختلاف بين الربعين إلى تراجع صادرات السعودية بنسبة 2.29 في المئة في الربع الأول من عام 2019 مقارنة بالربع الأول من عام 2018.

تعاون اقتصادي وثيق يعزز العلاقات
يساهم مجلس التنسيق السعودي – الإماراتي في رسم خريطة تشاركية تعزز التنافس الإيجابي، وبحسب الدخيل، عبَّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في دافوس الصحراء بالرياض عن إعجابه بتجربة ضيفه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عندما قال: "إن دبي نموذج يحتذى به"، مضيفًا: "الشيخ محمد بن راشد رفع سقف النجاح في الشرق الأوسط".

وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، قد قال عن رؤية السعودية 2030، التي تبناها ويقودها ولي العهد السعودي: "حديث أخي محمد بن سلمان يستشرف المستقبل، ويحمل أبعادًا وطنية واستراتيجية تعود بالخير على المملكة والمنطقة".

إن العلاقات الاقتصادية تشكل ركيزة مهمة في توطيد التكامل بين البلدين، "فمثلت دولة الإمارات العربية المتحدة ثالث أكبر مورِّد إلى المملكة العربية السعودية، وسادس أكبر مستورد منها في عام 2017، بنسبة 7 في المئة من إجمالي الصادرات السعودية".