باريس: تعمد الحكومات في الشرق الأوسط بشكل متزايد لتوقيف الباحثين والأكاديميين، الذين تعتبرهم أوراق مساومة قيّمة في خلافاتها مع الغرب، بحسب المحللين.

وحذّر المؤرّخ لدى معهد العلوم السياسية في باريس جان-بيار فيليو من أن "المخاطر التي يواجهها الباحثون حاليًا في الشرق الأوسط غير مسبوقة".

وأدلى فيليو بتصريحاته الجمعة خلال منتدى خُصص لزميليه رولان مارشال وفاريبا عادلخواه، المسجونين في إيران منذ توقيفهما في حزيران/يونيو الماضي.

ووجّهت لهما تهمتا التآمر أو التواطؤ للإضرار بالأمن القومي بينما تقضي الأسترالية كايلي مور-غيلبرت من جامعة ملبورن عقوبة بالسجن لعشر سنوات بتهمة التجسس.

وكثيراً ما تستهدف السلطات مواطنيها من حملة الجنسيتين على غرار عادلخواه، بينما ترفض طهران على وجه الخصوص الاعتراف بالجنسية الثانية غير الإيرانية.

وأكّدت طهران في تشرين الأول/أكتوبر توقيف عالم الانثربولوجيا البريطاني الإيراني كامل أحمدي قبل إطلاق سراحه، وفي كانون الأول/ديسمبر أفرجت عن الباحث الصيني الأميركي شيوي وانغ الذي كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات بتهم التجسس.

وتم الإفراج عن وانغ مقابل مسعود سليماني، وهو إيراني كان موقوفًا في الولايات المتحدة للاشتباه بانتهاكه العقوبات الأميركية المفروضة على الجمهورية الإسلامية. وأعربت إيران عن استعدادها للقيام بعمليات تبادل أخرى من هذا النوع.

لكن على مدى عقود، لطالما كان استهداف الأكاديميين أكثر عنفًا.

وقال فيليو "بدأ ذلك بإطلاق النار على مكتب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت مالكولم كير الذي قتل بيدي حزب الله عام 1984، الذي كان منذ ذلك الوقت ذراعًا للحرس الثوري" الإيراني.

وأضاف أنه بعد عامين، توفي باحث علم الاجتماع ميشيل سورا في سجن بلبنان بعد توقيفه بسبب "حرمانه من الرعاية الصحية".

وقال "كانوا ضحايا تصفية حسابات إيران مع واشنطن وباريس".

- عيون على الأرض -

ومؤخراً، اختفى طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني في مصر عندما كان يجري بحثًا عن الحركات النقابية، التي تعد آخر الجهات التي لا تزال تتمتع باستقلالية في البلاد والتي كثيراً ما تجد نفسها في مرمى السلطات.

وبعد أكثر من أسبوع، عُثر على جثّته المشوّهة ملقاة على جانب طريق سريع في إحدى ضواحي القاهرة.

وأظهر تشريح إيطالي للجثة في أعقاب نقل جثمانه إلى روما أنه قتل اثر تعرضه لضربة قوية في أسفل جمجمته وإصابته بكسور عدة في كل أنحاء جسده.

وفي أيار/مايو 2018، أوقفت السلطات الإماراتية الباحث الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز وأبقته قيد الحبس الانفرادي لشهور قبل بدء مدة محكوميته بالسجن المؤبّد.

وأطلق سراحه بعد أقل من أسبوع من صدور الحكم بحقه وتزامنًا مع تخلّي الأمم المتحدة عن قرار رعته بريطانيا كان يطالب بوقف العملية العسكرية التي تقودها الإمارات والسعودية في اليمن.

واتّفق فيليو مع هذا الرأي قائلاً "شاءت الأقدار ان يتم إطلاق سراحه بينما تم التخلّي عن المبادرة البريطانية".

لكن محللين يشيرون إلى أن الحملة الأمنية ضد الأكاديميين تأتي في وقت تزداد أهمية أعمال البحث على الأرض لفهم التجاذبات السياسية والاجتماعية التي تحرّك مجرى الأحداث في الشرق الأوسط.

في هذه الأثناء، تدفع التهديدات الصادرة عن جهات متطرفة وتنامي النزعات القومية والاستبدادية المسؤولين لفرض قيود مشددة على الباحثين الأجانب.

- جيل منبوذ؟ -

تحتجز إيران على وجه الخصوص ما بين "عشرة إلى 15" أجنبيًا بينهم نازانين زغاري-راتكليف من مؤسسة "تومسون رويترز" التي تقضي حكمًا بالسجن لخمس سنوات بعدما دينت بتهمة التحريض على الفتنة، بحسب جان-فرانسوا بايار من "المركز الوطني للبحث العلمي" في فرنسا.

وألقى زميله برنار أوركاد، وهو عالم في الجغرافيا ومتخصص بإيران، باللوم على جيل جديد من النخبة في الحرس الثوري الإيراني الذين كبروا في ظل "جمهورية منبوذة".

وقال "لا يملك العديد منهم خبرة دولية. لا يتحدثون الفرنسية أو الإنكليزية أو الألمانية".

وأضاف "إذا كانت فاريبا ورولان في السجن اليوم، بينما الطبيعي هو أن يتم احتجاز دبلوماسيين أو رواد أعمال كرهائن، فالسبب هو أنهما كانا يحاولان معرفة ما يحصل حقًا".

وأشار إلى أن هذا النوع من الأنظمة "تشعر بالذعر من فكرة أن الناس قد يعرفون ما الذي يجري في بلدهم".

وبحسب فيليو، "تمنع القوى والمنظمات التي تدرك بشكل كامل أن البحث بإمكانه مواجهة الأكاذيب والدعاية المستخدمة لزرع الرعب في أوساط شعوبها".

وازدادت الانتقادات الدولية لطهران بعدما أسقطت عن طريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية قرب طهران عندما كان جيشها في حالة تأهب عقب قتل واشنطن للجنرال في الحرس الثوري قاسم سليماني في بغداد الشهر الماضي.

وأفاد المتخصص بالشؤون الإسلامية في معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا أوليفييه روي أنه حتى لو كانت إيران تبدو أكثر ضعفًا، "إلا أنهم ليسوا بالضرورة في موقع تفاوض أو تقديم أي عروض".

ويشير محللون إلى أن هذا هو ما يغري الجمهورية الإسلامية على الأرجح لمواصلة احتجاز مجموعة من الباحثين الأجانب.