بيروت: شهدت محافظة إدلب الإثنين تبادلاً لإطلاق النار بين القوات السورية والتركية، في تطور أوقع قتلى ويُنذر بتصعيد خطير بين الطرفين، في وقت تواصل دمشق بدعم روسي انتزاع مناطق خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى في شمال غرب سوريا.

وتسببت غارات روسية الإثنين على مناطق عدة بمقتل 14 مدنياً على الأقل، بينهم ستة أطفال، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

ومنذ كانون الأول/ديسمبر، تصعّد قوات النظام بدعم روسي حملتها على مناطق في إدلب وجوارها، تؤوي ثلاثة ملايين شخص وتسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وحلفاؤها، وتنتشر فيها فصائل معارضة أقل نفوذاً.

وأعلنت أنقرة الإثنين، في حصيلة محدّثة، مقتل ستة من جنودها بالإضافة إلى ثلاثة مدنيين أتراك يعملون لصالحها، جراء قصف مدفعي شنته قوات النظام ضد قواتها المتمركزة في محافظة إدلب.

وردّت أنقرة سريعاً عبر استهداف مواقع للجيش السوري. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان صباحاً خلال مؤتمر صحافي إن طائرات تركية من طراز "إف-16" والمدفعية قصفت "أهدافاً حددتها أجهزة استخباراتنا".

وأوقع القصف وفق وزارة الدفاع التركية 76 قتيلاً من قوات النظام السوري، فيما أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أنّ الرد التركي لم يسفر "عن أي إصابة أو ضرر".

إلا أنّ مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن أكّد لوكالة فرانس برس "مقتل 13 جندياً سورياً وإصابة نحو 20 آخرين بجروح في الرد التركي"، الذي طال مواقع عسكرية في جنوب إدلب ومحافظتي اللاذقية وحماة المحاذيتين.

ويُعد هذا التصعيد "المواجهة الأخطر" بين الطرفين منذ بدء التدخل العسكري التركي المباشر في سوريا منذ العام 2016، وفق عبد الرحمن.

وتخضع إدلب لاتفاقات تهدئة عدة بين موسكو الداعمة لدمشق وأنقرة الداعمة لفصائل المعارضة، تمّ التوصل إليها على مراحل في محادثات أستانا ثم في سوتشي.

"لا تعرقلوا عملنا"

وقال إردوغان "لا يمكننا أن نقف صامتين بينما جنودنا يستشهدون. سنواصل المطالبة بالمحاسبة". وتوجه إلى موسكو بالقول "أريد خصوصاً أن أبلغ السلطات الروسية أن محاورنا هنا ليس أنتم بل النظام (السوري) ولا تحاولوا عرقلة عملنا".

وخلال مؤتمر صحافي في كييف التي وصلها الإثنين، توجّه إردوغان إلى روسيا قائلا "نأمل أن يفي كل طرف بالتزاماته بموجب اتفاقات أستانا وسوتشي، وأن نتمكن من العمل في إطار هذه الالتزامات".

وأوضحت موسكو من جهتها، في بيان عن وزارة الدفاع، أنّ "مجموعة من الجنود الأتراك قاموا بتحركات في (...) إدلب" ليل الأحد الإثنين "من دون إبلاغ روسيا بالأمر، ووجدت نفسها تحت نيران القوات الحكومية السورية التي كانت تستهدف الإرهابيين في منطقة سراقب" في ريف إدلب الجنوبي.

إلا أن وزير الدفاع التركي، الذي تنتشر قواته في 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها بموجب اتفاق مع موسكو، ثلاث منها محاصرة من دمشق، أكّد أن أنقرة نبّهت موسكو قبل يوم واحد من نشر جنود أتراك في المنطقة التي استهدفها القصف.

وترسل أنقرة منذ أيام تعزيزات عسكرية إلى شمال غرب سوريا. ودخلت الأحد تعزيزات تعد الأكبر إلى المنطقة، تضم 240 آلية على الأقل من دبابات وناقلات جند وشاحنات، تمركز معظمها في محيط مدينة سراقب التي تخوض قوات النظام منذ أيام معارك في محيطها.

وتسعى قوات النظام للسيطرة على سراقب لموقعها الاستراتيجي كونها تشكل نقطة التقاء بين طريق دولي، يُعرف باسم "أم فايف" ويربط محافظة حلب بدمشق، وطريق استراتيجي ثان يُعرف باسم "أم فور"، يربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية غرباً. وترغب دمشق باستعادة السيطرة على أجزاء من الطريقين خارج سيطرتها.

ويمرّ الطريق الأول في ثلاث مدن رئيسية في إدلب: خان شيخون التي سيطرت عليها قوات النظام صيف 2019، ومعرة النعمان التي دخلتها الأربعاء، ثم سراقب، التي باتت خالية من سكانها وتدور قربها معارك عنيفة.

وتمكنت قوات النظام، وفق المرصد، من التقدّم الإثنين غرب سراقب وقطع الطريق الدولي "أم فور" عند قرية النيرب، لتصبح بذلك على بعد ثمانية كيلومترات جنوب شرق مدينة إدلب.

وأفادت وكالة سانا عن اشتباكات عنيفة في النيرب. وقالت إن تقّدم الجيش أدى إلى "قطع خطوط إمداد الإرهابيين بين مدينتي سراقب وأريحا".

قتلى مدنيون

وتزامن ذلك مع غارات روسية وسورية كثيفة تتركزّ خصوصاً على أرياف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي وحلب الغربي، حيث تدور معارك عنيفة منذ أيام.

وقتل تسعة من إجمالي 14 مدنياً بغارة روسية استهدفت سيارة أقلتهم بعد فرارهم من منازلهم من قرية في ريف حلب الغربي.

وشاهد مراسل وكالة فرانس برس جثث القتلى التسعة بينهم أربعة أطفال غطت الدماء وجوههم، وهم موضوعون في أكياس أو جرى لفّهم بأغطية شتوية، قبل أن يتم نقلهم عبر شاحنة صغيرة الى بلدة أوروم الكبرى المجاورة، حيث تمّ دفنهم.

ودفع التصعيد منذ كانون الأول/ديسمبر 388 ألف شخص إلى النزوح في شمال غرب سوريا باتجاه مناطق أكثر أمناً شمالاً، وفق الأمم المتحدة. وبين هؤلاء 38 ألفاً فروا منذ منتصف كانون الثاني/يناير من غرب حلب. كما قتل أكثر من 260 مدنياً وفق المرصد.

ومنذ سيطرة الفصائل الجهادية والمقاتلة على كامل المحافظة عام 2015، تصعّد قوات النظام بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشنّ هجمات برية تحقق فيها تقدماً وتنتهي عادة بالتوصل الى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا، كان آخرها اتفاق جرى الإعلان عنه في التاسع من الشهر الحالي لكنه لم يصمد إلا أياماً.