القاهرة: بواجهات مبانيه الأنيقة وشوارعه التي تكسوها أشجار خضراء، احتفظ حي مصر الجديدة الراقي في شرق العاصمة المصرية بطابع مميز على مدى أكثر من عشرة عقود. ولكنه يشهد منذ بضعة أشهر تغييرات كبيرة تثير حسرة سكانه.

منذ الصيف الماضي، بدأت السلطات العمل بهمة على ربط القاهرة بالعاصمة الادارية الجديدة، التي يشرف الجيش على بنائها على بعد 45 كيلومتراً الى الشرق من وسط العاصمة الحالية.

هذا المشروع الضخم تبلغ كلفته عشرات المليارات من الدولارات. واعتبارا من أواخر 2020 ستبدأ العاصمة الادارية الجديدة، وهي مشروع أثير لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في استقبال مؤسسات الدولة والحكومة وكبرى مؤسسات القطاع الخاص وكذلك البعثات الخارجية.

وحتى الآن توجد في مصر الجديدة، غير البعيدة عن العاصمة الادارية، مقرات الرئاسة المصرية والعديد من المؤسسات التابعة للجيش.

ولكن هذه المنطقة،التي أسسها رجل الصناعة البلجيكي البارون امبان على غرار المدينة-الحديقة الاوروبية، تراجعت أهميتها بالفعل الى المرتبة الثانية.

- "عمل تخريبي"-

وخلال الاشهر الاخيرة، قامت السلطات على الرغم من احتجاجات السكان بقطع الكثير من أشجار هذا الحي ذي الطراز المعماري الفريد الذي يجمع بنجاح بين الطرازين الشرقي والأوروبي.

ويجري انشاء ما لا يقل عن ستة جسور تربط بين مصر الجديدة وطريق السويس الذي يؤدي الى العاصمة الادارية، من أجل تسهيل حركة مرور المركبات.

وتقول عليا قاسم وهي صحافية ومتطوعة في منظمة "مبادرة تراث مصر الجديدة" إن هذا الحي "أنشئ أساسا ليناسب المشاة، السيارات كانت دائما ثانوية".

ووفقا لحسابات هذه المنظمة، ففي غضون أربعة أشهر أزيلت 390 الف متر مربع من المساحات الخضراء، أي ما يوازي اكثر من 50 ملعباً لكرة القدم، في مصر الجديدة.

في ميدان تريومف وشارعي النزهة وابو بكر الصديق، تم اقتلاع النخيل وأشجار الفيكوس القديمة من اجل توسيع طريق السيارات لتتكون من قرابة 12 مسارا بدلا من 6.

وتقول دليلة الكرداني، أستاذة التخطيط العمراني في جامعة القاهرة، إن هذه التغييرات تعد "عملا تخريبيا" في الحي الذي ظل حتى الان متنفسا ورئة خضراء للعاصمة المصرية.

كما أدت هذه التغييرات، التي تكلفت قرابة 48 مليون دولار (وفقا للصفحة الرسمية لمحافظة القاهرة على فيسبوك)، الى دفن مشروع تطوير ترام مصر الجديدة، الذي نجح في اجتذاب تمويل دولي في العام 2018.

وفي حديقة مقهى شانتيي، أحد المعالم العريقة في حي مصر الجديدة، يقول شكري أسمر، أحد مؤسسي "مبادرة تراث مصر الجديدة" إنه يأسف "للتضحية بالترام كوسيلة مواصلات مستدامة لصالح مزيد من السيارات".

ورغم أن البعض يقر بأنه باتت هناك سيولة مرورية أكبر، الا أن سكان مصر الجديدة ينتقدون المشروع ويعتبرون انه تم تنفيذه بتعجل.

- أمر واقع -

ويقول أسمر بأسف "لقد وضعنا أمام الأمر الواقع".

وتشير الكرداني الي ان المشروع أطلق من دون الحصول على تصريح من الجهاز القومي للتنسيق الحضاري المسؤول عن الحفاظ على التراث الحضري.

وباستثناء حفنة من النواب، لا تبدو السلطات مهتمة بانتقادات السكان الذين يتحدثون كذلك عن تزايد الحوادث القاتلة على الطرق بعد اتساعها.

وخلال اجتماع عام في منتصف يناير الماضي، قال أسامة عقيل المهندس الذي أشرف على الأعمال، إن اقامة "ممرات للمشاة أمر يخص السكان" وليس الدولة ، ما اثار احتجاجات الأهالي.

ولم ترد محافظة القاهرة، التي يتبعها حي مصر الجديدة، على أسئلة فرانس برس بشأن هذا المشروع.

وإزاء هذا التحديث الذي تشهده مصر الجديدة، تخشى الكرداني من أن تمتد القاهرة حتى قناة السويس (130 كم الى الشرق من مصر الجديدة) ما سيخلق مجمعا ضخما يصعب إدارته".

وأما أسمر فلا يستبعد من جانبه أن يلقى حي المطرية وحي مدينة نصر المجاورين المصير نفسه في صمت.

ويقول إن سكان مصر الجديدة من الشرائح الميسورة والمؤثرة وبالتالي "بوسعهم أن ينتقدوا علنا" هذه التغييرات. ويضيف: "اذا سكتنا سيصمت الجميع".