أسامة مهدي: في محاولة جديدة للالتفاف على الحراك الشعبي في العراق ووضعه تحت قيادته واجندته، فقد اعلن الصدر خارطة طريق تتضمن 18 شرطا لاستمرار الاحتجاجات تتماشى مع خططه لانهائها رغبة لايران التي يصدر منها بياناته، فيما تصدى له المتظاهرون مؤكدين رفضهم لخططه فيما دعت اللجنة المنظمة للمظاهرات الامم المتحدة الى التدخل لوقف المذابح التي تنفذ ضدهم.

وفيما يخرج طلبة الجامعات اليوم في مليونيات احتجاج، وبعد الرفض الشعبي والمرجعي والدولي لجريمة مهاجمة انصار رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر من مليشيا سرايا السلام من اصحاب القبعات الزرق لمتظاهري مدينة النجف وقتل واصابة حوالي 200 منهم الاربعاء، فقد عاد الصدر خلال الساعات الاخيرة ليعلن ما قال انه اتفاق مع عدد من "المتظاهرين" في محاولة لتجيير الاحتجاجات لحساب اجندته السياسية من خلال 18 شرطا سرعان ما رفضها المحتجون رغم محاولته لاظهار حسن نيته بسحب انصاره من بعض ساحات الاحتجاج في بغداد ومحافظات اخرى الليلة الماضية.

متظاهرو كربلاء يهتفون مساء امس "لمّي كلابك يا إيران... بغداد أشرف من طهران":

وقد شكك المحتجون بهذا الاجراء واعتبروا انه محاولة من الصدر للدفع بعناصره من دون قبعات الى ساحات التظاهر وشق صفوف المحتجين وخلق البلبلة بينهم. وأشاروا الى ان دعوته الى سيطرة القوات الامنية الخاضعة لارادة قادة الاحزاب الموالية لايران على ساحات التظاهرهي خطة يحقق من خلالها رغبته في انهاء الحراك الشعبي.

المتظاهرون يرفضون اتفاق الصدر مع من يدعون تمثيلهم

وقالت "اللجنة المنظمة لمظاهرات ثورة تشرين" في بيان صحافي حصلت "إيلاف" على نصه اليوم، انها اطلعت على بيان صادر عن بعض المحسوبين على الجامعة التكنولوجية يتضمن اتفاقات حصلت في اجتماع عقد الجمعة بين المدعو ابو دعاء العيساوي الموصوف بالمعاون الجهادي للصدر وعدد من قادة القبعات الزرق وبين ممثلين عن اتباع التيار الصدري في ساحة التحرير ادعوا فيه تمثيل المعتصمين زورا وبهتانا فإنها تؤكد "بانها لم ولن تشارك في أي اجتماع مع قتلة المتظاهرين ولا تعترف بأي اتفاق جرى مع اولئك الذين لا يمثلون المعتصمين بأي حال من الاحوال وانها غير معنية بما توصلوا اليه من اتفاقات".

طلبة جامعات كربلاء ينظمون محفلا قرآنيا على ارواح ضحايا الاحتجاجات

ورأت اللجنة ان ما جرى هو عبارة عن "اتفاقات بين طرفين يخضعان لنفس الفكرة التي تحاول ركوب موجة التظاهرات وحرفها عن مسارها الصحيح إلى مكاسب حزبية وفئوية".

وأشارت الى ان "محاولات عودة المجرمين إلى ميادين وساحات الاعتصام مرة أخرى بعد أن أصبحت أيديهم ملطخة بدماء الشهداء والأبرياء من المتظاهرين السلميين، هو اسلوب جديد وحبل من حبائل القتلة الذين ينفذون اجندة ايرانية يقصد منها شق صفوف المعتصمين السلميين ليسهل الانقضاض عليهم وفض اعتصامهم السلمي تحقيقا لمآربهم الخبيثة بتمرير مرشح الاحزاب الفاسدة لمنصب رئيس الوزراء الذي رفضته جميع الساحات".

الصدر يحاول اخضاع الحراك الشعبي لاجنداته

وضمن محاولاته هذه لاخضاع الحراك الشعبي لاجندته السياسية، فقد اعلن الصدر عن خارطة طريق لتحريك الاحتجاجات تحت ما اسماه "ميثاق ثورة الاصلاح" على الرغم من انه ليس طرفا الان في الاحتجاجات.

ولاحظ مراقبون ان الصدر قد نصب من خلال ذلك نفسه آمرا ومحاولا تشويه سمعة المحتجين واتهامهم بتعاطي المخدرات وممارسة الجنس، كما سعى الى تحديد مواعيد وامكنة تظاهراتهم والكيفية التي يعبرون فيها عن احتجاجاتهم.

وتضمنت خارطة طريق الصدر 18 خطوة لمسيرة الاحتجاج تضمنت سلمية المظاهرات من خلال: عدم اجبار أي شخص على التظاهر والاحتجاج مطلقا .. وعدم قطع الطرق والاضرار بالحياة العامة .. وعدم منع الدوام في المدارس والجامعات... وعدم التعدي على الأملاك الخاصة والعامة وعلى المرافق الخدمية والصور والمقار وإخلاء مناطق الاحتجاج والاعتصام من أي مظاهر التسليح.

الاعلامية ختام عبد الزهرة تستقيل من قناة العهد لمليشيا العصائب وتنظم للاحتجاجات

كما تنص خطة الصدر على: إدارة المظاهرات من الداخل والتخلي عن المتحكمين بها من الخارج مطلقا.. وعدم تسييسها لجهات داخلية او خارجية حزبية كانت ام غيرها.. واعلان البراءة من المندسين والمخربين.. وتوحيد المطالب لجميع تظاهرات العراق.. والعمل على تشكيل لجان من داخل المظاهرات من اجل المطالبة بالافراج عن المعتقلين والمختطفين والتحقيق الجدي في قضية شهداء الاصلاح الذين سقطوا خلال المظاهرات.. ثم العمل على ايجاد ناطق رسمي للمظاهرات.

كما نصت خارطة الصدر على: عدم التعدي على القوات الامنية وتقديم المعتدين سابقا او لاحقا للقوات الامنية فورا.. ومراعاة القواعد الشرعية والاجتماعية للبلد قدر الامكان وعدم اختلاط الجنسين في خيام الاعتصام واخلاء اماكن الاحتجاجات من المسكرات والمخدرات.. وانسحاب (القبعات الزرق) وتسليم امر حماية المتظاهرين والخيام بيد القوات الامنية المسلحة.. وتحديد اماكن التظاهر والاعتصام ومن خلال موافقات رسمية وبالتنسيق مع القوات الامنية.. والالتزام بتوجيهات المرجعية والقيادات الوطنية .. وطرد كل من يثير الفتنة الداخلية والطائفية ..اضافة الى ان يكون يوم الجمعة يوما لتظاهرات حاشدة من دون الاعلان عن أي انتماء لغير العراق ومن دون التفرقة بهتاف او فعل.. والتحقيق بحادثة (الوثبة) و (مرقد السيد الحكيم) و (حادثة ساحة الصدرين) ومجزرة الناصرية وما شابهها في جميع المحافظات.. وعدم تدخل المتظاهرين في امور سياسية ثانوية كالتعيينات ورفض بعض السياسات .. وعدم زج الثوار في تشكيل الحكومة الموقتة واعطاء اهمية لتجمع طلبة الجامعات ففيه نصرة للاصلاح وعدم التعدي عليهم ما داموا سلميين.

وكان الصدر ألقى بثقله في البداية وراء الانتفاضة المناهضة للحكومة لكنه عدل موقفه منذ اقامته في قم الايرانية اواخر العام الماضي تجاه المؤسسة السياسية بعدما كلف تحالفه "سائرون" وتحالف هادي العامري "الفتح" محمد توفيق علاوي المقرب من ايران في الاول من الشهر الحالي بتشكيل الحكومة الجديدة.

ومنذ ذاك الحين، أصدر الصدر سلسلة من الدعوات المتناقضة إلى أتباعه إذ طالبهم بالعودة إلى الشوارع بعد أيام من الانسحاب منها لدعم المتظاهرين. لكن انصار الصدر اصطدموا بالمتظاهرين المناوئين للحكومة مهددين لهم إما باتباع نهج الصدر أو مغادرة مواقع التظاهر.

وتدور منذ حوالي الشهرين بين الحين والاخر اشتباكات بين أتباع الصدر وبين المحتجين في بغداد ومحافظات أخرى، ما ادى الى سقوط العشرات من القتلى والمصابين بين صفوف المحتجين.

المتظاهرون يدعون الامم المتحدة الى تدخل يوقف المذابح ضدهم

وإثر ذلك، ناشدت "اللجنة المنظمة لمظاهرات ثورة تشرين" الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيروس في رسالة حصلت "إيلاف" على نصها بالتدخل العاجل لوقف المذابح التي يتعرض لها المتظاهرون السلميون في بغداد والمدن الاخرى "حيث اصبح استخدام السلاح ضدهم سياسة ثابتة للقوات الحكومية والمليشيات المسلحة الموالية الى ايران وبتواطؤ مع حكومة بغداد، مما يسبب بسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى يوميا".

الناشط مهند الطائي توفي متأثرًا بجروح إثر هجوم للمليشيات في بغداد

وبعد ان استعرضت اللجنة مسيرة الحراك الشعبي واسبابه منذ اربعة اشهر، فقد إشارت إلى أن "احدث عمليات قمع المظاهرات هو ما جرى في الايام الاخيرة من مجازر وحشية ارتكبتها القوات الامنية والميليشيات في كل من الناصرية والنجف الاشرف وكربلاء المقدسة وفي ساحة التحرير في العاصمة بغداد، مما اسفر عن سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح".

وأوضحت أن عدد الضحايا من المتظاهرين السلميين منذ بدء المظاهرات في الاول من اكتوبر 2019 ولحد الان قد تجاوز 800 قتيل وأكثر من 25 الف جريح، اضافة الى مئات المختطفين والمغيبين قسريا.. مبينة ان اجهزة السلطة تحاول التقليل من الاعداد والتنصل عن مسؤوليتها في كشف مصير المعتقلين والمختطفين.

وأكدت اللجنة للامين العام للامم المتحدة ان مسار الحل الذي يطالب فيه المتظاهرون في العراق هي مطالب الشعب بكافة طوائفه ومكوناته الذي دعم المظاهرات السلمية بشكل لا محدود بعد ان ضاق ذرعا بسياسات النظام السياسي الفاشلة.

وابلغت اللجنة غوتيروس ان مطالب الشعب تتلخص في انهاء نظام المحاصصة الطائفية بكل مؤسساته التنفيذية والتشريعية (البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية) .. وتجميد الدستور... وانهاء الهيمنة الايرانية والاجنبية والاحزاب السياسية والمليشيات المسلحة المجرمة.. وتشكيل حكومة انتقالية موقتة من شخصيات وطنية مستقلة لمدة لا تزيد على سنة واحدة تقوم خلالها بما يلي:

أ. كتابة قانون انتخابات منصف وعادل جديد.
ب. اجراء انتخابات حرة ونزيهة باشراف الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي٫ على ان لا يشارك فيها من اشترك في مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية منذ 2003ولحد الان.
ج. كتابة دستور جديد للبلاد يراعى فيه مصالح الشعب العراقي وفقا للقوانين المحلية والدولية وبعيدا عن التمييز الطائفي او العنصري.

وطالبت اللجنة الامين العام شخصيا بموجب ميثاق الامم المتحدة ومن خلاله المجتمع الدولي "باتخاذ الاجراءات اللازمة بالتشاور مع اعضاء مجلس الامن بالضغط على حكومة المنطقة الخضراء لاجبارها على حماية المتظاهرين السلميين والكف عن انتهاكات حقوق الانسان من خلال استخدام اساليب القتل والقمع والارهاب والترويع ضد المدنيين السلميين والتي لم تعد مقبولة قانونيا واخلاقيا على الاطلاق".

كما طالبت اللجنة المنظمة لمظاهرات تشرين العراقية الامين العام للامم المتحدة بتسهيل اجراءات مشاركة وفد منها ليقدم اليه ولمجلس الامن "ايجازا موثقا بكل ما يتعلق بالانتفاضة العراقية الكبرى وما تعرض له المتظاهرون السلميون من شتى انواع الانتهاكات".

يشار الى ان المفوضية العراقية العليا لحقوق الانسان قد أعلنت الجمعة الماضي مقتل 543 متظاهرا منذ انطلاق التظاهرات قبل اربعة اشهر، بينهم 276 في بغداد وحدها فيما وصل عدد المصابين الى 30 ألفا بينهم آلاف أصيبوا بطلقات نارية حيث يوجه المتظاهرون أصابع الاتهام لقوات الأمن والميليشيات الموالية لإيران والعناصر التابعة لأحزاب سياسية.

وأوضحت المفوضية أن عمليات الاغتيال طالت 22 ناشطا بينما فقد أثر 72 آخرين يعتقد أن بعضهم لا يزالون محتجزين لدى الجهات التي قامت باعتقالهم .. واشارت الى انه قد جرت 2700 عملية اعتقال ضد نشطاء لا يزال 328 منهم قيد الاحتجاز.