بيروت: سيطر الجيش السوري الأربعاء على معرة النعمان، ثاني أكبر مدن محافظة إدلب، ليقترب أكثر من تحقيق هدفه باستعادة كامل الطريق الدولي حلب - دمشق، ويقضم أكثر وأكثر آخر أبرز معاقل هيئة تحرير الشام والفصائل المقاتلة الأخرى.

ماذا يعني هذا التقدم الاستراتيجي الأخير لدمشق، التي طالما كررت نيتها استعادة كافة البلاد، والفصائل الجهادية والمقاتلة التي تتعرض للضربات الواحدة تلو الأخرى، كما لثلاثة ملايين شخص يسكنون إدلب وبينهم الآلاف ممن اتخذوها ملجأ لهم بعد مغادرتهم مناطق سيطرت عليها قوات النظام.

ماذا تبقى للفصائل؟

في العام 2015، سيطرت الفصائل المعارضة ومعها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة في حينه) على كامل محافظة إدلب في شمال غرب البلاد، وتقاسمت النفوذ في ما بينها.

إلا أنه وفي مارس العام 2019، باتت محافظة إدلب تحت السيطرة الفعلية لهيئة تحرير الشام، قبل أن تتقدم قوات النظام في جنوبها تدريجياً في عمليات عسكرية منفصلة، آخرها في ديسمبر.

وبعد نجاحها خلال الصيف من السيطرة على مدينة خان شيخون، وضعت قوات النظام مدينة معرة النعمان نصب عينيها.

وبخسارتها معرة النعمان، فقدت الفصائل العارضة مدينة كانت تشكل مركزاً أساسياً للتظاهرات ضد النظام في محافظة إدلب، لتضاف إلى معاقل أخرى خسرتها خلال السنوات الماضية، وخصوصاً منذ 2015 مع بدء الدعم العسكري الروسي لقوات النظام.

وباتت هيئة تحرير الشام والفصائل تسيطر على 57 في المئة فقط من محافظة إدلب فضلاً عن أجزاء من المحافظات الثلاث المحاذية لها في غرب حلب وشمال حماة وشمال شرق اللاذقية.

ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر لوكالة فرانس برس "إن سيطرة دمشق على معرة النعمان ليست سوى خطوة جديدة في مسارها التصاعدي لاستعادة غالبية أو كامل محافظة إدلب"، مشيراً إلى أنها أيضاً "تذكير إضافي" بأنه ليس بوسع الفصائل في إدلب "مقاومة الحكومة السورية وحليفها الروسي، خصوصاً حين تعمد موسكو إلى دعم هجوم بعكس رغبات أنقرة".

ماذا ينتظر إدلب؟

وتُكرر دمشق نيتها استعادة كامل منطقة إدلب برغم اتفاقات هدنة عدة تم التوصل إليها على مر السنوات الماضية في المحافظة برعاية روسيا وتركيا.

وتسعى قوات النظام من خلال هجماتها الأخيرة في إدلب إلى استعادة تدريجياً الطريق الدولي "إم 5"، الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق، ويعبر أبرز المدن السورية من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.

ويقول نيكولاس هيراس، من معهد دراسات الحرب، "تقود روسيا قوات الأسد للسيطرة على مناطق واسعة وصولاً إلى الطريق الدولي إم 5، ما يمكنها من حصر تواجد الفصائل في منطقة" تمتد من شمال الطريق وصولاً إلى الحدود التركية.

والنتيجة، بالنسبة لهيراس، "حتمية وهي انتصار للنظام".

وفي إدلب، يمر الطريق الدولي من ثلاث مدن رئيسية، خان شيخون التي سيطرت عليها قوات النظام خلال صيف 2019، ومعرة النعمان، ثم مدينة سراقب شمالاً التي لا تزال خارجة عن سيطرتها.

وبالإضافة إلى إدلب، تخوض قوات النظام منذ أسابيع اشتباكات مع هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى غرب حلب، حيث يمر أيضاً الطريق الدولي.

ويوضح هيلر بدوره أنه من "شبه المؤكد" اليوم أن وجهة قوات النظام المقبلة هي مدينة سراقب، على بعد نحو 25 كيلومتراً شمال معرة النعمان.

وتتمركز قوات النظام اليوم في نقطة تبعد عشرة كيلومترات جنوب سراقب، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يشير إلى أنه لا يزال هناك 50 كيلومتراً من الطريق الدولي خارج سيطرة دمشق.

ولا تكمن أهمية سراقب، وفق هيلر، بأنها تقع على الـ"إم 5" فقط، بل إنها نقطة التقاء لهذا الطريق الدولي مع الطريق الدولي الأخر "إم 4" والذي يربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية غرباً.

وباتت سراقب اليوم أيضاً شبه خالية من السكان نتيجة حركة نزوح كبيرة خلال الأيام الماضية مع اقتراب التصعيد منها، وهي التي كانت ملجأ لنازحين فروا من منطقة معرة النعمان.

أين السكان من التطورات الميدانية؟

تؤوي إدلب ثلاثة ملايين شخص، نحو نصفهم من النازحين من مناطق أخرى.

وخلال السنوات الماضية، ومع تقدم قوات النظام تدريجياً ضد الفصائل المعارضة، تحولت محافظة إدلب إلى وجهة آلاف المدنيين والمقاتلين المعارضين الذي رفضوا البقاء في مناطق استعادتها دمشق.

وتنشر في المحافظة اليوم عشرات المخيمات وغالبيتها يتركز قرب الحدود التركية شمالاً.

ومع كل هجوم جديد لقوات النظام، كانت إدلب تشهد حركة نزوح داخلية، فيهرب السكان من أماكن التصعيد وخصوصاً في الجنوب باتجاه الشمال.

وخلال هجوم استمر أربعة اشهر وانتهى في أغسطس الماضي، تحدثت الأمم المتحدة عن نزوح 400 ألف شخص. وفي الهجوم الأخير، منذ كانون الأول/ديسمبر، وثقت المنظمة الدولية نزوح أكثر من 388 ألف شخص.

وبين هؤلاء من عانى رحلات النزوح مرات عدة، كما تغلق تركيا حدودها أمامهم.

ويقول هيلر إنه في حال واصلت قوات النظام تقدمها او توقفت عند الطريق الدولي فإن ذلك يعني بجميع الأحوال أن "ملايين الأشخاص المستضعفين سيبقون محصورين في منطقة حدودية تفتقر للبنية التحتية والموارد" الضروية لمساندتهم من أجل البقاء.