أثار اللقاء المفاجئ بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان الكثير من الصدمة في الأوساط العربية، لا سيما أنه جاء في وقت تعارض فيه الشعوب ما تعرف بـ"صفقة القرن" بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

إيلاف من القاهرة: حصلت "إيلاف" على تفاصيل ما يمكن وصفه حقًا بـ"صفقة القرن" بين إسرائيل والسودان، التي سيتم بموجبها إجراء عمليات "تطبيع سياسي واقتصادي وتجاري" بين البلدين.

تتضمن الصفقة التي جرى الترتيب لها في البيت الأبيض، مقر إدارة الحكم في أميركا، أن تبدأ عملية التطبيع بين إسرائيل والسودان على المستوى السياسي عبر عقد لقاء بين البرهان ونتانياهو، تتبعها لقاءات وزيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين، لترتيب الصفقات والاتفاقيات السياسية والتجارية.

تشمل الصفقة الجديدة التي يعتبرها الفلسطينيون "طعنة في الظهر"، تبادل البعثات الدبلوماسية بين البلدين، والتنسيق السياسي في مختلف القضايا، والتبادل التجاري، على أن يسمح السودان للطائرات التجارية من وإلى إسرائيل بعبور الأجواء الجوية السودانية.

وتتضمن الصفقة التي تعارضها غالبية الشعب والقوى السياسية في السودان، مساعدة تل أبيب للخرطوم في زراعة مساحات شاسعة من أراضيه، واستغلال مياه الأنهار بشكل أمثل، وإقامة مشروعات سياحية وصناعية.

غير أن أهمّ ما يعتبره القادة السودانيون مكسبًا من التطبيع مع إسرائيل، يتمثل في تعهد أميركا برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية إليه.

وكشف رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح عبد الفتاح البرهان أمس تفاصيل اللقاء الذي جرى بينه ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي بيوغندا. وقال البرهان إنه أخطر رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك قبل يومين من اللقاء، وإن حمدوك رحب بالخطوة.

أضاف البرهان، خلال لقاء مع رؤساء تحرير الصحف السودانية، أمس، في مكتبه في القيادة العامة للجيش السوداني، أن قوى الحرية والتغيير ليست معترضة على الخطوة، ولكن اعتراضها على عدم التشاور حولها قبل إتمام اللقاء، وكشف عن رئيس حزب كبير أسره بأنه مع التطبيع ولكنه يخشى مؤسسة الحزب.

وأوضح أن "اللقاء تم وفقًا لقناعته الشخصية، بأهمية طرق كل الأبواب من أجل الشعب السوداني والنهوض بالدولة"، مشيرًا إلى أنه "جرى بترتيب من الولايات المتحدة، وأن هناك محادثات تحضيرية سبقت اللقاء بثلاثة أشهر تمت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو".

قال إن الهدف من اللقاء مع نتانياهو هو "رفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب"، مشيرًا إلى أنه "تم الاتفاق مع نتانياهو على عبور رحلات شركات الطيران الدولية القادمة من إسرائيل بالأجواء السودانية ما عدا شركة العال".

ذكر البرهان أنه تم تجاوز الخلافات مع مجلس الوزراء وملف العلاقات مع إسرائيل بيد الجهاز التنفيذي وستشكل لجنة للنظر فيه.
ولفت إلى أن اللقاء مع نتانياهو لم يتطرق إلى صفقة القرن نهائيًا، مشددًا على ثبات الموقف من القضية الفلسطينية.

تحظى صفقة التطبيع مع إسرائيل بمباركة الجيش السوداني، وقال المتحدث باسم الجيش، العميد عامر محمد الحسن، إنه "من المتوقَّع أن يعود اللقاء بفوائد كبيرة على السودان، وأضاف في بيان له: "نتوقع أن يلمس السودانيون نتائج التفاهمات مع نتانياهو قريبًا، وأن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمرّ به البلاد يحتاج قرارات جريئة".

قال المتحدث باسم الجيش السوداني، إن العسكريين غير طامحين في الاستمرار في الحكم، وإن همّهم الأول هو تسليم السلطة إلى الشعب، بحسب ما جاء في الوثيقة الدستورية.

وأكد أن "اجتماعًا لقادة القوات المسلحة عُقِد في القيادة العامة، أمّن على نتائج زيارة القائد العام لأوغندا ومخرجاتها، بما يحقق المصلحة العليا للأمن الوطني". وأعلن المتحدث العسكري أن بلاده وافقت على السماح للطائرات التجارية المتجهة إلى إسرائيل بعبور المجال الجوي السوداني.

في المقابل، أكد مسؤولون إسرائيليون أنه سيؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين. وقال مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي دور غولد إنّ تلّ أبيب مستعدة لاستقبال زيارات السودانيين للمسجد الأقصى.

وذكر غولد الذي يتقلّد حاليًا رئاسة مركز القدس للشؤون العامة في تصريحاتٍ لصحيفة الانتباهة السودانية، الصادرة اليوم الخميس، أنّ تلّ أبيب سوف تقوم بدعم الثورة في السودان.

قوبل الاجتماع بين رئيس مجلس السيادة السوداني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بمعارضة شعبية وسياسية في السودان، ولاسيما حكومة الدكتور عبد الله حمدوك.

وعقد مجلس الوزراء السوداني اجتماعًا طارئًا بعد وقت وجيز من تصريحات البرهان، امتد أكثر من 4 ساعات، وعقد بعده اجتماع بين حمدوك وتحالف قوى الحرية والتغيير.

قال المتحدث باسم الحكومة، وزير الإعلام، فيصل محمد صالح، إن مجلس الوزراء تفاجأ بتصريحات البرهان التي أطلقها ظهرًا حين التقى صحافيين متحدثًا عن معلومات جديدة تخالف ما قاله حين اجتمع بالوزراء لتنويرهم حول لقاء عنتيبي.

أضاف في بيان له صدر منتصف ليل الأربعاء، أن رئيس الوزراء "لم يكن على علم بزيارة رئيس مجلس السيادة إلى عنتبي ولقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولم يحدث أي إخطار أو تشاور في هذا الأمر".

وجدد صالح التأكيد على أن أمر السياسة الخارجية من اختصاص الجهاز التنفيذي، وأنه جرى اتفاق على الرجوع إلى الوثيقة الدستورية لتحديد الاختصاصات بدقة.

أشار إلى أن "أمر العلاقات مع إسرائيل شأن يتعدى اختصاصات الحكومة الانتقالية ذات التفويض المحدود، ويجب أن ينظر فيها الجهاز التشريعي والمؤتمر الدستوري".

وأكد أن "الحكومة الحالية تمثل ثورة، حملت شعارات الحرية والسلام والعدالة، وألهمت المناضلين والتواقين للحرية والعدالة في كل أنحاء العالم، ولا يمكن أن يكون من أولوياتها في هذا الوقت الانقلاب على شعارات الثورة والتنكر للشعوب المضطهدة والمناضلة".