معًا في السراء والضراء. كما في النمو الاقتصادي والتكامل السياسي، كذلك في مواجهة التطرف وإرهاب الدولة، وكل من تسوّل له نفسه تهديد السلم العربي أو الإسلامي أو الخليجي.

إيلاف من دبي: برهنت العلاقات السعودية – الإماراتية عن متانة ومنعة كبيرتين، إذ توحّدت جهود الدولتين في مكافحة التطرف والحركات الجهادية والإسلام السياسي وإرهاب الدولة. في كتابه "العلاقات السعودية – الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة"، يتناول تركي الدخيل، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، رحلة لا تنتهي من التعاون في سبيل الدفاع عن حق الإنسان في الدول العربية والإسلامية في العيش بأمان..

مواجهة الإسلام السياسي
يقول الدخيل إن الوعي بخطورة الجماعات الإسلامية المسيسة في السعودية والإمارات تنامى تدريجًا ـ "إلى أن اكتملت الآراء القانونية القاضية بمنع جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها من تخريب السلم الاجتماعي وتهديد الاستقرار السياسي؛ لدورها المباشر في دعم الإرهاب وتبريره، وبالتالي صنّفت الرياض وأبوظبي جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في عام 2014".

وبحسبه، حين ربطت "دول الاستقرار" بين الثورات الفوضوية والإخوان المسلمين، كانت هناك حقائق ثقافية غائبة عن بعضهم تنص على أن الإرهاب الإخواني يحمل في جذره فكرة الحرب الأهلية، تحت اسم "العدو الداخلي".

كان أي ضعف للدولة الوطنية وأي فوضى مثار فرحة لدى الإخوان، وفرصة للبناء الهدام؛ لذا بذلت الجماعات الإسلاموية وداعموها كل الطاقات للإسهام في صناعة أحداث عام 2011 واستغلالها بنشر الفوضى، لخلق مساحات فارغة يمكنهم احتلالها.

تجاوز محور صناعة الفوضى الإسلاموي حينها مرحلة التخطيط إلى العمل الفعلي المنظم، في مشروع تفتيت الدولة العربية وتفريغ مؤسساتها من دعائمها، ليحل محلها مؤسسات الجماعة وكوادرها وأصولها، فيما سعى "تحالف الاستقرار العربي" بقيادة السعودية والإمارات إلى تعزيز استقرار فكرة الدولة والحفاظ عليها، أو ما تبقى منها، لأنها الأساس لضمان المحافظة على أمن المواطن وتوفير ما أمكن من الاستقرار لحياته.

ثلاثة محاور
في عام 2014، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، أو النسخة الجديدة الأكثر عنفًا من القاعدة، والتي تزعم أنها العائدة بالخلافة الإسلامية إلى العالم.

إقرأ في "إيلاف" أيضًا الحلقتين الأولتين من هذا الموضوع

فلسفة التحالف السعودي – الإماراتي: جذور التاريخ تغذّي الحاضر

التنسيق السعودي – الإماراتي متزايد حتى التكامل

يقول الدخيل إن شكل داعش الظاهري ذات التطرف العنيف انطلى على كثير من الدول، "بينما كان الوعي السعودي والإماراتي يدرك أنه ليس سوى امتداد لتطرف يبدو لبعضهم غير عنيف، رعته التنظيمات المتطرفة فكريًا، ويخدم أهدافها السياسية. وينسب الدخيل إلى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في مقاله "داعش التي وحدت العالم"، قوله: "بالنسبة إلى مواجهة هذا الخطر؛ فإضافة إلى العمل العسكري، والحصار المالي والإعلامي، وقطع الموارد، وإغلاق المنافذ، وضرب مراكزه وقياداته، يمكن التغلب على داعش وغيره من المنظمات الإرهابية عبر ثلاثة محاور إضافية؛ أولًا: لا بد من مواجهة هذا الفكر الخبيث بفكر مستنير منفتح يقبل الآخر ويتعايش معه. ثانيًا: الحكومات القوية المستقرة الجامعة التي تركز على تقديم خدمات حقيقية إلى شعوبها من دون تفرقة هي أيضًا أحد الحلول المهمة. ثالثًا: لا يمكن للعالم تجاهل الإخفاقات التنموية في العديد من مناطق الشرق الأوسط". وتختصر هذه المحاور الثلاثة الأسس الاستراتيجية السعودية − الإماراتية المشتركة لمكافحة التنظيمات الإرهابية.

التحالف الإسلامي
شاركت السعودية والإمارات في تأسيس التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بكفاءة قتالية ومشاركة جويَّة نالتا عليهما الإشادة العالمية، وأسهمتا في إدارة مجموعات متفرِّعة من التحالف الدولي؛ ثم اتجهت السعودية، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، إلى إنشاء التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وكانت الإمارات من أولى الدول الحاضرة بقوة فيه.

كما أنشأت السعودية، بتعاون أميركي وإماراتي خصوصًا، وخليجي عمومًا، المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال" في 21 مايو 2017، على هامش انعقاد القمة العربية – الإسلامية −الأميركية، واختار الحاضرون في القمة الرياض مقرًا للمركز، ضامًا في عضويته دولة الإمارات العربية المتحدة.

يُضاف هذا المركز إلى جهود إماراتية مشابهة، مثل مركز "هداية"، وعشرات المبادرات التي تدعم تفكيك الخطاب الأصولي المتطرف، وتحاصره عبر مبادرات ذكية، تضعف فاعليته بتنسيق عالٍ بين الخبراء والمتخصصين في الدولتين.

شارك التحالف السعودي − الإماراتي في مكافحة الإرهاب في اليمن بعد تحرير عدن في يوليو 2015، حيث انطلقت حرب مفتوحة لمحاربة "داعش" حتى تمت استعادة المبادرة الأمنية وتشكيل قوات الحزام الأمني، والانتقال من مرحلة مواجهة التنظيم باليمن إلى ملاحقته في أوكاره.

عاصفة الحزم
يقول الدخيل في كتابه إن "عاصفة الحزم" التي أعلنتها السعودية في مارس 2015 توّجت مسيرة التكامل السعودي – الإماراتي، "حيث مثل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بداية حقيقية توضح دفاع أبناء المنطقة عن أنفسهم من دون عون خارجي، وظهر منذ إطلاق "عاصفة الحزم" التكامل السعودي – الإماراتي؛ بحيث وقفت الدولتان معًا لدعم الشرعية في اليمن، ومواجهة تهديدات الأمن القومي العربي".

لم يقتصر هذا التكامل عند حدود المشاركة في العمليات القتالية؛ إذ التقت جهود البلدين الدبلوماسية، حيث عملا في المحافل الدولية لدعم خيارات الشعب اليمني الشرعية، وتأكيد ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن من خلال التزام قرارات مجلس الأمن الدولي.

إرهاب الدولة
يتطرق الدخيل إلى الموقف الرباعي لمكافحة إرهاب الدولة في مسألة الخلاف مع قطر، فيقول إن الموقف العربي، بقيادة السعودية والإمارات ومصر والبحرين، "كان حاسمًا إزاء رغبة دولة قطر في استخدام جماعات عابرة للحدود لزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، فأصدرت هذه الدول بيانها المشترك في الخامس من يونيو 2017 ونص على جملة قرارات رادعة، خصوصًا بعدما مارست قطر مهنة استخدام وسائل الإعلام في تأجيج الفتنة داخليًا، "كما اتضح للمملكة العربية السعودية الدعم والمساندة من قبل السلطات في الدوحة لميليشيا الحوثي الانقلابية، حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن".

يرتكز كشف هذه الجرائم إلى الوعي بتآمر الجماعات الإسلاموية، ومن يرعاها، إلى "فكرة الدولة" والاستقرار الذي يضمن الحوكمة الرشيدة، "والمتغير الوحيد أن المستفيد في حالة قطر لم يعد مجرد تنظيم منعزل، بل صار دولة بكل مؤسساتها، دخلت جزءًا في الصفقة التي تريد تقويض الدول الأخرى، وظلَّت ماكينة الإعلام فيها تعمل من أجل ضمان عدم استقرار الدول العربية، وبذلت الجهود والأموال للاستثمار في التثوير والفوضى التي تخلق المساحات لحركة التيارات الإرهابية".

لا مناص من التأكيد أن الإجراءات الاحترازية التي قامت بها السعودية والإمارات قامت وتقوم على مبادئ القانون الدولي، "وتستند إلى بادرة أخلاقية غايتها حماية الخليج العربي من الفوضى، وطلبًا لكفّ يد العدوان عن العبث بأمن الشعوب، وهندستها الاجتماعية الخاصة، وترفض رفضًا باتًا تطويع الإسلام السياسي لخدمة الأجندة القطرية".