تعيش العلاقات السعودية – الإماراتية اليوم أكثر عهودها ازدهارًا، وهي علاقة يعود خيرها على الإنسانية لما تنطوي عليه من قيم نبيلة، تنصر الحق وتهزم الباطل، وتسعى إلى السلام والاستقرار، وتنتصر على كل التحديات، خصوصًا تحدي الإعلام المغرض.

إيلاف من دبي: كأي علاقة بين دولتين، يمكن أن تعترض العلاقات السعودية – الإماراتية تحديات عديدة، لكن الحكم الرشيد في الدولتين أثبت أن الأخوة بينهما أقوى من أي فتنة يسعى إليها أعداؤهما بإعلامهم المغرض. في كتابه "العلاقات السعودية – الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة"، يتناول تركي الدخيل، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، رحلة لا تنتهي من التعاون في سبيل الدفاع عن حق الإنسان في الدول العربية والإسلامية في العيش بأمان..

الاستقرار بمواجهة التثوير

يقول الدخيل إنه لا يمكن النظر إلى التحديات التي تواجه محور الاستقرار العربي والشراكة بين السعودية والإمارات بمعزل عن سياسات المحور المضاد لهما؛ "إذ أدَّت دعوات التثوير واستغلال الفوضى إلى تعزيز انقسامات عميقة في بنى السياسة والاجتماع والدين في العالم العربي؛ فانتهج محور التثوير منهجًا يسعى إلى استغلالها وتوظيفها لمواجهة خصومه. وأدى به ذلك إلى دعم التطرف في الشرق الأوسط، فارتبط تثوير محور الفوضى للشعوب باستغلاله الجماعات السياسية المستندة إلى الدين المسيس، "ما أشعل الصراع الطائفي في اليمن وسوريا والعراق وغيرها، كما انتهى تبني محور الفوضى لحركات الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي، إلى تعزيز شرخ بين المجتمعات والدول والمؤسسات، وداخلها".

برأيه، أفضى هذا العمل الممنهج إلى انهدام جدران الاستقرار التي كانت تقي الدول العربية من التحول إلى دول فاشلة، وأوصلها ذلك إلى فراغ سياسي كبير، ثم إلى تدخل خارجي انتقص سيادتها وأفقدها قدرتها على إدارة ذاتها، "ولما تصدت دول الاستقرار، بمشاركة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، للخطر وسعت إلى تعزيز دور الدولة، ومواجهة عناصر الفوضى، والترويج لعناصر الاستقلال، والتبشير بمضادات التطرف، تفرغت قنوات التثوير لإشانة سمعة المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة وتشويه جهودهما".

تحدي الأخبار الكاذبة

طورت الآلة الفوضوية سلاحًا جديدًا تمثل في "بث الأخبار الكاذبة"، معتمدة على التلاعب بالحقائق وتزييفها، لهز الثقة بقيام حلف سعودي – إماراتي دائم، فأخذت تروج لخلافات وهمية, لجذب المتابعين إلى دائرة الشك في أصالة التحالف، وصرف أنظارهم عن مواطن الاتفاق والالتقاء.

يقول إن محاولات الوقيعة تركز على نوعين من القضايا: راهنة تتعلق بالسياسات المشتركة في ملف اليمن أو في باقي الملفات، وتاريخية دينية يحتمل فيها الخلاف فتعاد إثارته, إن وجد، على قضايا مثل الحدود والطبيعة المذهبية وغيرهما، بالاعتماد على المعلومة أو المضمون المصنوع صناعة، والمسنَد إلى مصادر وهمية، "وهو أسلوب يبني تفاعله على خلق رد فعل لفعل غير موجود، يكمل به مؤامرته، ثم يعيد تدوير القصة الواحدة (المصنوعة)، في عشرات الوسائل، للترويج لها وطبعها في الأذهان، ويدرك أنه بالتكرار يتوهم السامع أن أصل الخبر قد يكون صحيحًا".

جهود زرع الفتنة

تواجه السعودية والإمارات استهدافًا واضحًا من التنظيمات الإرهابية التي خصصت الكثير من إصداراتها لتكفير قادة الدولتين ومهاجمة سياستهما، كما تحاول منصات وقنوات إعلامية وكتائب إلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي زرع الفتنة بين السعودية والإمارات، ويدار أغلبها بكوادر إخوانية درِّبت على صناعة الخبر الذي يحدث الوقيعة، بحيث تُبنى الأخبار على شبهات يمكن تصديقها، أو أصل تاريخي مبتور من سياقه يثير في النفس الشك.

يصعب على الإعلام متابعة الأخبار الزائفة كلها لكثرتها، وكذلك لأن الكثير متداول من خلال تطبيقات التواصل المباشر، وهذا يعني تأخر رصده وبالتالي تأخر الاستجابة لمحتواه المضلِّل أو الكاذب، خصوصًا أن 40 في المئة من مواطني السعودية والإمارات تقريبًا يعتمدون على تطبيق واتساب في الحصول على أخبارهم، في وقت انخفض فيه اعتماد الخليجيين على وسائل الإعلام التقليدية لمصلحة وسائل التواصل الاجتماعي.

رفع الوعي

يقول الدخيل: "في الإعلام، لا يمكن أن نكون انفعاليين فحسب، وإنما يتطلب الأمر تكثيف البرامج الحوارية السياسية الجادة التي تقدم تحليلات نقدية عميقة؛ لرفع الوعي لدى الجمهور المستهدف، وهو تحد كوني اليوم لمواجهة تصدُّع الحقيقة والأخبار الكاذبة".

لرفع الوعي العام بقيمة التحالف، تنشط المؤتمرات والندوات والحملات الإعلامية الموسمية أو المبادرات التي تنظَّم في الدولة والمجتمع، للتعريف بالقيم المضادة للتطرف والمرتبطة بتعزيز الاستقرار، كمبادرة عام التسامح، والرؤى التنموية، وتحسب ضمنها مبادرات الدبلوماسية العامة والشعبية، والاحتفاء بالمناسبات المشتركة التي توصل رسائل مباشرة إلى الشعبين بقيمة التحالف وأصالته ومتانته، سواء في رسائل الهاتف النقال، أو في الأماكن العامة بالدولتين.

وفي الجانب الرسمي المباشر، تعتمد الدولتان استراتيجية مباشرة في وأد هذه الشائعات في مهدها، سواء عبر الزيارات المجدولة أو التصريحات الحاسمة التي تبت في الأمر في لحظته.

تجاوز التحديات

نشطت الآلة الإعلامية المعادية للعلاقات بين السعودية والإمارات لإثارة مسألة الحدود بين البلدين، ظنًا منها أنها تستطيع جر التحالف القوي إلى نقطة خلاف محرج. صحيح أن الخلافات الحدودية بين الدول ربما تؤدي إلى تعقيد العلاقات بينها، وقد تصبغها بالقلق وتؤثر سلبًا في شعوب هذه الدول، "لكن في الحالة السعودية − الإماراتية يمكن تقديم هذا الملف مثالاً لأوجه التعامل الحكيم مع تباين وجهات النظر، وإدارة الملف بشفافية مؤسسة على حوار أخوي وسياسات حكيمة ومبادئ حسن جوار سامية".

شكلت معاهدة جدة (1974) بالنسبة إلى العديد من الباحثين "نهاية مرضية للمشكلة"، أي الخلاف الإماراتي – السعودي الذي وقع على واحة البريمي وخور العديد، وذكر بعض الباحثين أن تسوية النزاعات الحدودية بين السعودية والإمارات "شكلت نموذجًا أوليًا لوصول دولتين عربيتين مستقلتين إلى اتفاق مرض للطرفين، بعد انسحاب البريطانيين رسميًا".

اليوم، يقول الدخيل إن مساحة الاتفاق بين الدولتين "اتسعت بشكل يجعل كل مساحة في الحدود المشتركة محطة لتعزيز التكامل بينهما، وأصبحت مصالح الدولتين متشابكة بشكل وثيق جدًا، وكل ملف يأتي من التاريخ يفسر بحسن نية، ويسفر عن تمتين لعلاقة متينة في الأصل".

هزيمة التحديات الإعلامية

التحدي الذي تفرضه الأخبار المغرضة، على هشاشته، يحتاج إلى يقظة إعلامية وتوعية مستمرة بفساد منطقه، فمن المهم بحسب الدخيل إعادة شرح التصورات وتحديد المنطلقات الأخلاقية وتكرار مبرِّراتها، تلك التي تشرح أن ما تقوم به دول الاستقرار العربي يتمثل في استعادة الدين من مختطفيه من الجماعات المتأسلمة، وصونه من أيدي العابثين به؛ وحماية فكرة الدولة ومؤسساتها من الجماعات التي تريد تحطيم الدولة لمصلحة فكرة الجماعة، بغية الوصول إلى الحكم تحت غطاء الدين؛ وضمان استقلال القرار الوطني عن توجيهات الأيادي الخارجية، التي تتعاون مع الأعداء ضد الوطن أو تلك التي تتحرك بموجب بيعة لمرشد يتحكم فيها، وفقًا لمصالح لا تعتدُّ بالأوطان؛ وتعزيز هويَّة المواطن وتأمين مستقبل الأجيال القادمة في المنافسة عبر ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية العصرية الداعية إلى التسامح والانفتاح، من دون تأثير في القيم الأساسية.

في النهاية، تعيش العلاقات السعودية – الإماراتية اليوم أكثر عهودها ازدهارًا، وهي علاقة يعود خيرها على الإنسانية لما تنطوي عليه من قيم نبيلة، تنصر الحق وتهزم الباطل، وتسعى إلى السلام والاستقرار.

إقرا أيضا

قراءة في العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وأبوظبي (3 من 4)
السعودية والإمارات: معًا دائمًا في مكافحة التطرف

خادم الحرمين مدشنًا مركز «اعتدال» لمكافحة الفكر المتطرف
قراءة في العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وأبوظبي (2 من 4)
التنسيق السعودي – الإماراتي متزايد حتى التكامل

الملك سلمان وحاكم دبي محمد بن راشد

قراءة في العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وأبوظبي (1 من 4)
فلسفة التحالف السعودي – الإماراتي: جذور التاريخ تغذّي الحاضر

محمد بن سلمان خلال زيارة له إلى الإمارات