واشنطن: كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثلاثاء خطّةً للسلام في الشرق الأوسط تقترح "حلاً واقعياً بدولتَين"، فيما قالت إسرائيل إنّها تتضمّن اعترافًا بالمستوطنات على أنّها جزء من أراضيها.

وفي حين رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالخطّة ووصفها بأنّها تاريخيّة، قال الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس إنّها "لن تمرّ وستذهب إلى مزبلة التاريخ كما ذهبت مشاريع التآمر في هذه المنطقة".

ودعت موسكو طرفَي النّزاع إلى "التفاوض مباشرةً" على الخطّة التي اعتبرتها لندن "خطوةً إلى الأمام"، لكنّ حركة حماس سارعت إلى تأكيد رفضها لها، مشدّدةً على أنها ستعمل على إسقاطها.

وفي وقتٍ قالت إيران إنّ الخطّة مصيرها "الفشل"، اعتبرها حزب الله محاولةً للقضاء على حقوق الفلسطينيّين "التاريخيّة والشرعيّة".

وقال وزير الخارجيّة التركي إنّ خطّة ترمب "وُلدت ميتة"، في حين أكّد الاتّحاد الأوروبي التزامه "الثابت" التفاوض على أساس حلّ الدولتين.

ودعت مصر من جهتها فلسطين واسرائيل إلى "درس متأنٍّ" لخطّة السلام الأميركيّة.

وانتقد رئيس مجلس النوّاب الأردني عاطف الطراونة خطّة ترمب "المشؤومة" للسلام واعتبر إعلانها "يوماً أسود" للقضيّة الفلسطينيّة.

"حياة أفضل"

وبعد أكثر من سنتين من العمل بتكتُّم وتأجيل إعلان الخطّة مرارًا، قال ترمب وبجانبه نتانياهو إنّ "الفلسطينيّين يستحقّون حياةً أفضل بكثير".

وأضاف عارضاً الخطّة التي تتألّف من 80 صفحة واعتبرها "الأكثر تفصيلاً" على الإطلاق، انّ "الدولة الفلسطينيّة المستقبليّة" لن تقوم إلا وفقًا "لشروط" عدّة بما فيها "الرفض الصريح للإرهاب".

واقترح أن تكون هناك "عاصمة فلسطينيّة في القدس الشرقيّة"، لكنّه أضاف أنّ واشنطن "مستعدّة للاعتراف بالسيادة الإسرائيليّة على أراض محتلّة" لم يُحدّدها.

وشدّد على أنّ القدس ستبقى "عاصمة إسرائيل غير القابلة للتجزئة"، وأنّ الدولة الفلسطينيّة المقبلة ستكون "متّصلة" الأراضي.

وقال ترمب إنّه وجّه رسالةً إلى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بشأن خطّة السلام، منوهاً بحضور سفراء سلطنة عُمان والإمارات والبحرين مؤتمر إعلانَ خطّته.

وفي إطار عرض خطّته، اقترح ترمب تجميد البناء الإسرائيلي لأربع سنوات في المنطقة المقترحة للدولة الفلسطينيّة، واصفًا خطّته بأنّها "فرصة تاريخيّة" للفلسطينيّين كي يحصلوا على دولة مستقلّة، مضيفًا "قد تكون هذه آخر فرصة يحصلون عليها".

وقال الرئيس الأميركي إنّ "الفلسطينيّين يعيشون في الفقر ويُعانون العنف، ويتمّ استغلالهم من قبل من يسعون لاستخدامهم كبيادق لنشر الإرهاب والتطرف".

وعلى الأثر، أعلن نتانياهو أنّ واشنطن ستعترف بالمستوطنات جزءًا من إسرائيل. وأضاف خلال مؤتمر صحافي في واشنطن أنه لن يكون للاجئين الفلسطينيين الحق بالعودة إلى إسرائيل بموجب خطة ترمب.

وقال إنّه مستعدّ للتفاوض مع الفلسطينيين حول "مسارٍ نحو دولة مستقبلا"، لكنّه اشترط أن يعترفوا بإسرائيل "دولةً يهوديّة".

وأكّد أنّ المشروع الأميركي سيمنح إسرائيل السيادة على غور الأردن.

وتابع من البيت الأبيض "خطط كثيرة مارست ضغوطاً على إسرائيل للانسحاب من أراضٍ حيوية مثل غور الأردن. لكن أنتم، سيّدي الرئيس، تعترفون بأنه يجب أن تكون لإسرائيل سيادة على غور الأردن وعلى مناطق استراتيجية أخرى في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".

وأكّد أنّ إسرائيل "يجب أن تحظى بالسيادة على مناطق" تُتيح "لها الدّفاع عن نفسها".

وأضاف "في هذا اليوم، أعطيتم الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة مستقبلاً مشرقاً عبر تقديمكم مساراً واقعياً نحو سلام دائم".

في أعقاب ذلك، أعلنت حركة حماس رفضها الخطة الأميركية. وقال خليل الحية، نائب رئيس حماس في قطاع غزة لوكالة فرانس برس "نرفض هذه الصفقة، ولن نقبل بديلاً عن القدس عاصمة لدولة فلسطين، ولن نقبل بديلاً عن فلسطين لتكون دولتنا، ولن نقبل المساس بحق العودة وعودة اللاجئين" مؤكّدًا العمل على "إسقاطها".

وأضاف الحية أن "ترمب سيحترق تاريخيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا لأنّ ظلمه تعدّى كلّ الخطوط الحمراء".

من جهته، قال داوود شهاب الناطق باسم حركة الجهاد الاسلامي في بيان ردا على خطة ترمب "سنقاتل بذور الشرّ التي يريدون من خلالها إغراق المنطقة في الزمن الصهيوني، سنقاتلهم في كل شارع وسنطردهم من أرضنا ومن هوائنا وبحرنا". ووصف "السفراء العرب الذين حضروا إعلان خطة ترمب بأنّهم "يُمثّلون منتهى التآمر ومنتهى خيانة الشعب الفلسطيني والأمة".

ونشر البيت الأبيض الثلاثاء خريطة للحدود المقترحة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية تظهر 15 مستوطنة في منطقة الضفة الغربية المتّصلة بقطاع غزة بواسطة نفق، تماشيًا مع وعد أطلقه ترمب بإقامة دولة فلسطينية متصلة الأراضي.

وكشف البيت الأبيض في بيان للرئاسة الأميركية أنّ "الرؤيا تنص على دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل، وتولي إسرائيل مسؤولية الأمن في منطقة غرب نهر الأردن.

وقال السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان إن إسرائيل يمكنها ضم مستوطنات الضفة الغربية "في أي وقت".

"ولدت ميتة"

وكان ترمب صرّح الإثنين "نعتقد أنّه في نهاية المطاف سنحصل على دعم الفلسطينيين"، معوّلاً بذلك على دعم الدول العربية الأخرى.

وذكر مسؤولون فلسطينيّون أنّ عبّاس رفض في الأشهر الأخيرة عروض حوار مع الرئيس الأميركي، وأنّه يعتبر الخطة "ميتة أصلاً".

ودعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه، مسبقًا الأسرة الدوليّة إلى مقاطعة المشروع المخالف، برأيه، للقانون الدولي. وقال إنّها "تصفية للقضية الفلسطينية".

وفي مؤشر إلى حساسية التوقيت قبل شهر من انتخابات جديدة في اسرائيل حيث يواجه نتانياهو اتهامات بالفساد، استقبل ترمب منافسه الرئيسي بيني غانتس.

لكن اختار أن يظهر أمام الكاميرات مع نتانياهو منذ الإثنين.

وأعلن متحدث باسم نتانياهو الثلاثاء أنه سيتوجّه إلى موسكو الأربعاء لإطلاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تفاصيل الخطة الأميركيّة.

في هذه الأثناء، أعلن الجيش الإسرائيلي تعزيز انتشاره في منطقة غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة.

خمسون مليار

ويقول الفلسطينيون إنّ الخطّة تقضي بأن تضمّ إسرائيل غور الأردن، المنطقة الاستراتيجية الواسعة في الضفة الغربية، والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية وأن تحصل على اعتراف بالقدس عاصمة موحدة للدولة العبرية.

وقبل إعلان الخطّة، هدّد الفلسطينيون بالانسحاب من اتّفاقية أوسلو التي نصّت على فترة انتقالية من خمس سنوات يتم خلالها التفاوض على قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات. وكان يُفترض أن تنتهي هذه الاتفاقات بحلول 1999 لكنّ الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني جدّدوها تلقائيًّا.

وكشفت واشنطن في يونيو الماضي الجانب الاقتصادي من الخطة الذي يقضي باستثمار نحو خمسين مليار دولار في الأراضي الفلسطينية والدول العربية المجاورة على مدى عشر سنوات. لكنّ تفاصيل هذا الشق تبقى موضع تكهنات.