باريس: برزت فرنسا في مقدمة الدول الأوروبية لمواجهة الطموحات الإقليمية لتركيا إذ حيث أرسلت حاملة الطائرات شارل ديغول الى شرق المتوسط الذي يتحوّل إلى بؤرة توتر محتملة بين عدة دول في المنطقة.

وندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال استقباله رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس الأربعاء، ب"تعديات واستفزازات" أنقرة في شرق المتوسط حيث تؤجج عمليات التنقيب عن النفط والغاز التوتر بين تركيا واليونان، بما يشمل أيضاً إسرائيل ولبنان ومصر وقبرص.

واعلن ماكرون تعزيز الوجود البحري للقوات الفرنسية قريبا هناك، بهدف "ضمان أمن منطقة استراتيجية لأوروبا".

وكمؤشر على الشروع في ذلك، وصلت حاملة الطائرات شارل ديغول إلى شرق المتوسط الخميس، رسمياً في مهمة دعم عمليات مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق. وكانت الحاملة الفرنسية رصدت الأربعاء فرقاطة تركية قبالة السواحل الليبية، تواكب سفينة تقل آليات نقل مدرعة في اتجاه طرابلس.

واستنكر إيمانويل ماكرون مجددا التدخل التركي في النزاع الليبي في "انتهاك صريح" للتعهدات التي قطعتها أنقرة خلال مؤتمر برلين الدولي في 19 كانون الثاني/يناير.

وكانت فرنسا انتقدت أنقرة إبان الهجوم التركي في تشرين الأول/اكتوبر على وحدات حماية الشعب الكردية حليفة الغربيين في الحرب على الإرهاب في سوريا، ولكن ايضا في كانون الأول/ديسمبر خلال قمة في لندن لحلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا.

- "رد فعل أكثر من الفعل" -

واعتبر مارك بياريني، سفير الاتحاد الاوربي الاسبق في تركيا والباحث في مركز "كارنيغي-اوروبا" في بروكسل، أنّه "يجب في مرحلة ما قول ’كفى’ في وجه نظام لم يعد يرى حدوداً لافعاله".

وتابع أنّه "من السهل على المستوى السياسي القيام بما تم انجازه في باريس. ولكن ميدانيا فبالطبع (الأمر) أشد تعقيداً (...) ولكن في أنقرة لا تُفهم سوى لغة القوة".

بيد أنّ رئيس أركان القوات الفرنسية الجنرال فرنسوا لوكوانتر حذر خلال جلسة برلمانية في تشرين الثاني/نوفمبر من أنّ فرنسا المنخرطة في عدة جبهات وفي ظل قيود الموازنة تقف عند "الحد الأقصى من قدراتها على العمل العسكري".

ويرى الباحث في معهد الابحاث الأوروبي "توماس مور"، جان-سيلفستر مونغرونييه أن باريس تعدّ حاليا "ضمن (خانة) رد الفعل أكثر من الفعل في مواجهة الاندفاع التركي والروسي".

وفي الاشهر الأخيرة، بدا أن موسكو وانقرة اليد العليا ضمن مشهد الأزمة الليبية من خلال مرتزقة متواجهين؛ روس ينتمون إلى مجموعة "فاغنر" من جهة ومسلحون سوريون موالون لتركيا من جهة أخرى.

وتدعم روسيا رجل الشرق الليبي النافذ المشير خليفة حفتر، إلى جانب دولة الإمارات ومصر.

وفي انعكاس مثالي لمشهد التنافس الإقليمي، سارعت تركيا إلى نجدة حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج وتعترف بها الأمم المتحدة، في ظل الصعوبات التي تعاني منها إزاء هجوم قوات المشير حفتر على العاصمة.

- ماذا عن الوحدة الأوروبية؟ -

بين هاتين الجبهتين، يبدو الأوروبيون منقسمين، فيما تبقى فرنسا في دائرة شبهة دعم المشير خليفة حفتر، على الرغم من نفيها. وتعززت الشكوك إثر انتقادها دور تركيا في ليبيا من دون الإتيان بأي كلمة على المعسكر الثاني المتهم أيضا بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا.

ويتساءل جان-سيلفستر مونغرونييه "الآن وقت حاملة الطائرات، وهذه فرصة لاستعراض القوة والنفوذ، ولكن هل ستكون ثمة سياسة شاملة حقيقية لا تقتصر على التصريحات الحازمة؟".

ومن جانبه، يعبّر مارك بياريني عن الأسف إذ إنّ "ما يهم هي وحدة أوروبا، وحتى الآن ثمة مقاربتان متباينتان. هذا ليس جيداً". ويشير الدبلوماسي السابق إلى انّ المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "تربطها علاقة صداقة مع الرئيس التركي" رجب طيب إردوغان بغية احتواء موجة الهجرة باتجاه أوروبا، في مقابل رئيس فرنسي "يفعل العكس".

وتصاعدت التوترات في شرق المتوسط في أعقاب التوصل في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر إلى اتفاق مثير للجدل بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية، يتيح لتركيا المطالبة بحقوق على مساحات بحرية واسعة وغنية بالموارد، ما أغضب اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل.

وفي ظل هذه التدخلات المتعددة، يعتبر فرنسوا هايسبورغ، من مؤسسة البحوث الأوروبية في باريس، أنّ "الازمة الليبية تمتد على كامل البحر الأبيض المتوسط".

ويشير إلى انّ "فرنسا تنحاز بين عضوين في حلف شمال الأطلسي لصالح اليونان التي تهدد باستخدام حق النقض في حال اعتماد الاتحاد الاوروبي اجراءات معادية لحفتر ولصالح طرابلس ... هذه ليست مسألة بسيطة".